سبق إلقاء حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني خطابهُ في الحفل التأبيني للقائد العسكري في الحزب ( طالب سامي عبد الله) في التاسع عشر من حزيران 2024 أن أرسلت إليه القيادة الإيرانية تحذيرًا من محاولة اغتياله من قبل إسرائيل، وهو ما كان له وقع ذات تأثير واضح في مجمل الرسائل التي احتواها خطابه في المناسبة المذكورة والذي آلقاه في الضاحية الجنوبية لبيروت.
يمكن الاستدلال على أن التحذير الإيراني أعاد بحسن نصر الله إلى ذاكرته واقعة اغتيال عباس الموسوي الأمين العام السابق لحزب الله والتي تم تنفيذها بواسطة مروحيات إسرائيلية على طريق تفاحتا بإطلاق عدة صواريخ حرارية حارقة على سيارته في 16شباط 1992، وهذا ما تخشاه إيران أن يتكرر في أي محاولة للتصعيد حالة الاشتباكات القائمة حاليًا بين إسرائيل ومقاتلي وتشكيلات حزب الله وباعتبار أن حسن نصر الله أصبح من أقدم القيادات التي مضى عليها 32 سنة في مسؤولية الحزب.
أتسم الخطاب الذي جاء في مناسبة تأبين أبرز قيادي حزب الله ( طالب سامي عبد الله) الذي تم اغتياله عبر غارة جوية نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي على منزل في قرية جويا القريبة من مدينة صور جنوب لبنان، ليعطي عدة انطباعات عن السلوك السياسي والعسكري الذي يعكس طبيعة التوجهات الحالية لحزب الله اللبناني والتي تتوافق والرؤية الإيرانية في الحفاظ على المكاسب التي تحققت لها بعد أحداث السابع من تشرين الأول 2023، ولهذا فأن حسن نصرالله أشار إلى نقطة مهمة وهي أن المعركة مع إسرائيل إن حدثت ستكون شاملة وتستهدف السواحل الإسرائيلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والسفن والبواخر الراسية فيها أو القريبة منها وجميع الأهداف العسكرية والأمنية عبر الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة دون أي تحديد لمكان معين إلا أنه أكد على خشية الحكومة الإسرائيلية من دخول مقاتلي الحزب إلى منطقة الجليل، رغم أنه سبق وأن أعلن قيام عدد من الطائرات المسيرة بتصوير ميناء حيفا والأماكن الإستراتيجية فيه والتي قد تكون من الأهداف التي من الممكن اقتحامها عبر عمليات خاصة.
يحاول نصر الله أن يمنح القوة والأقتدار والمعنويات العالية لعناصره عندما يشير إلى أن المعركة ستكون برية وبحرية وجوية وإمكانية استهداف منصات تصدير النفط والغاز والوصول للعمق الإسرائيلي خلال ساعات بوجود عشرات الآلآف من المقاتلين، والأمر الأهم أن أمين عام الحزب هدد ولأول مرة دولة ( قبرص) إذا استخدمت أراضيها في تسهيل مهمة إسرائيل في أي معركة قادمة بعد قيامها مؤخرًا بمناورات مشتركة مع القوات العسكرية الإسرائيلية.
يمكن ملاحظة الأسلوب الذي اتبعته التشكيلات الميدانية لحزب الله والذي ابتعدت به عن قواعد الاشتباك الذي تم تحديده بعد العمليات العسكرية في قطاع غزة، بأن شهدت الأيام القليلة الماضية استخدام الصواريخ المتوسطة والطائرات المسيرة في استهداف أهداف مختلفة إسرائيلية في العمق.
وأستندت قيادة الحزب في تحركاتها الأخيرة على المديات التي تتمتع بها بسيطرتها
جغرافيًا على كامل مناطق الجنوب وعلى جزء مهم من البقاع لا سيما في شماله وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيطها في العاصمة وهي تشكل 20 ٪ من المساحة العامة للجمهورية اللبنانية، ولكن قيام حزب الله بفتح جبهة للمواجهة دون التنسيق الكامل مع القيادات السياسية والعسكرية اللبنانية بحجة دعم العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية يعني تعريض الأمن القومي والوطني اللبناني للعديد من عوامل الاختراق وضياع هويته واستقلاله السياسي، ولكن هناك الطموحات والغايات الإيرانية التي تفرض عليه ادامة زخم المواجهة مع إسرائيل وضمان تحقيق النصر الجيو سياسي والحفاظ على دور رئيسي وفعال في الصراعات الدائرة في المنطقة والتي تستهدف مستقبلها،وهو ما افصحت عنه السياسة الإيرانية بإرسال وزير الخارجية الإيراني وكالة ( على باقري كني) في أول زيارة له بعد مقتل أبراهيم رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان إلى لبنان ولقائه قيادات حزب الله وأشارته إلى ( ان العلاقات بين إيران ولبنان مؤشر رئيس للإستقرار في المنطقة وأن المقاومة هي أساس الإستقرار في المنطقة)، ولكن الحكومة الإسرائيلية وقياداتها العسكرية استمرت بعملية الرد والقيام بعمليات استهدفت العمق الميداني للهيئات والتشكيلات الأمنية القتالية لحزب الله دون الدخول للأراضي اللبنانية.
