تستمر حالة التصعيد اللفظي والتصريحات السياسية والإعلامية بين اطراف النزاع في منطقة الشرق الأوسط وتأخذ مديات واسعة في الميدان بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بعد اشتداد حالة المواجهة واعتماد اسلوب القتال غير المباشر والمواجهة العسكرية الشاملة، إذ ابتدأت الحكومة الإسرائيلية باتباع الأسلوب الأمني الإستخباري في تتبع قيادات حزب الله السياسية والعسكرية باستهدافها داخل العمق اللبناني وهذا ما مكنها من اغتيال القيادي في حزب الله محمد نعمة ناصر (أبو نعمة) في غارة جوية على منطقة صور جنوبي لبنان في الثالث من تموز 2024 وسبقها عمليه استهداف القيادي العسكري ضمن قوة الرضوان الجوية محمد خليل عطية الذي استهدف في منطقة صريفا، مما حدى بالتشكيلات القتالية التابعة للقيادة العسكرية لحزب الله بتوجيه مئات الصواريخ والطائرات المسيرة داخل العمق الإسرائيلي مستهدفة الأماكن والقواعد والمراكز الأمنية والعسكرية المهمة والتي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي في الرابع من تموز 2024 وأدت إلى مقتل نائب قائد سرية في معارك الجبهة الشمالية، وقال المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي إنه رصد إطلاق أكثر من 200 صاروخ و20 طائرة مسيرة من لبنان تجاه شمال إسرائيل وهضبة الجولان السورية في عملية وصفها بأنها وابل هائل من القذائف.
ويمكن أن نلاحظ أن شدة المواجهات قد أخذت بالإنتشار بين الطرفين وتصاعدت
حدة العمليات الميدانية وزادت في الأسابيع الأخيرة على نحو أثار مخاوف من اندلاع حرب شاملة، لا سيما مع إعلان الجيش الإسرائيلي قبل أسبوع المصادقة على خطط عملياتية لـهجوم واسع على لبنان.، وأن مستوى الحرب بين الطرفين يتوسع تدريجيًا لكنه لا يزال تحت سقف المواجهة الشاملة أو الحرب الواسعة التي يتجنبها حزب الله كي لا يكون البادئ بها.
وتعلم القيادة الميدانية لحزب الله أن الهدف الإسرائيلي الأهم لديها هي أبعاد قوة الرضوان التي تتمتع بتدريبات عالية ومتمرسة في العمليات الخاصة عن الحدود الشمالية وبمسافات محددة خشية قيامها بعمليات ميدانية تشمل الاندفاع نحو المدن والاماكن المهمة في الجليل الأعلى أو حيفا وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة تربك الخطط والأدوات الإسرائيلية في العمق وافشال خططها في إعادة منطقة الجليل واهلها من المستوطنين قبل الأول من آيلول 2024 بداية العام الدراسي والذي يشكل ضغطًا عاليًا على حكومة نتنياهو.
ورغم أن الطرفين الإسرائيلي وحزب الله اللبناني لا يرغبان بحرب شاملة مدمرة الان، ولكن لكل من الجانبين أهدافه في الاستمرار بعملية التصعيد ومحاولة إيجاد طرق ووسائل لإيقاف حدة المواجهات، فإسرائيل تعمل على تسخير إطالة الوقت وحوارات المفاوضات لاكمال عمليتها العسكرية في قطاع غزة وخاصة في منطقة رفح وابقاء حالة القتال قائمة حتى ولو تم التوصل إلى هدنة لتبادل الأسرى أو ترتيبات لإيقاف العمليات العسكرية لفترات محددة، وكذلك حزب الله يرى انه يكفيه أنه حقق الموازنة في المواجهة وتمكن من تحقيق حالة الزخم القتالي عبر ارسال الصواريخ والطائرات المسيرة داخل العمق الإسرائيلي وتحقيق إصابات مباشرة وتمسكه بشرط عدم استمرار المواجهة حتى إيقاف الحرب في غزة.
