التحدث بلطف مع بزشكيان مع تأجيل خطوات رئيسية

التحدث بلطف مع بزشكيان مع تأجيل خطوات رئيسية

سيحتاج الرئيس الإصلاحي الجديد في إيران إلى الوقت من أجل تحقيق توافق في الداخل قبل القيام بأي خطوات مهمة على صعيد السياسة الخارجية، والأمر ذاته ينطبق على واشنطن.

سوف يتولى مسعود بزشكيان مهام منصبه كرئيس لإيران في الخامس من آب/أغسطس المقبل، أي قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفي موسم يتّسم بحملات انتخابية شرسة، سيواجه صانعو السياسات في واشنطن صعوبة في تكريس الكثير من الاهتمام لإيران. ولكن إن لم تشهد المنطقة المزيد من التصعيد، فلا داعي للعجلة. وعلى الأرجح سيحتاج بزشكيان إلى بضعة أشهر لتنظيم حكومته ولن يكون في وضع يخوله اقتراح تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية قبل ذلك الوقت، إن حصل ذلك في الأساس. ويجب على المسؤولين الأمريكيين أن يهدّئوا من وقع نهجهم وفقًا لذلك.

عوائق إيرانية داخلية

إذا كانت حكومة بزشكيان بطيئة في ملاحقة التغييرات السياسية، فإن الانقسامات السياسية العميقة في النظام هي السبب المحتمل الأول وراء ذلك. فالمسؤولون المتشددون الذين يعارضون أجندته الإصلاحية المعلنة يشغلون الكثير من المناصب المهمة في النظام، والتي يستطيعون من خلالها إبطاء القيام بأي عمل ملموس، وبل عرقلته تمامًا.

وإن نظرنا إلى التاريخ، سنرى أن مبادرات السياسة الخارجية الإيرانية الكبرى لا تبصر النور إلى أن تتم مناقشتها بإسهاب في المجلس الأعلى للأمن القومي المفوض بموجب الدستور والذي يصطف الكثير من أعضائه ضد بزشكيان:

  • خصمه في الانتخابات الرئاسية سعيد جليلي
  • رئيس مجلس الشورى محمد قاليباف
  • رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسن إيجئي
  • أحمد جنتي، رئيس مجلس صيانة الدستور
  • الجنرالات الأربعة الذين يترأسون الحرس الثوري الإيراني، وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والجيش الإيراني (ارتش)، وقيادة إنفاذ القانون
  • ثلاثة أعضاء رئيسيين في مجلس الوزراء، وهم وزراء الدفاع والاستخبارات والداخلية، الذين جرت العادة بأن ينتقيهم المرشد الأعلى علي خامنئي قبل أن يقوم الرئيس والبرلمان بترشيحهم وتعيينهم رسميًا
  • قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني، الأدميرال علي أكبر أحمديان، أمين عام المجلس الذي عينه خامنئي والذي لا يملك خبرة سياسية معروفة

 

في العادة لا يوافق خامنئي على مبادرات السياسة الخارجية ما لم يحصل على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو هيئة تتأثر بشدة بإملاءاته وقرارات تعيينه. وبالتالي، حتى لو كان بزشكيان يميل إلى فرض مبادرة كبيرة، فهو ربما سيحتاج إلى الوقت للحصول على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي قبل التوجه إلى خامنئي. وفي النهاية، قد لا يكون المجلس ولا المرشد الأعلى على استعداد لدعم إحداث تغييرات كثيرة على السياسة الإيرانية، مع الإشارة إلى أنه سبق لخامنئي أن “نصح” بزشكيان بالسير على خطى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.

بالإضافة إلى ذلك، أكد بزشكيان بشدة على الحاجة إلى إعادة إحياء الدبلوماسية خلال الحملة الانتخابية القصيرة في الشهر الماضي، ووصفها بأنها المفتاح لحل مشكلة إيران الرئيسية المتمثلة بالتدهور الاقتصادي. ولذلك يمكن أن نتوقع منه السعي إلى تنفيذ مبادرات مختلفة تقدم البلاد من وجهة نظر جديدة. ويتمتع بعض أعضاء فريقه، مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، بمهارة في عرض قضية إيران في وسائل الإعلام الدولية. ومن المفترض أنهم سيضغطون قريبًا على الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى لتقديم تنازلات كبيرة استجابة للأجواء الجديدة في طهران.