ورغم جميع حالات التعقيد السياسي الذي تشهده منطقة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلا أن المفهوم الإستراتيجي الذي تبديه القيادات الإيرانية لمفهوم الاستقرار يندرج
في هيمنة إيران على المنطقة وفرضها النظام الأمني الإقليمي الذي تديره في غياب أي قوة موازية وطموحاتها وغاياتها يحددها آية الله أحمد علم الهدى وهو عضو مجلس الخبراء وصهر الرئيس السابق أبراهيم رئيسي بقوله (أن العالم الذي استعبدته الحداثة ينهار، وعالم ما بعد الحداثة يلوح في الأفق، وهو عالم لا يمكن أن تقوده إلا إيران الإسلامية).
يعتمد حزب الله في تصعيد مواجهته إلى عوامل الدعم الذي يتلقاه من النظام الإيراني والامكانيات التي تسخرها قيادات الحرس الثوري في استخدام الطرق البرية والأجواء الجوية العراقية والسورية في إيصال الإمدادات وشحنات الأسلحة بكافة انواعها والتي جعلت منه أكثر الاحزاب تسليحًا في العالم مع امتلاكه لشبكة أنفاق تحت الأرض تساهم في استحضاراته لأي معارك طويلة الأمد.
وتبقى المعارضة الداخلية للأحزاب السياسية والكتل المسيحية والدروز وبعض القيادات السنية في معارضة حزب الله في عمليات المواجهة والتصعيد وتهديد الساحة اللبنانية واقحامها في أزمات إقتصادية وإجتماعية قد تؤدي إلى حالات من النزوح الجماعي للأهالي في المناطق الواقعة تحت سيطرته أو سقوط الكثير من الضحايا المدنيين وتهديد حالة الأمن والأمان الداخلي والذي بدأت تباشيره تظهر بقيام البعثات الدبلوماسية لبعض الدول الأوربية والعربية بتوجيه مواطنيها إما بمغادرة الأراضي اللبنانية أو عدم السفر إليها،مع استمرار الاتصالات الأمريكية والفرنسية لمنع أي حالات التصعيد أو الوصول إلى مواجهة كبيرة.
احتمالات المواجهة قائمة والتي ترافقها العديد من الاستحضارات العسكرية والاجتماعات الدولية والمناورات السياسية التي تحاول الحفاظ على إبقاء الحالة الميدانية دون أن تشهد أي فتح لجبهة الشمال وإمكانية احتواء المواجهات وإيجاد الحلول المناسبة لها والحفاظ على مصالح جميع الأطراف والتي تتفاعل مع الأهداف الإيرانية في ابقاء الاجتماعات قائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية لادامةزخم المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الإقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة قبل بداية الانتخابات الأمريكية القادمة، والتزام إسرائيل بالاستماع الى حلفائها الغربيين مع حرص واشنطن على عدم الانجرار إلى مواجهة في منطقة ملتهبة وهي تتجه نحو تصعيد اهتماماتها بما ستؤول إليه الأحداث في غزة والنتائج القادمة لانتخابات الرئاسة في تشرين ثاني القادم.
جميع الأطراف تدرك أن الجنوب اللبناني لا يقتصر على مقاتلي حزب الله بل هناك الحلفاء معه من كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وقوات الفجر الجناح العسكري لتنظيم الجماعة الإسلامية السنية اللبنانية وكتائب ابو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع الأخذ بالإهتمام الدعوة التي أطلقهتها جميع فروع تنظيمات الاخوان المسلمين.
يحاول حزب الله اللبناني التمسك بالمواجهة العسكرية للحفاظ على شرعية المقاومة وتعزيز مواقفه وأن الأراضي اللبنانية له ولإيران إنما هي ساحة تستخدم لتحقيق اهدافهما وغايتهما بعيدة عن أي تضحيات يقدمها أبناء الشعب اللبناني.
وتبقى الخشية من عودة الحرب الأهلية في لبنان اذا ما أقدم حزب الله وإيران على حالة التصعيد والمواجهة والتي ستشهد رفض سياسي وشعبي ومواجهة ميدانية لأهداف حزب الله من قطاعات عديدة ممثلة بالحزب المسيحية والقيادات السياسية الدروز وبعض قيادات الأحزاب السنية
وقد تجر لبنان إلى مخاطر تهدد وجوده واستقلاله وتعيد للاذهان أحداث الحرب الأهلية سنة 1975،
وهذا ما أوضح إليه القيادي السياسي اللبناني كميل شمعون إن لدى المناطق المعارضة لـحزب الله سلاحًا وعتادًا يسمح بتجنيد وتعبئة 20 ألف مقاتل، وإذا اقتضى الأمر سينالون دعمًا كاملًا في الأقل من نصف الجيش اللبناني للمحافظة على مناطقهم ومنع حزب الله من دخولها،
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية