سودانيون في مصر يرفعون خريطة حلايب وشلاتين للرد على استهدافهم

سودانيون في مصر يرفعون خريطة حلايب وشلاتين للرد على استهدافهم

القاهرة- أظهر تعامل الأمن المصري بصرامة مع سودانيين رفعوا خرائط على مقار عملهم، تضم منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين البلدين، ضيقا من تصرفات بعض اللاجئين عن قصد أو دونه، لكنه قد يتسبب في مشكلات سياسية، بالتزامن مع تقارير دولية تتحدث عن تضييقات ضد السودانيين في مصر، ما يجعل رفع الخرائط حركة احتجاج.

وأثارت الخرائط التي رفعت في أماكن مختلفة وتضم منطقة حلايب وشلاتين الواقعة حاليا تحت السيادة المصرية، سخطا شعبيا واسعا، دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات بترحيل أحدهم، ومطاردة آخرين، أمام الضغوط المتصاعدة على الحكومة بوضع حد لمثل هذه التجاوزات التي تظهر تحديا سافرا للشارع والنظام من قبل سودانيين.

وفسّرت دوائر سياسية في القاهرة حدة الغضب الشعبي ضد الخرائط السودانية بأن الواقعة تزامنت مع اتهامات للاجئين بإضعاف الخدمات المقدمة للمواطنين في مناطق بعينها والمساهمة في زيادة الغلاء بالنسبة إلى الغذاء والسكن، يضاف إلى ذلك استفزازهم بملف يمثل حساسية ترتبط بنزاع ممتد حول أحقية منطقة حلايب وشلاتين.

ويتجدد الجدل حول تبعية هذه المنطقة الواقعة على الحدود الجنوبية لمصر مع السودان، بينما تخضع المنطقة لسيطرة مصرية، وتحاول قوى سودانية إحياء الأزمة من وقت إلى آخر لتنغيص العلاقات المشتركة، وهو ما وصفته القاهرة في تصريحات رسمية سابقة أن الهدف من إثارة القضية “إحداث فتنة بين البلدين”.

وبدأت الأزمة الأخيرة عندما اكتشف مصريون وجود خريطة على أحد المخابز المستأجرة من سوداني، تضم حلايب وشلاتين، ما أثار موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، ومطالبات بتحرك أمني، وتحول الأمر إلى قضية رأي عام على الفضاء الإلكتروني، واتهام رؤساء الأحياء بالتقصير في مراقبة تصرفات اللاجئين.

وتكررت الواقعة بتداول صورة أخرى لمحل سوداني لتصفيف الشعر (حلاق) قام أيضا بوضع خريطة لبلاده تضم حلايب وشلاتين، ما بدا لشريحة من المصريين أن الأمر متعمد، أو كأن هناك محاولة من سودانيين لاستغلال وجودهم في مصر لإثارة منغصات سياسية حول قضية خلافية، ما قد يتسبب في أزمة بين مصريين وسودانيين.

وأزال صاحب المحل السوداني اللافتة التي تحوي الخريطة، نافيا وجود أبعاد سياسية، لكن وسائل إعلام محلية أكدت أنه تم إلقاء القبض عليه وترحيله دون أن تنفي الأجهزة الأمنية ذلك، وجرى تداول تلك الأنباء على نطاق واسع ونشرت في صحف سودانية.

وتداول مصريون على منصات التواصل لافتات أخرى لمحال ومؤسسات تعليمية سودانية في مصر، مصحوبة بخريطة تضم منطقة حلايب وشلاتين، ما وسّع التململ الشعبي، جراء الشعور بوجود شبهة لتعمد استفزاز المصريين الذين وجهوا الغضب ضد جهات حكومية ما زالت حائرة في آلية التعامل مع ملف اللاجئين.

ويعتقد مراقبون أن اتساع الغضب من نشر صور لخرائط سودانية لا يعبر عن موقف شعبي أو رسمي ضد السودانيين، بقدر ما يرتبط بوقائع فردية لا تمثل كل اللاجئين المقيمين في البلاد، في ظل حالة تعاطف مع الفارين من الصراع في السودان، لكن المشكلة في الإقدام على تصرفات وسلوكيات يراها مصريون تمسّ بسيادة بلدهم.