خيارات الولايات المتحدة والمخاطر عليها

تتمثل إحدى طرق الرد على هذه الحملة العدائية في العلاقات العامة في التعبير بصراحة وحزم عن مدى تطلع الولايات المتحدة إلى العمل مع الحكومة الجديدة، ولكن عمومًا باستخدام عبارات غير ملزمة لا تحدد ما ترغب واشنطن في القيام به. على سبيل المثال، وفي حين يمكن للمسؤولين الأمريكيين طرح احتمال إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران بشأن القضية النووية (أو على الأقل مفاوضات غير مباشرة بوساطة عُمان)، فإنهم لا يحتاجون إلى توضيح ما سيقدمونه في مثل هذه المحادثات، على غرار ما قاله بزشكيان للناخبين خلال الحملة الانتخابية والذي يتلخص بأنه من غير المناسب أن يدخل في تفاصيل ما تستطيع إيران تقديمه قبل بدء المفاوضات.

بمجرد انتهاء الدورة الانتخابية الأمريكية وتنظيم فريق بزشكيان، يمكن لواشنطن أن تأخذ زمام المبادرة لمعالجة مسائل محددة تنطوي على إمكانية إحراز تقدم وهي تشمل:

  • خطوات محدودة في المجال النووي. على الرغم من أن احتمال تحقيق أي تقدم كبير لا يزال بعيد المنال، إلا أن الأطراف قد تتمكن من الاتفاق على خطوات أصغر حجمًا، مثل زيادة وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية وخفض إنتاج إيران من اليورانيوم العالي التخصيب. وفي المقابل، يمكن لواشنطن أن تعرض مواصلة التساهل مع مبيعات النفط الإيراني للصين، في حين يمكن للمسؤولين الأوروبيين أن يتعهدوا بعدم استخدام بنود “إعادة فرض العقوبات” وتركها لينتهي مفعولها في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
  • الشطب من القائمة المالية. يمكن أن تطلب واشنطن من صندوق النقد الدولي أو جهات مماثلة العمل مع حكومة بزشكيان لتحقيق هدفه الذي أعلن عنه مرارًا والمتمثل في إخراج إيران من القائمة السوداء التي تحتفظ بها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهو وضع أدى إلى تفاقم مشاكل البلاد في الوصول إلى الشبكات المصرفية الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي. وهذا يتطلب من طهران اتخاذ خطوات رسمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب – إلا أن واشنطن يجب أن ترى بوضوح أن الجهات الفاعلة في النظام ستجد طرقًا لمواصلة تحويل الأموال إلى وكيليها الرئيسيين في المنطقة، وهما “حزب الله” و”حماس”، مهما حصل من ترتيبات.
  • هجمات الوكلاء. سيستفيد كلا الجانبين من وجود خطوط حمراء أكثر وضوحًا تحدد أي من الأعمال التي تقوم بها إيران عن طريق وكلائها ستؤدي إلى ردّ عسكري أمريكي، سواء انطلقت من العراق أو سوريا أو اليمن. ولكن تجدر الإشارة إلى أن رسم مثل هذه الخطوط قد يعطي الضوء الأخضر لإيران للانخراط في كل استفزاز يمكن ألا يتجاوز تلك الحدود.

وقد يواجه كلا الجانبين تحديات كبيرة إذا حاولا القيام بشيء أكثر من مجرد اتخاذ تدابير محدودة. فلا يستطيع بزشكيان أن يفعل الكثير (إن كان سيفعل أي شيء) لتحقيق الهدف الرئيسي لإدارة بايدن في الشرق الأوسط وهو الاستفادة من وقف إطلاق نار أو أي توقف آخر في حرب غزة وتحويله إلى صفقة ضخمة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. لن يسفر السعي خلف إنجاز وهمي محتمل مع إيران عن تطبيع بين إسرائيل والسعودية. وعلاوة على ذلك، ليس هناك ما يدعو بزشكيان إلى مساعدة واشنطن في ترسيخ أولوية أخرى من أهم أولوياتها، وهي تجنب حرب كبرى بين “حزب الله” وإسرائيل. فلا أحد من الفصائل الإيرانية السياسية يريد مثل هذه الحرب، وبالتالي هو لن يجني أي فوائد في الداخل من خلال مواصلة المحادثات أو تقديم تنازلات بشأن هذه المسألة.

وكذلك الأمر، لدى واشنطن قيود وتحفظات جدية بشأن تقديم أي عروض أكبر من هذه. فقد شهدت السنوات الأخيرة تعمق الاصطفافات الحزبية الأمريكية بشأن السياسة تجاه إيران، إذ يتخذ أحد الطرفين خطوات فيدينها الطرف الآخر بقسوة، وفي بعض الحالات يتم التراجع عنها عندما تتغير المناصب، لا سيما في موضوع الملف النووي، لكن هذا النمط أثر أيضًا على الحالات التي وافقت فيها واشنطن على إطلاق سراح السجناء الإيرانيين أو تسهيل وصول طهران إلى الأموال المجمدة مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين. وانتقد الجمهوريون بشدة الرئيس بايدن بسبب إحدى هذه الصفقات، مع العلم أن الرئيس ترامب كان قد وافق على ترتيب مماثل. وفي الحقيقة، لن يرغب أي رئيس أمريكي في أن يبدو متساهلاً أو ساذجًا في التعامل مع إيران، بغض النظر عمن سيتم انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر.

وبناء على ذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين من كلا الجانبين إعطاء الأولوية للمقترحات التي يمكن أن تحظى بدعم واسع النطاق في الداخل بدلاً من التركيز حصرًا على ما قد يتطلبه الأمر لاستمالة إيران. من المهم إقناع طهران بأن الإدارات الأمريكية المستقبلية ستلتزم باتفاقيات قصيرة المدى، وهذا لبناء الثقة اللازمة للمضي قدمًا في صفقات أكبر. ومن حيث المبدأ، سيوافق القادة الديمقراطيون والجمهوريون أو حتى الكونغرس بشكل عام على الدعم العلني لأي صفقات يتم تقديمها لحكومة بزشكيان، على الرغم من أن تمرير التشريعات الفعلية بشأن مثل هذه الأمور من المرجح أن يتطلب الكثير من الجهد.

وفي هذا السياق، أعرب السياسيون الإيرانيون مرارًا وتكرارًا في السنوات التي تلت انهيار الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 عن شكوكهم حول إمكانية الثقة بالوعود الأمريكية التي يتم تقديمها في سياق أي اتفاق. وفي هذا الشأن، اقترحت دراسة أجراها مركز أبحاث المجلس سلسلة من الاختبارات حول ما إذا كانت واشنطن ستفي بتعهداتها، ثم تم دمج بعض هذه الأفكار في قانون جديد يقيد قدرة الحكومة على التفاوض مع الولايات المتحدة – على الرغم من أنه كما هو الحال في بلدان أخرى، يحتوي القانون على شروط استثناء تسمح للسلطة التنفيذية بالسعي وراء الصفقات التي تعتبر أنها تصب في المصلحة الوطنية.

نظرًا للوضع الراهن، من المرجح أن تثير مبادرة سياسية جريئة مع إيران انتقادات كثيفة من قبل الأحزاب الأمريكية وتخاطر بالخروج عن مسارها خلال مرحلة التنفيذ، سواء بسبب معارضة الكونغرس أو فوز ترامب المحتمل في تشرين الثاني/نوفمبر. غير أن هذه النتيجة لن تخدم مصالح الولايات المتحدة، لا مع إيران ولا مع حلفاء الولايات المتحدة. ومن الأفضل لواشنطن أن تعرب عن اهتمامها بتجديد المبادرات التي ترى طهران والجهات الفاعلة الأخرى أنها ستُنفذ فعليًا بغض النظر عن الفائز في تشرين الثاني/نوفمبر. وبعد الانتخابات، يمكن للمسؤولين الأميركيين إطلاق مفاوضات سرية وتقديم مقترحات بسيطة تعود بالنفع على كل جانب. وباختصار، لعل المماطلة هي السياسة الأكثر حكمة، طالما أن واشنطن تتحكم بزمام الأمور.