بايدن أو ترامب… ومخاوف الداخل وقلق الخارج!

بايدن أو ترامب… ومخاوف الداخل وقلق الخارج!

لا تحسم نتيجة المناظرات الرئاسية الأمريكية الأطول والأكثر تعقيداً وكلفة في العالم الأمور. سجلت المناظرة الأولى بين الرئيسين بايدن والسابق ترامب عدة سوابق. أول مناظرة تعقد مبكرا في يونيو وليس كعادتها، بمشاركة رئيس سابق مدان بـ34 تهمة جنائية وتلاحقه خمسون تهمة أخرى في ثلاث قضايا جنائية على المستوى الفيدرالي وولاية جورجيا. ومنها رفض تسليم وثائق سرية بدلاً من تسليمها للأرشيف الوطني حسب القانون الفدرالي. كما تجرى الانتخابات والمناظرة بين أكبر مرشحين بتاريخ الرئاسة الأمريكية.
تطرقت المناظرة لملفات الداخل والخارج: الاقتصاد والدين العام والضرائب والإجهاض، وهو ملف حساس ومثير للجدل يؤيده بايدن ويعارضه ترامب، ما يثير غضب شريحة من النساء واسعة، إضافة إلى الهجرة غير الشرعية. وملفات الشؤون الخارجية: حرب روسيا على أوكرانيا ودعم حرب إسرائيل على غزة. وكان صادماً فشل توظيف بايدن سجل ترامب الضعيف وتجاوزاته بخرق القانون وتناقضاته وإدانته وقائمة الأكاذيب وتضليله الناخبين وتجيير ذلك لتعزيز مكانته وإقناع المشككين بقدراته وإمساكه بزمام القيادة وممارسة الحكم. في المقابل استغل ترامب ضعف وتردد وتيه بايدن في المناظرة، وراكم حسب إحصائية 30 معلومة خاطئة وغير دقيقة نسبها لنفسه وضد بايدن خلال 90 دقيقة مدة المناظرة.
وُصف أداء الرئيس بايدن في المناظرة التي شاهدها أكثر من 50 مليون أمريكي والملايين حول العالم بمن فيهم قادة وصناع قرار ومستشارون في عشرات الدول حول العالم، بالسيئ والكارثي للرئيس بايدن أمام خصمه دونالد ترامب في أتلانتا ولاية جورجيا- مصنفة من الولايات المتأرجحة- فاز بها الرئيس بايدن عام 2020. وصوتت للرئيس ترامب عام 2016. والملفت توجيه تُهم جنائية للرئيس ترامب لمحاكمته في ولاية جورجيا بتهمة تدخله لتغيير أو تزوير نتائج الانتخابات من وزير دولة ولاية جورجيا لحرمان بايدن من الفوز بالولاية. وينتظر تحديد موعد لمحاكمة ترامب في ولاية جورجيا.

أمريكا في ورطة وعقم سياسي كبير، يعمق مخاوف الداخل وقلق الحلفاء في الخارج، سواء فاز ترامب المتهور والمتقلب، أو عاد بايدن المشكك بكفاءته وقدراته