وما يبرهن على عدم وجود موقف موحد ضد السودانيين أن إحدى المؤسسات التعليمية السودانية في القاهرة عندما اعتذرت عن نشر صورة لشعار المؤسسة الكائنة بإحدى مناطق محافظة الجيزة، وتضم خريطة السودان وبها حلايب وشلاتين، تفهّم الكثير من المصريين عدم وجود مآرب سياسية، وكتبوا تعليقات تثني على تصرف المؤسسة.

◄ الجدل حول تبعية حلايب وشلاتين يتجدد بينما تخضع المنطقة لسيطرة مصرية، وتحاول قوى سودانية إحياء الأزمة من وقت إلى آخر

وقال اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية المصري السابق وعضو مجلس الشيوخ حاليا (الغرفة الثانية للبرلمان) أن المصريين لديهم حساسية تجاه ما يخص سيادة بلادهم، وكل لاجئ مطالب بضرورة احترام القوانين واللوائح وعدم إثارة قضايا مرتبطة بالأنظمة السياسية، لأن التمادي في ذلك ستكون له انعكاسات سلبية على اللاجئين.

وأضاف لـ”العرب” أن اللعب على وتر ملف حساس بين مصر والسودان في هذا التوقيت خطأ كبير، ويبدو مقصودا من أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، لافتا إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد المتجاوزين طبيعية، لأن استفزاز المصريين من بعض اللاجئين خطر، والأمن المصري لن يقبل بممارسات مخالفة للقوانين.

وما أثار غضب دوائر حكومية أن التصرفات الفردية لبعض السودانيين تزامنت مع تقارير حقوقية تحدثت عن وجود استهداف متعمد من القاهرة لمن يحملون الجنسية السودانية، وترحيلهم عن البلاد بشكل غير قانوني، وفي ظروف غير إنسانية، دون اكتراث لكون بعضهم ارتكب مخالفات أو قام بتصرفات غير قانونية.

وطالبت منظمة العفو الدولية الأربعاء السلطات المصرية بوقف الاعتقالات التي وصفتها بـ”التعسفية الجماعية” والترحيل غير الشرعي للاجئين السودانيين، وتحدثت عن اعتقال الآلاف من اللاجئين وترحيلهم بشكل غير قانوني، وهي اتهامات نفاها المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، مؤكدا أن الحكومة تحترم القانون الدولي.

واعتادت منظمات حقوقية دولية توظيف أيّ تصرف خشن من مؤسسات مصرية ضد اللاجئين لتصدير صورة سلبية عن أوضاعهم والإيحاء بأن الحكومة تتعامل معهم بطريقة غير آدمية، وهي إشكالية تحدث منغصات سياسية للقاهرة، وتحرجها بين ترضية الشارع بإجراءات ضد المتجاوزين والتعامل بحكمة لوقف انتقادات حقوقية.

وتتمسك الحكومة المصرية بتحييد السياسة عن ملف اللاجئين المقيمين داخل البلاد، أو ممارسة أيّ منهم عملا يتسبب في خلق أزمة سياسية، لأنها قد تؤدي إلى أزمة مع بلدانهم، أو مشكلة أمنية بالصدام مع مواطنين محليين، لكن تلك الحسابات الأمنية لا تلقى تأييدا من المنظمات الحقوقية الدولية، ويتلقفها معارضون لتوظيفها كأداة للانتقام من القاهرة.

وتعتقد دوائر شبه رسمية في القاهرة أن النفخ السياسي في مشكلة قديمة مع السودان يتطلب التعامل معه بصرامة لمنع تكراره، لأن الصمت قد يفتح جبهة جديدة للتوتر في توقيت بالغ الحساسية لمصر والسودان.

ويستبعد متابعون أن تكون حملة المطالبة الشعبية بالتعامل مع السودانيين بصرامة أو ترحيلهم وجدت صدى واسعا عند الحكومة، لأنها تتناقض مع سياسات مصر تجاه اللاجئين، والسودانيين بشكل خاص، في ظل مساع لتقنين أوضاعهم مؤخرا، دون حديث عن ترحيل بلا أسباب، والاستفادة من الأجانب ضمن خطط جذب الاستثمارات.

وقد يفضي توالي حملات الاستهداف المعنوي التي يتعرض له سودانيون إلى مشكلات تجابه بعضهم، وتؤدي إلى زيادة الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين، ما يمهد لحدوث أزمات للحكومة تتطلب التعامل معها بحذر وحكمة خشية أن يستثمرها خصومها لتعميق مشاكل اللاجئين وتأليب الشارع من بوابة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحفاظ على السيادة المصرية.

العرب