التغيير غير مطروح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية

التغيير غير مطروح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية

أدلى الإيرانيون الجمعة بأصواتهم في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية دون أن يحدوهم أمل في التغيير. ويستشف إحباط الإيرانيين من نسبة العزوف غير المسبوقة على صناديق الاقتراع.

طهران – يرى محللون أنه أيا تكُن نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إيران سواء فاز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان أو المرشح المتشدد سعيد جليلي، فتأثيرها سيكون محدودا على توجّه البلاد لأنّ للرئيس في إيران صلاحيات محدودة.

وتقع المسؤولية الأولى في الحكم في الجمهورية الإسلامية على عاتق المرشد الأعلى الذي يُعتبر رأس الدولة، أما الرئيس فهو مسؤول على رأس حكومته عن تطبيق الخطوط السياسية العريضة التي يضعها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

ومن المستبعد أن يحدث الرئيس المقبل أي تحول كبير في السياسة الخارجية بشأن برنامج إيران النووي أو تغيير في دعم الميليشيات المسلحة بأنحاء الشرق الأوسط، في وقت يتصاعد فيه التوتر في المنطقة والأزمة مع الغرب.

المعارضة داخل إيران وكذلك في الشتات، تعتبر أن المعسكرين المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة

وأجريت الانتخابات في أوقات عصيبة جدا للنظام الإيراني ولكل البلاد. ففي هذا العام يتوقع محللون اقتصاديون أن تصل نسبة التضخم في إيران إلى 40 في المئة، ونسبة البطالة إلى أكثر من 10 في المئة.

ويؤكد محللون اقتصاديون أن النظام الإيراني غير قادر على تحسين الأوضاع الاقتصاية والاجتماعية للمواطنين (على الأقل في المستوى المنظور) في ظل العقوبات الغربية.

وتقول الخبيرة في الشأن الإيراني ساره بازوبندي “إنهم (الناس) لا يثقون بالنظام وليس لديهم أمل في التغيير. لذلك يرى الكثير من المواطنين أن نتائج الانتخابات قد تم تحديدها سلفا”.

وتسيطر مؤسسة الحرس الثوري على المنظومة الاقتصادية للبلاد ما يعزز اقتصاد الريع، كما أن للفساد المستشري لدى المسؤولين الحكوميين دورا كبيرا في الانزلاق الاقتصادي وتعميق الفجوة الاجتماعية.

دعي نحو 61 مليون ناخب في إيران الجمعة للإدلاء بأصواتهم في 58638 مركزا في أنحاء البلاد الشاسعة من بحر قزوين شمالا إلى الخليج جنوبا، وقد تم تمديد فترة الاقتراع حتى الساعة 20:00 بالتوقيت المحلي (الساعة 16:30 ت.غ) بعد عزوف غير مسبوق من الناخبين في محاولة للتدارك لكن دون نتيجة.

وفي الدورة الأولى التي جرت قبل أسبوع، بلغت نسبة الإقبال على التصويت 39.92 في المئة من أصل 61 مليون ناخب، في أدنى مستوى لها منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاما.

ودعت شخصيات معارضة داخل إيران وكذلك في الشتات، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة أنّ المعسكرين المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة.

ويرى منتقدون أن انخفاض نسبة المشاركة بمثابة تصويت بحجب الثقة في الجمهورية الإسلامية.

وانخفضت نسبة إقبال الناخبين على مدى السنوات الأربع الماضية، ويقول معارضون إن هذا يظهر تآكل الدعم للنظام وسط تزايد الاستياء العام من الصعوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية.

يُعزى انخفاض نسبة المشاركة إلى عدّة عوامل، أبرزها أن قطاعا واسعا من الشعب الإيراني يدرك أن السلطات والصلاحيات الحقيقية هي بيد خامنئي

وبدى مستوى الحماس بين الناخبين أقل بكثير مما تم تحقيقه في عام 1997 أو حتى في عام 2013، عندما تمكن محمد خاتمي وحسن روحاني من إقناع الإيرانيين بأنه من الممكن إحداث تغيير سياسي في الجمهورية الإسلامية من خلال صناديق الاقتراع.

ويرى شريف هريدي الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أن انخفاض نسبة المشاركة يأتي بالرغم من محاولات النظام الإيراني تشجيع المواطنين على المشاركة والتصويت، على أساس أن المشاركة تصب في النهاية لصالح شرعيته، والتي أُصيبت بشروخ خلال السنوات الأخيرة لأسباب تتعلق بتأزم الوضع الاقتصادي والسياسي، وقد تجلى ذلك في عدد من المؤشرات أبرزها تكرار الموجات الاحتجاجية.

وقد دعا المرشد الأعلى علي خامئني إلى “مشاركة قصوى في الانتخابات”، داعيا “حتى أولئك الذين ينتقدونه إلى أن يصوّتوا في الانتخابات للمرشح الذي يفضلونه”.

ويُعزى انخفاض نسبة المشاركة إلى عدّة عوامل، أبرزها أن قطاعا واسعا من الشعب الإيراني يدرك أن السلطات والصلاحيات الحقيقية هي بيد خامنئي، وأن الرئيس مجرد منفذ للتوجهات والخطوط التي يرسمها المرشد والأجهزة والمؤسسات الخاضعة له، حتى لو كانت لدى الرئيس مساحة حركة سياسية. هذا إلى جانب أن هذه الانتخابات، ونظرا للظرف الطارئ المتعلق بالوفاة المفاجئة لإبراهيم رئيسي على إثر تحطم مروحيته أثناء رحلة في محافظة أذربيجان الشرقية في التاسع عشر من مايو الماضي، فقد أُجريت بمعزل عن الانتخابات البلدية، والتي كان من المُقرر إجراؤها بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في 2025، وهو ما كان سيضمن نسبة مشاركة شعبية واسعة، لم تتحقق هذه المرة، فضلا عن أنه لم يمض أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ما أسهم في إحجام بعض القطاعات الشعبية عن المشاركة.

المتنافسان هما من الموالين لحكم رجال الدين في إيران، لكن محللين يقولون إن فوز جليلي المناهض للغرب ربما يفضي إلى تطبيق سياسات داخلية وخارجية أكثر عدائية.

وقد يساعد انتصار بزشكيان في تعزيز سياسة خارجية عملية وتخفيف التوتر بشأن المفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي وتحسين آفاق التحرر الاجتماعي والتعددية السياسية.

ويشكك الكثير من الناخبين في قدرة بزشكيان على الوفاء بوعوده الانتخابية كون وزير الصحة السابق صرح بأنه لا يعتزم مواجهة النخبة الحاكمة في إيران من رجال الدين والمتشددين.

وقال عفارين (37 عاما) وهو صاحب مركز تجميل في مدينة أصفهان بوسط البلاد، “لم أصوت الأسبوع الماضي لكني صوتت اليوم ( الجمعة) لصالح بزشكيان. أعرف أن بزشكيان سيكون رئيسا ضعيفا لكنه ما زال أفضل من مرشح متشدد”.

ولا تزال لدى الكثير من الإيرانيين ذكريات مؤلمة من طريقة التعامل مع الاضطرابات واسعة النطاق التي أثارتها وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في 2022. وقمعت الدولة هذه الاضطرابات في حملة أمنية عنيفة شملت اعتقالات جماعية وحتى عمليات إعدام.

وقالت طالبة جامعية في طهران تدعى سبيده (19 عاما) “لن أصوت، وهذا رفض كبير للجمهورية الإسلامية بسبب مهسا (أميني). أريد بلدا حرا وأريد حياة حرة”.

وانتشر وسم #سيرك_الانتخابات على نطاق واسع على منصة إكس منذ الأسبوع الماضي وسط دعوات نشطاء في الداخل والخارج إلى مقاطعة الانتخابات قائلين إن نسبة المشاركة العالية من شأنها أن تضفي الشرعية على الجمهورية الإسلامية.

وتعهد المرشحان بإحياء الاقتصاد المتعثر الذي يعاني من سوء الإدارة والفساد الحكومي والعقوبات التي أعيد فرضها منذ عام 2018 بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران عام 2015 مع ست قوى عالمية.

وقال موظف متقاعد يدعى محمود حميد زادغان (64 عاما) في مدينة ساري في شمال إيران “سأصوت لجليلي. إنه يؤمن بالقيم الإسلامية. ووعد بإنهاء أزماتنا الاقتصادية”.

العرب