كان صادما انحدار لغة الخطابة وتبادل الاتهامات والشتائم والتنابز بالألقاب والشطحات والمبالغات التي طُرحت من المرشحين ووصلت إلى التجريح الشخصي بين الرئيسين بايدن وترامب. وكان ملفتا اتهام ترامب الرئيس بايدن بأنه فلسطيني ضعيف وفاسد وخاسر وأسوأ رئيس بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية- وتهدد سياسته بتفجير حرب عالمية ثالثة ولم يعد أحد يحترم أمريكا تحت رئاسته، وخاصة روسيا والصين وكوريا الشمالية-وفتح حدود أمريكا للمهاجرين القتلة والإرهابيين غير الشرعيين!!
بينما اتهم الرئيس بايدن ترامب بخيانة زوجية مع ممثلة إباحية- والتأكيد على أن ترامب أول رئيس سابق مجرم مدان ب34 تهمة جنائية في نيويورك بالاحتيال والتلاعب بسجله المالي لإخفاء فضيحة دفع 130 ألف دولار بطريقة غير مباشرة عن طريق محاميه مايك كوهين الذي انقلب عليه وفضحه. لكن في المحصلة النهائية بايدن هو من هزم نفسه بنفسه وليس تفوق وتميز ترامب الذي روج لكثير من الأكاذيب والمبالغات وراوغ حول دوره في تحريض أنصاره اقتحام مبنى الكونغرس في يناير 2021- وتلك تهمة فيدرالية جنائية أخرى وُجهت إلى ترامب- ستبت المحكمة العليا في الاستئناف بأنه كان يملك حصانة دبلوماسية عندما وقع الهجوم على مبنى الكونغرس في محاولة غير مسبوقة للانقلاب على النظام الانتخابي الأمريكي. ما دفع مايك بنس نائب الرئيس ترامب لانتقاده ومعه وزير عدل ترامب ووزراء آخرون ومستشاره جون بولتون للانشقاق وانتقاد ترامب وحتى التعهد بعدم التصويت لترامب والتحذير من خطورة إعادة انتخابه. وكان صادماً تأكيد ترامب قبوله نتيجة الانتخابات إذا خسرها، في «حال كانت عادلة فقط»! مكرراً موقفه بطعنه بنتيجة انتخابات 2020-ويرفض حتى اليوم الاعتراف بخسارتها!
كان ملفتا في المناظرة حجم الهجوم والتجريح الشخصي بين بايدن وترامب. أكد الرئيس بايدن أن ترامب لا يستحق العودة لمنصب الرئيس. ووصفا بعضهما بالرئيس الأسوأ في تاريخ رئيس الولايات المتحدة. ووصف ترامب الرئيس بايدن «بالفاشل». واتهم ترامب بايدن في مبالغة واضحة بأنه ترك الحدود مفتوحة لتدمير أمريكا»! في استغلال واللعب على عامل التحذير من مخاطر الهجرة غير الشرعية عبر الحدود مع المكسيك.
لم تحظ ملفات السياسة الخارجية بالاهتمام المطلوب.. وانتقد ترامب توفير بايدن وإدارته أموالا طائلة لأوكرانيا ووصف الرئيس الأوكراني بأفضل مسوق لتقديم الدعم لأوكرانيا وادعى أن حرب أوكرانيا لم تكن لتحدث لو كان لدى أمريكا قائد! وتعهد ترامب بشطحة ومبالغة أنه سينهي الحرب في أوكرانيا في حالة فوزه وحتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض!
وتعهد بدعم إسرائيل للاستمرار في الحرب ضد حماس. وادعى أن «إسرائيل» تريد استمرار الحرب، لكن لا تسمح إدارة بايدن بالاستمرار. واتهم بايدن «بأنه أصبح كالفلسطيني ولكنه فلسطيني سيئ»! كما لم يقدم ترامب إجابة واضحة إذا ما كان سيدعم قيام دولة فلسطينية كما هو هدف جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها إدارة الرئيس بايدن. وعلق ترامب: « سيتوجب علي النظر فيما سأدعم قيام دولة فلسطينية لتحقيق سلام دائم»- وهو خطاب نتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني. بينما أكد الرئيس بايدن الذي تعرض لانتقاد من نتنياهو لتأخير إرسال شحنات أسلحة بأن أمريكا الدولة التي تقدم أكبر دعم لإسرائيل.
كان مستغرباً إعلان حالة الاستنفار داخل الحزب الديمقراطي وتسريبات متناقضة بعد أداء الرئيس بايدن المخيب وفشله بتأكيد قدراته العقلية والإدراكية لقيادة الولايات المتحدة. وزاد هامش التشكيك بقدرات بايدن بممارسة أعباء رئاسة الدولة الأقوى والأغنى والأكثر نفوذاً في العالم للسنوات الأربع القادمة. حتى طالبه محللون ووسائل إعلام بالتنحي وهو ما يرفضه!
أمريكا في ورطة، وعقم سياسي كبير يعمق مخاوف الداخل وقلق الحلفاء في الخارج، سواء فاز ترامب المتهور والمتقلب، أو عاد بايدن المشكك بكفاءته وقدراته، بقيادة أي منهما أمريكا!