اياد العناز
عادت العلاقة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والنظام الإيراني إلى مستواها الأول في طبيعة الاختلافات الجوهرية في عدم انتظام إيران بالحد من عملية التطوير القائم في برنامجها النووي وكمية الخزن الموضعي لليورانيوم المخصب وزيادة فعاليات الطرود المركزية وأدوات الإنشطار النووي، وهوما تضمنه تقرير محافظي الوكالة الدولية في الخامس من حزيران 2024 والذي تم التصويت عليه بأغلبية ساحقة بمطالبة إيران اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المخاوف المتعلقة بنشاطها النووي والإسراع بالتعاون بشكل كامل مع جميع المتطلبات التي تقدمت بها الوكالة الدولية.
القرار الذي قُدم كان مقترح عملت عليه الدول الثلاث ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) وتم التصويت عليه ب ( 20) مندوب ومعارضة الصين وروسيا وامتناع (12) مندوب، وحدثت مفاجأة ان امتنع المندوب الأمريكي عن التصويت في اللحظة الأخيرة طالبًا من الوكالة تقرير شامل عن الأنشطة النورية وباعتباره وثيقة رسمية من الوكالة تناقشها مع إيران وتبحث معها آليات التنفيذ.
ان موقف الولايات المتحدة الأمريكية يندرج في ضوء سياستها المتبعة في منطقة الشرق الأوسط باعتماد التهدئة اساس في كل الأزمات المحيطة بالمنطقة حتى موعد الانتخابات الأمريكية القادمة في تشرين ثاني 2024 ولدعم سلسلة الإجتماعات والمفاوصات التي تجريها مع المسؤولين الإيرانيين في العاصمة العُمانية ( مسقط) للوصول إلى آراء مشتركة حول الأمور الجانبية المتعلقة بمصالح البلدين ومنها تحديد مسار جديد لإتفاقية تعنى بالبرنامج النووي الإيراني تسعف إدارة بايدن وتزيد من فرصه في الفوز بولاية ثانية مقابل إطلاق الأموال المجمدة الإيرانية ورفع الحصار الإقتصادي والسماح للنظام الإيراني استعادة دوره الإقليمي والدولي في علاقاته مع بلدان العالم.
ولكن توجد هناك بعض المعوقات التي لا تسعف الرؤية الأمريكية أو تحد من صلاحية الوفد الإيراني في التفاوض منها الموقف الذي يتصف بالحذر من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي في اتخاذ قرار التعديل أو الموافقة على بنود أي اتفاقية جديدة خاصة وأنها تأتي من خضم الصراعات السياسية بعد غياب الرئيس أبراهيم رئيسي الذي قتل في حادث تحطم مروحيته يوم 19 آيار 2024 والتهئ والاعداد لاختيار رئيسا للبلاد، وهناك الموقف الأوربي الذي يحاول الضغط على النظام الإيراني للالتزام بما تطالب به الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنعه من استخدام الوقت لصالحه والذي بموجبه تنتهي العقوبات في سنة 2025، وإيران تلعب على سياسة اقتناص الفرص وتوظيفها لصالحها فهي تدرك ان هناك انتخابات قادمة في واشنطن وانتخابات بريطانية في تموز القادم مع انتخابات نيابية فرنسية في حزيران الحالي.
والموقف الأمريكي يسعى للحفاظ على مسك العصا من الوسط في تخفيف المخاوف من نتائج التطور الحاصل في البرنامج النووي الإيراني، حيث آشار مسؤولي المخابرات الأمريكية في آذار 2024 (بعدم وجود دليل على أن إيران تحاول استخدام اليورانيوم الخاص بها كسلاح) وهذا ما يعني التشكيك بدور المراقبين الدوليين العاملين المهتمين بالنشاط النووي في الشرق الأوسط.
وأمام هذا التقرير فإن النظام هدد باتخاذ اجراءات ميدانية بالامتناع عن التعاون مع مفتشي الوكالة واعتبار التقرير ذات صبغة سياسية للتأثير على الموقف الإيراني واستغلال الأوضاع الداخلية التي تمر بها البلاد، وسبق لإيران وأن أزالت بعض كاميرات المراقبة الخاصة بالوكالة من المنشأت النووية في حزيران 2022 وعملت على رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60٪ بعد قرار أدانتها في تشرين ثاني 2022، وحظر دخول المفتشين إلى مواقع نووية واستمرار التعنت الإيراني في زيارة رئيس الوكالة في آيار 2024.
وفي آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية صدر في 15 حزيران 2024 نددت فيه ( فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بأحدث تحركات إيران في التوسع ببرنامجها النووي الذي تضمنه تقرير الوكالة، وأن إيران اتخذت مزيدًا من الخطوات في سبيل إفراغ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) من مضمونه عبر تشغيل العشرات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الإضافية في موقع التخصيب في نطنز، فضلًا عن إعلانها أنها ستركب آلاف أجهزة الطرد المركزي الإضافية في موقعي فوردو ونطنز.
وشدد البيان المشترك للدول الأوربية الثلاث على أن (قرار إيران زيادة طاقتها الإنتاجية بشكل كبير في منشأة فوردو تحت الأرض يثير القلق بشكل خاص).
وأن إيران ملزمة قانونًا بموجب معاهدة حظر الإنتشار النووي بالتنفيذ الكامل لإتفاق الضمانات الخاص بها وهو منفصل عن خطة العمل الشاملة المشتركة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر في ( إن التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوضح أن إيران تهدف إلى توسيع برنامجها النووي بطرق تخلو من غرض سلمي ذي مصداقية)، وهذا ما يعني وجود فتور في طبيعة المحادثات الثنائية بين واشنطن وطهران أو أن الإدارة الأمريكية تسعى لضمانات إيرانية وكذلك دعم مؤقت للدول الأوربية الحليفة،بعد أن
شددت الخارجية الأميركية على أنه يتوجب على إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون أي تأخير من أجل التطبيق الكامل لالتزاماتها الخاصة بالسلامة والملزمة قانونيًا،ثم التأكيد والعودة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية
ستظل على تنسيق مكثف مع شركائها وحلفائها بقولها (ونحن جاهزون لمواصلة رفع الضغط على إيران في حال استمر انقطاع تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية).
تستمر إيران في سياسة الممانعة والتعنت وإظهار القوة في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومواقف الدول الأوربية الثلاث بسبب ترجح الموقف الأمريكي وعدم وجود ثوابت في التعامل حول البرنامج النووي وادراك إيران لحاجة الولايات المتحدة الأمريكية لعوامل التهدئة وعدم التصعيد حتى الانتخابات القادمة وهو ما تعمل إيران على توظيفه لصالحها وتحقيق منافعها في زيادة فعالية النشاط النووي وتقديم نفسها قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية