عملية الفرقة 98 التابعة للجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، ودخول ثالث إلى هذه المنطقة في الحرب الحالية ضد حماس، ووجهت بمقاومة لا بأس بها. منذ بداية الاقتحام الخميس الماضي، قتل في المعارك جنديان من لواء المظليين النظامي ومن لواء 7 التابع لسلاح المدرعات، وأصيب عدد آخر. نشر الجيش الإسرائيلي عن عشرات المخربين القتلى في هذه العملية. وفي حادثة أخرى، قتل في رفح الخميس جندي من لواء “الناحل” بنار قناص فلسطيني. واحتدم تبادل إطلاق النار مع حزب الله الجمعة على الحدود مع لبنان، بعد بضعة أيام على انخفاض حجم القتال. موقع “اكسيوس” نشر عن جهود أمريكية جديدة لتحريك المفاوضات حول صفقة تبادل بواسطة صياغات تنازل جديدة. احتمالية نجاح ذلك تظهر ضعيفة في هذه الأثناء.
جميع هذه التطورات مهما كانت مهمة قد تؤثر على الحرب في الشرق الأوسط بشكل أقل من توجهات الولايات المتحدة بعيدة المدى. ظهور الرئيس الأمريكي الذي بدا ضعيفاً ومشوشاً أحياناً في مواجهته مع ترامب فجر الجمعة ربما يبشر بانعطافة استراتيجية دولية. بدأت وسائل الإعلام الأمريكية والحزب الديمقراطي نقاشاً جدياً حول إمكانية انسحاب بايدن واستبداله في هذا الصيف قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني. ورغم أن الرئيس وحاشيته متمترسون في مواقفهم وتعاملوا مع فشل أول أمس وكأنه سقوط مؤقت، ووعدوا بمواصلة المعركة ضد ترامب، فإن مناقشة ذلك تجد صدى في المجتمع الدولي، وقد تنعكس على ما يحدث في المنطقة هنا.
المناظرة التلفزيونية التي بثتها “سي.ان.ان” كشفت ضعف الاحتمالات غير المتفائلة، التي سيتعين فيها على مئات ملايين المصوتين الأمريكيين الاختيار بين رئيس مسنّ يفقد القدرات ويجد صعوبة أحياناً في إنهاء فكرة دون قطع خط تفكيره أو ضياعه تماماً، وبين كاذب نرجسي ومجرم مدان، الذي يكون مستوى وضوحه المعرفي أحياناً مشكوكاً فيه. من غير المفاجئ أن الكثير من الناخبين الشباب يفكرون بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ولكن إلى جانب الضجة غير المسبوقة التي تجري في الداخل بين أوساط الديمقراطيين، فهي أزمة قد تحدث هزة دولية ثانوية. وهي تظهر وصف بايدن بأنه بطة عرجاء في الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات. وإذا لم يتنازل عن الترشح، فإن أعداء الولايات المتحدة قد يحاولون اختبار تصميمه في الأشهر القريبة القادمة. وإذا انسحب فمن المتوقع حدوث اضطراب داخلي، سيكون فيها اهتمام الإدارة التاركة، سواء فاز الديمقراطيون أم لا، مركزاً على الساحة السياسية الداخلية.
أما إزاء إسرائيل والمنطقة، فإن التداعيات الاستراتيجية الأهم تتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. إن نظام طهران، على خلفية التردد الأمريكي والمس بردع إسرائيل منذ مذبحة 7 أكتوبر، يزيد من دعمه لحزب الله وحماس، وبادر إلى هجوم أول مع مئات الصواريخ والمسيرات على إسرائيل في نيسان الماضي، والآن يعزز مكانة إيران كـ “دولة حافة” نووية قد تجتاز العتبة الأخيرة في الطريق إلى إنتاج القنبلة.
في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في إيران أول أمس، لم يتم تحقيق حسم بين المرشح الراديكالي سعيد جليلي والمرشح الإصلاحي (نسبياً) مسعود بزشكيان. في الأسبوع القادم، سيتم إجراء جولة أخرى. الدكتور راز تسيمت، الخبير في شؤون إيران في معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، كتب أمس أنه رغم سياسة إيران الاستراتيجية التي يقررها بالأساس المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن فوز مرشح متطرف مثل جليلي قد يحدث تأثيراً للأسوأ إزاء التوصل إلى تسويات. إذا رأت إيران أن بايدن أكثر ضعفاً ومتردد ومهدد في الداخل، فستزداد جرأتها.
الضعف الديمقراطي وارتفاع احتمالية فوز المرشح الجمهوري ترامب، ستحدث هزة ثانوية في إسرائيل أيضاً، وفي “حزب الله” وحماس. مثلاً، هل ستجري حماس إعادة تفكير في سياستها حول صفقة التبادل أم ستعتقد أن ترامب سيواصل تبني خط دعم كامل لمعركة إسرائيل ضدها كما قال في المناظرة؟ وفي الوقت الذي أصبح فيه كل صوت أكثر حسماً بالنسبة له، هل سيستجيب بايدن لانتقاد الجناح اليساري في حزبه ويتخذ خطوات كبح ضد نشاطات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة؟ هل سيقدر حزب الله وإيران أن بايدن منزعج وقلق جداً الآن إلى درجة لا يمكنه دعم إسرائيل في حالة اندلاع حرب شاملة في لبنان.
الكثير من الردود الأولية في اليمين الإسرائيلي هزئت ببايدن وأملت فوز ترامب. هذا نكران للجميل. بايدن أرسل مساعدات عسكرية بحجم كبير إلى إسرائيل، وربما وقوفه الحازم إلى جانب إسرائيل في بداية الحرب منع حرباً مكلفة وربما فاشلة مع “حزب الله”. إضافة إلى ذلك، ترامب دعامة ضعيفة. فقد وصف قيادة إسرائيل بـ”الخاسرة” بعد المذبحة، وبعد مشاجرته مع رئيس الحكومة نتنياهو عندما اعترف بفوز بايدن في 2020 ونثر إشارات على نيته وقف المساعدات الخارجية الأمريكية لدول صديقة.
أما كييف فذعرها أكبر إزاء عداء ترامب للأوكرانيين وإعجابه بالرئيس الروسي بوتين. ولكن لا سبب لإسرائيل كي تطمئن على خلفية احتمالية فوز ترامب المتزايدة. يكفي التذكر بأن العلاقة بين نتنياهو وترامب عندما كانت في ذروتها عام 2018، اقتنع الأخير بالإعلان عن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، الخطوة التي زادت انشغال إيران بالدفع قدماً بالمشروع النووي، خلافاً للتنبؤات والوعود التي أعطاها نتنياهو.