أبرزت قمة سويسرا حول وحدة وسلامة أوكرانيا التحديات التي يواجهها الغرب في حشد أصوات دول الجنوب، لا سيّما بعد التناقضات الكبيرة التي ارتكبها في ملف حرب الإبادة التي تتعرض لها فلسطين على يد الكيان الصهيوني، علاوة على موقف البريكس.
وشهدت سويسرا، الأحد الماضي، قمة بمشاركة 92 دولة حول أوكرانيا، ومقاطعة كل من الصين وروسيا ودول أخرى، تهدف لتوسيع الدعم السياسي والدبلوماسي لأوكرانيا في مواجهة روسيا حتى لا يبقى مقتصراً فقط على الغرب، والإيحاء بأن العالم كلّه ضد سياسة روسيا وحليفتها الصين. علاوة على المطالبة بتأمين الملاحة الدولية، ومنها في البحر الأسود، لنقل القمح، والرفض التام للتهديد بالسلاح النووي.
استحضر بعض الدول الكيل بمكيالين في سياسة الغرب، في حرصه الشديد على إيقاف الحرب الأوكرانية- الروسية، والمماطلة في الحرب التي تعيشها فلسطين، رغم بشاعتها الإنسانية
وبعيداً عن العناوين التي قام بعض وكالات الأنباء الغربية بتسويقها، كدعم الدول للسلاح في أوكرانيا، والرهان على الحوار مع روسيا، تأتي القمة لتبرز فشل الغرب في هذا الامتحان لأسباب متعددة، على رأسها اقتصار الدول غير الغربية على المشاركة بوفود من تمثيل غير عال، عبْر وكلاء الخارجية، أو وزراء الخارجية في أحسن الأحوال، بينما شارك الغرب برؤساء الدول والحكومات، خاصة الدول الأوروبية.
في هذا الصدد، امتنعَ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عن الحضور في قمة سويسرا، رغم إلحاح الزعماء الغربيين.
وألغى رئيس كولومبيا غوستافو بيترو مشاركته في آخر لحظة، مشدداً، كعادته، على ضرورة معالجة أوكرانيا وفلسطين، وهو ما طرحه منذ شهور.
بينما رفضت الصين المشاركة، ولو بوفد صغير، في غياب روسيا.
في الوقت ذاته، استحضر بعض الدول، مثل جنوب إفريقيا، الكيل بمكيالين في سياسة الغرب، في حرصه الشديد على إيقاف الحرب الأوكرانية- الروسية، والمماطلة في الحرب التي تعيشها فلسطين، رغم بشاعتها الإنسانية من تقتيل المدنيين.
ويتبين فشل الغرب في رفض عدد من الدول التوقيع على البيان الختامي، الذي حاز فقط على توقيع 78 دولة من 92 من المشاركين، بينما عارضته 14 دولة أخرى، وحاول الرئيس الأوكراني فلاديميرو زيلنسكي التخفيف من وقع الرفض، بقوله إن “البيان الختامي مفتوح للانخراط فيه من طرف الدول التي تؤمن بمبادئ الأمم المتحدة”. ولعل أبرز معارضة جاءت من البرازيل وجنوب إفريقيا والهند وبعض الدول العربية، مثل العربية السعودية.
وتبرز قمة سويسرا حول السلام في أوكرانيا معطيات جيوسياسية هامة في العلاقات الدولية، وهي:
أولاً؛ تراجع الغرب في حشد التأييد في ملفات يعتبرها إستراتيجية، مثل الحرب الأوكرانية، وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها لما يشبه الصفعة الدبلوماسية في هذا الملف، بعد صفعة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال مارس/آذار 2022، عندما أراد الغرب حشد العالم ضد روسيا، وفشل في مسعاه.
من أبرز التناقضات الصارخة في تصرفات الغرب كيف ركّزَ على فرضية 20 ألف طفل انتزعتْهم روسيا من عائلاتهم، فيما يتفادى مقتل قرابة 20 ألف طفل على يد إسرائيل في حربها ضد فلسطين
ثانياً؛ التنسيق البيّن والواضح بين دول البريكس في فرض خط سياسي في القضايا الدولية، إذ إن المعارضة في قمة سويسرا للسلام في أوكرانيا تزعمتها دول مجموعة البريكس، سواء الأعضاء المؤسسون، مثل جنوب إفريقيا والهند والبرازيل، أو الأعضاء الجدد، مثل العربية السعودية والإمارات العربية.
ثالثاً؛ تحوّل قضية فلسطين إلى ما يشبه سيف ديموقليس الأخلاقي في مواجهة الغرب، إذ إن كل مبادرة دبلوماسية من الغرب يتم فيها استحضار الموقف غير الإنساني للكثير من أعضائه، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، بشأن الحرب ضد فلسطين.
ومن أبرز التناقضات الصارخة في تصرفات الغرب كيف ركّزَ على فرضية 20 ألف طفل انتزعتْهم روسيا من عائلاتهم، فيما يتفادى مقتل قرابة 20 ألف طفل على يد إسرائيل في حربها ضد فلسطين.