ماذا تريد روسيا من الشرق الأوسط؟

ماذا تريد روسيا من الشرق الأوسط؟

منذ الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 سعدت روسيا بمشاهدة الوضع الآخذ بالتدهور في الشرق الأوسط الذي يشغل بال عدوتها الرئيسة الولايات المتحدة، لكن في الـ13 من أبريل (نيسان) ازداد قلق موسكو عندما أطلقت طهران التي يربطها بموسكو تحالف متنام أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل في رد على هجوم شنته الأخيرة على قنصلية إيران لدى دمشق. وعلى رغم أن هذا الهجوم تم تحييده بصورة فعالة من خلال الدفاعات المضادة للصواريخ والدعم المنسق من الولايات المتحدة والشركاء الغربيين، فإن إسرائيل ردت بعد ستة أيام بضربة على نظام الدفاع الجوي بعيد المدى من طراز “أس-300” في أصفهان، وهي مدينة تقع في العمق الإيراني. وأثناء الضربات أشارت كل من إسرائيل وإيران إلى حرصهما على تجنب الانزلاق إلى الحرب. ومع ذلك، فمن خلال استهداف كل منهما الآخر بصورة مباشرة في أراضيه، لمح الخصمان القديمان إلى أن قواعد الاشتباك غير المكتوبة بينهما قد تغيرت، مما يجعل من الصعب على كل منهما توقع تصرفات الطرف الآخر ونياته والحد من أخطار التصعيد. وقد أثار هذا قلق روسيا، التي كانت تعمل بحذر شديد بهدف تقويض قوة الولايات المتحدة في المنطقة من دون أن تصبح متورطة جداً بأزمات المنطقة، كما أنها لم ترغب برؤية حرب أوسع نطاقاً تتأجج في الشرق الأوسط.

وبطبيعة الحال فإن التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل يمكن أن تتمخض عن فوائد لموسكو. فمن المؤكد أن المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط من شأنه أن يحول انتباه واشنطن وإمداداتها عن أوكرانيا، إذ تشن روسيا هجومها حالياً. وكانت هذه الديناميكية واضحة سلفاً في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر مباشرة، عندما أرسلت إدارة بايدن وحدات إضافية من منظومة “باتريوت” إلى الشرق الأوسط، أخذتها من مخزون محدود من الأنظمة التي كانت كييف تسعى بشدة إلى الحصول عليها. وفي أبريل، وتحسباً لضربة انتقامية إيرانية ضد إسرائيل، قامت الولايات المتحدة بنقل مزيد من العتاد العسكري إلى المنطقة للمساعدة في الدفاع عن الدولة العبرية، ثم أرسلت واشنطن، في يونيو (حزيران)، مع تصاعد التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، سفناً وقوات من مشاة البحرية الأميركية إلى المنطقة. إن مزيداً من التصعيد سيستدعي التزاماً بتوفير موارد إضافية من الولايات المتحدة، وهو ما لا يمكن للكرملين إلا أن يرحب به. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تؤدي حرب في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيعقد أكثر جهود إدارة بايدن للسيطرة على كلفة الوقود التي يدفعها المستهلك الأميركي العادي قبل أشهر من الانتخابات الأميركية. من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيفرك يديه بسرور من مأزق الرئيس جو بايدن.
ومع ذلك، فإن اندلاع حرب أوسع نطاقاً في المنطقة من شأنه أن ينطوي على أخطار كبيرة بالنسبة إلى موسكو. إذا بدأت إسرائيل في محاربة “حزب الله” أو إيران، فسيتعين على الكرملين أن يواجه ثلاث نتائج خطرة: تورط حليفته سوريا، وإضعاف قدرة إيران على تزويد روسيا بالأسلحة، وتعقيد علاقات الأخيرة مع دول الخليج العربية وإيران. وفي حرب تدور في ميدان أكبر، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع من موسكو تقديم دعم محدود لخصوم إسرائيل وإلقاء اللوم بصوت عال على واشنطن في التصعيد، مع تفادي روسيا التدخل العسكري المباشر. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة استخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية المتاحة لها من أجل ضمان عدم تفاقم التوترات وخروجها عن السيطرة في المنطقة.

الطريق إلى دمشق

وحتى إذا تجنبت إيران وإسرائيل المواجهة بصورة مباشرة فإن تصعيد الصراع الإسرائيلي الحالي مع “حزب الله” سيكون محفوفاً بالأخطار بالنسبة إلى روسيا. وإن قررت إسرائيل أن تغزو لبنان، فمن المرجح أن يقود ذلك إلى دمار ينتشر على رقعة كبيرة، فضلاً عن استهداف “حزب الله” لإسرائيل بهجوم صاروخي. ومن الممكن أن تصبح سوريا، إذ تحتفظ روسيا بقواعد بحرية وجوية، بصورة سريعة ساحة ثانوية لأن “حزب الله” يملك فيها عدداً من المواقع وطرق الإمداد التي ستضربها إسرائيل. وإلى جانب هجومها على القنصلية الإيرانية لدى دمشق، وجهت إسرائيل سلفاً ضربات للبنية التحتية السورية، بما في ذلك مستودعات الذخيرة ونقاط تفتيش ومقار قيادة، والتي تمكن إيران من نقل الأسلحة إلى “حزب الله” وغيره من الشركاء. وفي أوائل يوليو، أدت غارة جوية إسرائيلية بطائرة من دون طيار في سوريا إلى مصرع اثنين من مقاتلي “حزب الله”، ما دفع الجماعة إلى إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان. وتناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، تقارير مفادها أن تل أبيب قد حذرت الرئيس السوري بشار الأسد من المشاركة في الحرب الحالية في غزة، حتى إنها هددت بتدمير نظامه إذا شنت هجمات أخرى من بلاده.

وعلى الغالب ستتزايد الهجمات الإسرائيلية على سوريا في حال اندلاع حرب شاملة مع “حزب الله”. وعلى رغم أن التأثير لن يكون مدمراً بالقدر الذي سيشهده لبنان، فإنه من المحتمل أن يوتر روسيا. لعل أوكرانيا تشكل بحذ ذاتها أولوية في السياسة الخارجية الروسية، ولكن سوريا تظل مهمة بالنسبة إلى الكرملين كمثال للصراع الذي كانت فيه الغلبة لروسيا، بعد أن وقفت إلى جانب حليفتها. وتمتاز سوريا أيضاً بقيمة استراتيجية بالنسبة إلى روسيا لأنها تعمل كمنصة لبسط قوة موسكو في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​من قاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم قامت روسيا بتحديثهما وتوسيعهما قبل غزو أوكرانيا. وتعد البلاد أيضاً مركزاً لنقل العتاد العسكري إلى ليبيا ومنطقة الساحل في أفريقيا، إذ يتوسع الوجود الروسي.

وهناك عديد من الأهداف السورية المحتملة. إن مطاري حلب ودمشق هما بالفعل أهدافاً لإسرائيل. إلا أنه في حال نشوب حرب إسرائيلية مع “حزب الله”، فإن قاعدة حميميم الجوية التي تديرها روسيا في غرب سوريا، والتي يمكن استخدامها كمحطة عبور للأسلحة الإيرانية، قد تصبح هدفاً أيضاً. وستنبه إسرائيل على الغالب موسكو قبل تنفيذها أي ضربات من هذا القبيل لأن إلحاق الأذى بالطاقم الروسي قد يؤدي إلى تصعيد الصراع.

ومع ذلك، من الممكن أن تستهدف بعض الممتلكات الروسية هناك من أسلحة ومنشآت. وربما كان القرار الذي اتخذته موسكو في يناير (كانون الثاني) بتكثيف دورياتها الجوية على طول خط فض الاشتباك بين سوريا ومرتفعات الجولان بمثابة تحذير لكل من إيران وإسرائيل من السماح لسوريا بالانجرار إلى دوامة صراع إقليمي. وفي حال تزايد الهجمات الإسرائيلية على سوريا، من المحتمل أن تقوم موسكو بالتشويش الإلكتروني من حميميم لتعطيل العمليات الإسرائيلية والسماح للسوريين باستخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية للاشتباك مع الطائرات المقاتلة الإسرائيلية. ومن المرجح أن ترغب موسكو في تجنب خلق الانطباع بأن قواتها تقاتل إسرائيل بصورة مباشرة، إلا إذا اعتقدت أن وجودها في سوريا مهدد بصورة أساسية.

المخزونات تضمحل

وإذا انفجر الوضع في الشرق الأوسط، فقد تنجر إيران أيضاً إلى الصراع. وأفادت تقارير أن مجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي قد بحث خيارات عدة قبل توجيه ضربة انتقامية ضد إيران في الـ19 من أبريل، بما في ذلك ضرب مرافق استراتيجية بينها قواعد للحرس الثوري أو منشآت البحوث النووية. وبدلاً من ذلك، قر قرار تل أبيب على توجيه رد معتدل. ومن المؤكد أن قادتها سيكونون أقل تحفظاً في حال حدوث المزيد من التصعيد، علماً أن لديهم القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بإيران. وقد ظهر ذلك عندما استهدفت إسرائيل المنشأة في أصفهان، مما كشف عن قوة المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية وقدرتها على العمل فوق الأراضي الإيرانية. ليس هناك شك في أن الهجمات المستقبلية يمكن أن تشل إيران.

ومن الممكن أن تستهدف الضربات الإسرائيلية منشآت الإنتاج الإيرانية للطائرات من دون طيار في منطقتي طهران وأصفهان، أو الصواريخ الباليستية في طهران وخوجير وشهرود، أو الذخيرة في بارشين وأصفهان. كما قد تتعرض للهجوم أيضاً المنشآت التي تنتج مكونات حيوية في صناعة الأسلحة، مثل محركات الطائرات من دون طيار في طهران وقم ومحركات الصواريخ الباليستية الصلبة في خوجير وشهرود. وعلى رغم أن مثل هذه المرافق منتشرة في كل أنحاء البلاد، فإن الضربات واسعة النطاق يمكن أن تؤثر، في الأقل على المدى القصير، على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا في هذه الفئات.

إن اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط ينطوي على أخطار كبيرة بالنسبة إلى موسكو

واعتماداً على ما تقرره إسرائيل – أو الولايات المتحدة إذا اختارت الانضمام إلى الهجوم – في وضع يشهد بعض التصعيد، فإن صناعة الدفاع الإيرانية يمكن أن تتعرض إلى ضغوط خطرة. وسيكون لهذا عواقب على روسيا، التي اعتمدت على إيران في الحصول على طائرات من دون طيار وغيرها من الأسلحة لتأجيج حربها في أوكرانيا. وفي الواقع، منذ غزو أوكرانيا عام 2022، قامت موسكو وطهران بتوسيع تعاونهما العسكري الفني بصورة كبيرة، إذ تلقت روسيا أنواعاً مختلفة من الطائرات الإيرانية المقاتلة من دون طيار، وقذائف المدفعية، وذخائر الأسلحة الصغيرة، والقنابل الانزلاقية. واعترافاً بهذا الاعتماد، بدأت روسيا الإنتاج المحلي لطائرات “شاهد” الإيرانية من دون طيار وحصلت على إمدادات عسكرية إضافية من كوريا الشمالية. وعلى رغم أن هذه التغييرات ربما قللت من اتكال روسيا على نقل أنظمة الأسلحة الإيرانية إلى حد ما، فمن المؤكد أن موسكو لا ترغب في رؤية الصناعة الدفاعية لشريكتها تواجه الإبادة. وما دامت تقاتل أوكرانيا، سترغب روسيا في ضمان قدرة طهران على المساعدة في تجديد مخزونها، وفي الوقت نفسه الدخول في شراكة مع موسكو لتطوير أنواع جديدة من الطائرات من دون طيار.

إن دخول إيران في الحرب من شأنه أن يسبب مشكلات أخرى لموسكو. وإذا اختارت إسرائيل مهاجمة إيران، فستحتاج طهران إلى حشد كل قدراتها العسكرية للرد. ونظراً لافتقارها إلى قوة جوية أو دفاعات جوية فعالة، سيتعين على إيران الاعتماد على أسطولها من الصواريخ والطائرات من دون طيار، وهذا سيحد بشدة مما يمكنها تسليمه إلى روسيا. وحتى لو اقتصر التصعيد في الشرق الأوسط على القتال العنيف بين إسرائيل ووكلاء إيران، فستحتاج طهران إلى تجديد ترسانات شركائها، ما يعني مرة أخرى أنه سيكون أمامها مجالاً أقل لدعم موسكو، كما يمكن أن تشتمل الحملة التي تقودها إسرائيل ضد إيران على مجازفات على مستوى السمعة بالنسبة إلى روسيا. ففيما تشكل الحرب في أوكرانيا قمة أولوياتها، ليس لدى موسكو القدرة على، ولا الرغبة في، تقديم المساعدة لإيران في حال نشوب صراع عسكري خطر. في الواقع، أرادت روسيا دائماً تجنب الدخول في حرب مع إسرائيل، ناهيك بالقوات الأميركية، في الشرق الأوسط. وإذا تصاعدت التوترات، فإن روسيا لن تبرز كدولة تتمتع بالشهامة وتهب لنجدة حليفتها إيران. وسوف تتحدث بصوت عال عن العدوان الأميركي، وربما تزيد من دعمها العسكري لإيران في أعقاب الهجوم، إلا أنها ستحرص على عدم التورط فيه. وقد يؤدي هذا التقاعس عن التحرك إلى تشويه سمعة روسيا في المنطقة وخارجها. وعلى المدى المتوسط، ربما تدفع الحرب الإيرانية الإسرائيلية طهران، بمجرد تعافيها، إلى الحصول على سلاح نووي، وهي النتيجة التي لن ترغب روسيا في رؤيتها، بسبب الأخطار المرتبطة بتطور من هذا النوع.

المناورة الدقيقة

قد يؤدي التصعيد الإقليمي أيضاً إلى تعقيد علاقات روسيا مع إيران ودول الخليج العربية. في السنوات الأخيرة، سعت الإمارات والسعودية إلى التقارب مع إيران، على اعتبار أن الحوار المباشر والعلاقات الاقتصادية هما أفضل وسيلة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وعلى رغم أن هذا التقارب تم تنظيمه من دون مساهمة روسية، فإنه قد عاد على موسكو بالفائدة. فقد سهل على الكرملين أن يقيم تحالفاً وثيقاً مع إيران وشركائها ووكلائها، الذين يشكلون القوى الرئيسة المناهضة للغرب في المنطقة، مع الحفاظ على علاقاته مع الدول العربية. وفي الوقت نفسه، هيأ التنسيق مع دول الخليج ضمن “أوبك+” لروسيا أن تمارس تأثيراً في سوق النفط.

وقد ساعدت علاقات روسيا مع دول الخليج وإيران موسكو على تبرير توسيع عضوية مجموعة “بريكس” وهي كتلة أسستها البرازيل وروسيا والهند والصين عام 2009 ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا في العام التالي. وفي عام 2023، ارتفع عدد أعضاء المجموعة ليشمل إيران والإمارات إلى جانب مصر وإثيوبيا، مما أفضى إلى تدعيم جهود الكرملين الرامية إلى بناء تحالف متنامٍ من القوى غير الغربية. ومن الأسهل بكثير على روسيا أن تحافظ على هذه العلاقات عندما يكون الخليج العربي متناغماً، بدلاً من الانخراط في لعبة غالب أو مغلوب يكون التعامل فيها مع أحد طرفي الصراع مثيراً لغضب الطرف الآخر. لا عجب إذاً أن يشعر الدبلوماسيون الروس بالسعادة عندما وعد ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في مايو (أيار) خلال زيارة قام بها إلى موسكو بأن بلاده، وهي دولة خليجية عربية، ستقوم بتطبيع العلاقات مع إيران.

وقد يؤدي التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران إلى تعقيد خطط روسيا. قد تشمل الأهداف المحتملة للوكلاء الإيرانيين المنشآت العسكرية الأميركية أو المراكز الاستراتيجية مثل المنشآت النفطية، التي استهدفها الحوثيون سابقاً في السعودية والإمارات. وبصرف النظر عمن أطلق الطلقة الأولى، من المرجح أن تلقي دول الخليج العربية باللوم على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا حصل أي تصعيد. إن البرودة الأخيرة بين إسرائيل والإمارات وحكومات الخليج الأخرى نتيجة حرب غزة من شأنه أن يرضي الكرملين، ومع ذلك، فإن التصعيد الإقليمي يشكل أخطاراً قد تؤثر في الانفراج العربي الإيراني أيضاً، بالتالي على روسيا.