وأمام هذه التطورات كان الموقف الإيراني الذي يعبر عن حالة التجاذب مع طروحات حزب الله الذي يعتبره النظام الإيراني حليفًا استراتيجيا وجزء مهم في القرار السياسي لطهران ويختلف علاقته الوطيدة عن باقي شركاء ووكلاء إيران في المنطقة وأنه يساهم في حماية الأصول الإيرانية في لبنان ويشكل حالة تأمين مهمه لأهداف وغايات المشروع السياسي الإيراني في الشرق الأوسط.
وجاء تحذير مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون الخارجية ووزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي من حرب إقليمية تدخل فيها إيران إذا هاجمت إسرائيل حزب الله، وتحدث (عن أن طهران لا ترغب في حرب إقليمية، لكن مع إمكانية امتداد الحرب إلى المنطقة بأكملها فإن جميع الدول، بما في ذلك إيران، ستكون متورطة فيها، مؤكداً أنه ليس أمام طهران سوى دعم حزب الله).
وهذا التصريح يتلائم وتوجهات النظام الإيراني وقياداته العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري باتباع سياسة ( القتال بالوكالة) التي تعزز مكانة إيران وتحمي نظامها وتحقق لها عملية تقليص احتمالات استخدام الخيار العسكري ضدها من قبل إسرائيل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وتحقق لها هدفًا مهمًا في استهداف خصومها خارج حدودها وتعزيز دورها الإقليمي والحفاظ على مكانتها التي تسعى إليها في أن تكون القوة الأولى في الشرق الأوسط وعدم استبعادها من أي متغيرات او إعادة صياغة الأحداث في المنطقة سياسيًا وأمنيًا، ويمكن الرجوع إلى ما قاله المرشد خامنئي لدى لقائه عوائل القتلى من المليشيات التي حاربت في سوريا في الخامس من كانون ثاني 2017 بالحديث إليهم ( ان ابنائكم ذهبوا لسوريا لكي لا تحارب إيران داخل حدودها)، وهذا القول يعكس سياسة قبضة النظام التي تؤكد تجنب إيران الانخراط في أي حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وعدم دخولها في دائرة ( المحظور) التي يجب أن تتجنبها، والنظام الإيراني سوف لا يجازف في القتال المباشر مع حزب الله إلا إذا تم استهداف المشروع النووي وتهديد وتقويض بقاء النظام سياسيًا.
أن من الأهداف العسكرية الاستراتيجية التي تعمل عليها إسرائيل هي تنفيذ قرار مجلس الأمن (1701) في ابقاء حزب الله وبعيدًا عن تواجده جنوب نهر الليطاني وهو مالم تقم به قوة الأمم المتحدة ( اليونيفل) كونها لم تكن بالمستوى العالي في حفظ القانون وتعرضها لعدد من العمليات العسكرية من قبل عناصر حزب الله اللبناني وعدم جدية الجيش اللبناني في بسط قوته خشية من أي تصاعد محتمل في العلاقة مع قيادات حزب الله، ولهذا فإن الأهداف التعبوية واللوجستية الإسرائيلية تتجه إلى اتباع خطط ميدانية تساهم في تدمير خطوط الإمدادات الإيرانية ومنع وصول أي مساعدات عسكرية من الأسلحة والصواريخ والمعدات الثقيلة والطائرات المسيرة لادامة الزخم الهجومي لمقاتلي حزب الله، ولهذا فهي أمام اختيارات عديدة أما القبول بحل سياسي دبلوماسي أو الذهاب لحرب شاملة او الاستمرار في تنفيذ العمليات الخاصة واستهداف القيادات الميدانية العاملة في التشكيلات الأمنية والعسكرية للحزب.
ويبقى الدور الإيراني حاضرًا في أي حالة من حالات التطور الميداني أو الاشتباك المباشر والتصعيد بحرب شاملة ليكون له التأثير المباشر في دعم أي مبادرة تحقق له غاياته وتساهم في ادامة تواجده واستمرار الحوارات المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى اتفاق جديد للبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وتحقيق الهدف الأسمى في اعتبار إيران دولة نووية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة