افرزت الأحداث الأخيرة في الجبهة الشمالية لإسرائيل عدة محاور انتقل فيها ميدان المواجهات بين مقاتلي حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية نحو منعطفات أخذت أبعاد إقليمية وتهديدات دولية، وهذا ما عبر عنه الأمين العام للحزب حسن نصرالله في التاسع عشر من حزيران 2024 في كلمة ألقاها خلال تأبين طالب عبدالله وهو قيادي بارز في صفوف الحزب، تم اغتياله من قبل إسرائيل بطائرة مسيرة، عبر التهديد باستخدام الصواريخ والطائرات تجاه الأراضي القبرصية إذا ما اقدمت نيقوسيا على فتح مجالها الجوي لإسرائيل لاستهداف الحزب وقواعده وتشكيلاته العسكرية في أي مواجهة قادمة بين الطرفين، وأضاف نصرالله إن (فتح المطارات والقواعد القبرصية لإسرائيل واستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية أصبحت جزءًا من الحرب وستتعامل معها المقاومة على أنها جزء من الحرب) .
وأخذت الحكومة القبرصية هذه التهديدات على محمل من الجد والمتابعة وإجراء الاتصالات مع المسؤولين اللبنانين والتأكيد على عمق العلاقة بين البلدين وأن ما يتداول من معلومات او إشارات لاحتمالات تقديم أي دعم عسكري لأي طرف في المنطقة إنما هو مجرد أقاويل ليس لها دليل أو حقيقة، وهذا ما افصح عنه الرئيس القبرصي
خريستودوليدس بقوله ( ان قبرص غير متورطة في أي صراعات عسكرية، وتعتبر نفسها جزءًا من الحل وليس المشكلة، وممرنا الإنساني (الخاص بغزة) شهادة على التزامنا بالسلام والاستقرار،
ولدينا قنوات دبلوماسية مفتوحة مع الحكومتين اللبنانية والإيرانية، وسنعالج الأمر حول التصريحات الأخيرة من خلال هذه القنوات).
وأتت أهمية المعلومات من خلال ما كشف عنه الأمين العام لحزب الله
عن معلومات تلقاها الحزب تفيد بأن إسرائيل التي تجري سنويًا مناورات في قبرص، قد تستخدم المطارات والقواعد القبرصية لمهاجمة لبنان، وتربط قبرص الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، علاقات وثيقة بكل من لبنان وإسرائيل،و تبعد حوالي 200 كلم عن لبنان و340 كلم عن إسرائيل. ولا تزال بريطانيا تملك سيادة على قاعدتين في قبرص التي كانت مستعمرة لها بناء على اتفاقات منحت الجزيرة استقلالها في العام 1960.
شكلت هذه التهديدات أزمة سياسية بين بيروت ونيقوسيا
على خلفية التهديدات التي وجهها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مع احتمالية حدوث مخاوف لبنانية من تضرر العلاقات الثنائية، والمصالح التي تجمع لبنان بالبلد الأوروبي الذي ترتبط معه بعلاقات وطيدة عبر استقبالها الآف اللبنانيين وتقديم التسهيلات الخاصة باقامتهم وتوفير العمل والتعليم والدعم الإنساني لهم.
وأخذت التهديدات مجالات عديدة منها ما تتعلق بسيادة قبرص وحماية أراضيها عبر التهديد باستهداف صواريخ حزب الله اللبناني للقواعد العسكرية البريطانية والوجود الإسرائيلي ومحطات الشحن الطاقة العالمية فيها واشراك جميع وحدات المقاومة للتعرض على سفن التحميل والتجارة في المياه الإقليمية القبرصية، الأمر الذي أدى إلى تدخل الاتحاد الأوربي ودعوته لحماية أمن وسلامة قبرص بالتصريح الذي أدلى به
بيتر ستانو المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن دعم الاتحاد الأوروبي لقبرص في مواجهة تهديدات حزب الله لها.
و تعاملت الحكومة القبرصية وأجهزتها الأمنية مع هذه التهديدات واعتبرتها تهديدًا واضحًا وردًا على الإجراءات التي سبق وأن قامت بها بتقديم مواطنين لبنانيين مرتبطين بتنظيمات حزب الله اللبناني للمحاكمة بتهم تهديدهم للأمن القومي القبرصي ووضع العديد منهم تحت المراقبة في ضوء معلومات استخبارية توفرت عن نواياهم باستهداف مصالح بريطانية وأمريكية على الأراضي القبرصية.
و واجهت هذه التطورات الميدانية مواقف أوربية وغربية واشارات لفرض حزمة من العقوبات بحق بعض القيادات السياسية في حزب الله اللبناني وكوادره العاملة في الداخل والخارج ووضع الحزب ضمن قوائم الإرهاب الدولي، وسبق للحكومة القبرصية أن وقعت في شهر كانون الثاني 2024 اتفاقًا للتعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، تلتزم فيه واشنطن بدعم أمن واستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط واعتبر قبرص شريك استراتيجي لها في هذه المنطقة الحيوية، وهذا يعني أن أي اعتداء على جزيرة قبرص سيؤدي إلى تدخل عسكري أمريكي واسع واستخدام لكافة الأسلحة المتطورة من الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة تجاه أي قوة او دولة تحاول المساس بأراضي الجزيرة.
أن التهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لا يمكن إبعادها عن الرؤية السياسية وأدوات المشروع الإيراني في التمدد والنفوذ والتي تشكل أهداف وغايات القيادات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني، وترى أن وجود المليشيات والفصائل المسلحة في سوريا ولبنان و التابعة لها تشكل امتدادًا وعمقًا استراتيجيا لها في منطقة حوض البحر الأبيض وتعمل على توسيع مساحة التأثير الإقليمي والبحري في هذه المنطقة عبر التصعيد والتهديد الذي انطلق مؤخرًا ولكي تسقيم لها عملية السيطرة الميدانية البحرية من بحر العرب وإلى البحر الأحمر وصولًا السواحل البحر الأبيض المتوسط والعمل على إيجاد قاعدة وموقع استراتيجي لها بالقرب من الدول الأوربية وابتدأت بقبرص لأنها ترى فيها الحلقة الأصغر والأضعف بعدم امتلاكها قدرات عسكرية، وغاب عنها ان سيادة بلد مثل قبرص إنما يستمد قوته و جوده من الحلف الأطلسي وما يمتلكه من قوة عسكرية كبيرة والاتحاد الأوربي ومدى تأثيره وحضوره ودعمه للدول المنضوية تحت لوائه.
وهذه الأهداف والتوجهات تمثل استراتيجية الحرس الثوري الإيراني التي تحدث عنها اللواء يحيى رحيم صفوي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون العسكرية بقوله ( أن إيران وصلت ثلاث مرات إلى البحر المتوسط في تاريخها، ولذلك عليها أن تزيد عمق دفاعها الاستراتيجي إلى 5 آلاف كيلومتر)، وهي إشارة واضحة للتمدد شمال سواحل البحر الأبيض المتوسط ومنها جزيرة قبرص، وهي غايات سعت إليها إيران بعد المواجهات العسكرية التي جرت يوم السابع من تشرين الأول 2023 في قطاع غارات وما تلاها من فعاليات قام بها الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن وتهديد الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بنقل المعركة إلى البحر المتوسط وجبل طارق.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية