جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال يومي 18 و19 حزيران/يونيو الجاري، إلى كوريا الشمالية، لتعزز العلاقات الثنائية، التي أعيد تنشيطها مؤخراً، وفي الوقت نفسه لتزيد المخاوف من حجم المساعدات العسكرية الروسية لبيونغ يانغ.
جاءت الزيارة، وهي الأولى إلى كوريا الشمالية منذ عام 2000، كردّ للزيارة التي قام بها زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا، في أيلول/سبتمبر 2023.
وقال المحلل الإستراتيجي الأمريكي بروس كلينجنر، المتخصص في الشؤون الكورية واليابانية في مركز الدراسات الآسيوية بمؤسسة “هيرتيدج فاونديشن” الأمريكية، إنه على الرغم من أنه من غير المرجح أن يعلن الرئيسان اتفاقات محددة بشأن الأسلحة، فقد يطوّرا علاقتهما العسكرية لتشمل تعهداً روسياً بالدفاع عن كوريا الشمالية.
وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، قال كلينجنر، الذي عمل لمدة 20 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.أيه) ووكالة استخبارات الدفاع، بما في ذلك في منصب نائب رئيس (سي.آي.أيه) لقطاع كوريا، إن العلاقات الثنائية الروسية الكورية الشمالية ضعفت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن غزو موسكو لأوكرانيا أضفى على العلاقات أهمية جديدة.
يتكهّن خبراء بأن موسكو قد تقدّم أبرز وأهم ما لديها من تكنولوجيا عسكرية، مثل تصميمات الرؤوس النووية ومركبات إعادة الدخول، أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات
وقدّمت كوريا الشمالية دعماً دبلوماسياً للغزو، وبدأت في شحن ذخائر. وكانت زيارة كيم، في أيلول/سبتمبر 2023، إلى روسيا بمثابة انفراجة في العلاقات الثنائية، وأكدت الوفاق العسكري والدبلوماسي المتزايد بين البلدين.
وزار كيم منشآت روسية تنتج أسلحة جوية وبحرية وبرية، إلا أنه لم يتم الإعلان عن اتفاقات عسكرية.
ومنذ تلك الزيارة، شحنت كوريا الشمالية كميات ضخمة من ذخائر المدفعية، وعشرات من أحدث صواريخها الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا.
وذكر وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك مؤخراً أن كوريا الشمالية أرسلت، حتى الآن، 10 آلاف حاوية شحن، يمكن أن تحتوي على 8ر4 مليون قذيفة لدعم غزو روسيا لأوكرانيا. إلا أنه لم يتضح بعد ما الذي حصلت عليه بيونغ يانغ، أو ما الذي ستحصل عليه مقابل سخائها العسكري.
وخلال العام الماضي، قام مسؤولون بارزون روس وكوريون شماليون، وكذلك العديد من الوفود الاقتصادية والزراعية والتنموية بزيارات متبادلة. إلا أن تفاصيل أي مساعدات عسكرية روسية إلى كوريا الشمالية لا تزال غير معروفة.
ويتكهّن بعض الخبراء بأن موسكو قد تقدّم أبرز وأهم ما لديها من تكنولوجيا عسكرية، مثل تصميمات الرؤوس النووية ومركبات إعادة الدخول، أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ويرى كلينجنر أنه مع ذلك، فإنه من المرجح بشكل أكبر أن تقدّم روسيا لكوريا الشمالية التكنولوجيا أو المساعدة في إنتاج الأسلحة التقليدية الأكثر تطوراً، مثل الطائرات والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وأقمار الاستطلاع العسكرية وتكنولوجيا الإطلاق. وقد رأى البعض أن أول عملية إطلاق ناجحة لقمر صناعي كوري شمالي، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كانت نتيجة لنقل التكنولوجيا الروسية.
وذكرت كوريا الجنوبية أن عدداً كبيراً من الخبراء الروس سافروا إلى كوريا الشمالية، بعد قمة زعيمي البلدين في أيلول/سبتمبر 2023، للمساعدة في جهود كوريا الشمالية لإطلاق أول قمر صناعي للتجسس، وأشارت إلى أن موسكو ربما تكون قد قدمت دافع المرحلة الأولى لمركبة إطلاق جديدة أطلقتها بيونغ يانغ، الشهر الماضي، إلا أن عملية الإطلاق لم تنجح.
ويرى كلينجنر أنه من غير المرجح أن ترسل روسيا أسلحة إلى كوريا الشمالية، نظراً لأن موسكو تحتاجها في غزوها لأوكرانيا. ومن غير المرجح أيضاً أن تعلن موسكو أو بيونغ يانغ أي نقل للتكنولوجيا العسكرية خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تعرّضهما لعقوبات من المجتمع الدولي. ولكن ربما يعلن الرئيسان تعزيزاً رسمياً لعلاقتهما العسكرية.
وفي عام 1961، وقّعت الدولتان معاهدة صداقة ومساعدة متبادلة، شملت بنداً للتدخل العسكري التلقائي حال تعرّض أيّ من البلدين لهجوم. وانتهت المعاهدة في عام 1996، بعدما أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية. وفي عام 2000 وقّعت الدولتان اتفاقية تعاون ثنائي، إلا أنها لم تشمل أي علاقات عسكرية.
ووفقا لكلينجنر، فإن العلاقات الروسية الكورية الشمالية المتنامية خطيرة بالنسبة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية في أوروبا وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتمكّنت بيونغ يانغ من زيادة هجمات روسيا على أوكرانيا مع الحصول على فوائد اقتصادية، ما يقوّض فعالية العقوبات الدولية.
العلاقات الثنائية الروسية الكورية الشمالية ضعفت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن غزو موسكو لأوكرانيا أضفى على العلاقات أهمية جديدة
وحذر كلينجنر من أن أيّ تعزيز روسي للقدرات العسكرية لكوريا الشمالية، حتى بالنسبة للأسلحة التقليدية، سيزيد المخاطر بالنسبة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، حليفتي الولايات المتحدة، وكذلك للقوات الأمريكية المتمركزة هناك. وأي تحالف عسكري رسمي روسي كوري شمالي سيعقد الخطط العسكرية للحلفاء للرد على أي هجمات كورية شمالية أو غزو كبير، وكذلك سيشجع بيونغ يانغ على انتهاج سلوك أكثر استفزازاً.
وقد انحازت روسيا إلى جانب كوريا الشمالية لفترة طويلة في مجلس الأمن الدولي، لتحمي بيونغ يانغ من عقوبات دولية أكثر صرامة. وفي وقت سابق من العام الجاري، عرقلت موسكو قرار التجديد السنوي للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة التي تراقب انتهاكات كوريا الشمالية لـ11 قراراً أممياً ضد البرامج النووية والصاروخية للنظام. وستزيد ممارسات موسكو من صعوبة مراقبة الامتثال الدولي للعقوبات المطلوبة.
واختتم كلينجنر تحليله بالقول إن التطبيق الضعيف من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للقوانين الأمريكية وعقوبات الأمم المتحدة تسبب في تقويض فعالية العمل الدولي ضد الانتهاكات المتكررة من كوريا الشمالية، وكذلك الكيانات الصينية والروسية التي تساعد أنشطة بيونغ يانغ النووية والصاروخية المحظورة. وشدّدَ على أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تطبق قوانينها بقوة أكبر، وأن تقود ائتلافاً دولياً لاستهداف بيونغ يانغ وشركائها بشكل شامل.
(د ب أ)