مشكلات

وفي أبريل بدا أن إيران وإسرائيل تتجهان نحو حافة الهاوية، إلا أنهما تمكنتا بعد ذلك من ضبط النفس. وإذا ذهبتا إلى أبعد من ذلك في المرة المقبلة، أو إن قررت إسرائيل أن الوقت قد حان لمواجهة “حزب الله”، فإن التصعيد الذي سيعقب ذلك سيهدد كل الأطراف، بما في ذلك موسكو، التي ستضطر إلى اتخاذ قرار في شأن الرد أو البقاء على الهامش. ومع ذلك، فإن لروسيا قدرة محدودة بالمقارنة مع الولايات المتحدة، في التأثير في بلورة النتائج. يعود سبب ذلك إلى أن القدرات العسكرية الروسية استنفدت سلفاً، كما أن نفوذها على المتحاربين لا يكاد يذكر. وعندما يحين وقت الجد، ستدعم روسيا إيران أو “حزب الله” على الغالب من خلال وسائل الحرب الإلكترونية أو من طريق تمرير الأسلحة إلى شركائها التي لا تحتاج إليها حملة أوكرانيا. ومن المستبعد أن تشارك موسكو عسكرياً بصورة مباشرة في القتال. ولا شك أنها ستحمل واشنطن مسؤولية حصول أي تصعيد. ولكن، نظراً إلى الخسائر التي يمكن لروسيا أن تتكبدها في سوريا وإيران وأماكن أخرى في المنطقة، ليس من المضمون أن تخرج ظافرة من مثل هذه الحرب. وإذا انفجر الشرق الأوسط، فسيلحق ذلك الضرر بأعداء روسيا، إلا أنه سيؤذي روسيا أيضاً.

وباعتبار أن الأولوية القصوى بالنسبة إلى موسكو تتمثل في المواجهة العالمية بينها وبين الولايات المتحدة في شأن أوكرانيا، فلا ينبغي أن تكون لدى بوتين أية مصلحة في الانجرار إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط لا يمكنه السيطرة عليها. إن التوترات في المنطقة تساعد روسيا في سعيها إلى تقويض النظام العالمي، ولكن فقط بقدر ما تكون السيطرة على هذه التوترات ممكنة. تستفيد موسكو من الحرب الحالية التي تدور في غزة، وهي سعيدة برؤية التراجع في سمعة الولايات المتحدة بسبب ما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه دعم غير عادل لإسرائيل. ولهذا السبب أيضاً لم تبد روسيا اهتماماً كبيراً بتهدئة التوترات الحالية.

إذا انفجر الوضع في الشرق الأوسط سيلحق ذلك ضرراً بأعداء روسيا، لكنه سيؤذي روسيا أيضاً

وخلال الأشهر التسعة الماضية التي يمكن القول إنها الأكثر أهمية بالنسبة إلى الشرق الأوسط منذ عقود، كانت روسيا على الخطوط الهامشية للمساعي الدبلوماسية. وفي حين يتنقل كبار المسؤولين الأميركيين بلا كلل بين عواصم الإقليم، فإن روسيا ركزت جهودها على مجلس الأمن الدولي. وهناك، انتقدت موسكو مرات عدة واشنطن بسبب فشلها في دعم قرارات وقف إطلاق النار. وعندما اقترحت الولايات المتحدة أخيراً قراراً خاصاً بها لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، امتنعت روسيا عن التصويت بحجة الافتقار إلى التفاصيل، ولكنها لم تلجأ للفيتو ضد القرار، الذي حظي بدعم العالم العربي. لقد استمتعت روسيا بمشاهدة الولايات المتحدة وهي تواجه المأزق المزدوج المتمثل في كونها اللاعب المكروه في المنطقة أكثر من كل ما عداه، واللاعب الذي تتطلع إليه قوى عديدة من أجل الخلاص، وهو دور لا تستطيع واشنطن أن تقوم به أو أنها لن تفعل ذلك. وطالما ظلت سياسة الولايات المتحدة غارقة في هذه الفوضى، فليس لدى روسيا أي سبب لتعريض مصالحها إلى الخطر من خلال تأجيج مزيد من المشكلات الإقليمية.

وإذا نشبت حرب بين إسرائيل و”حزب الله” فإن روسيا ستجد نفسها أمام خيارين معقولين: إما أن تكون غير قادرة على القيام بأي شيء، وإما قد تزيد من دعمها لخصوم إسرائيل في وقت تتجنب فيه التورط العسكري المباشر. إن البقاء على الهامش ليس موقفاً يقبل التصديق، مما يعني أن النتيجة المرجحة أكثر من غيرها هي أن موسكو ستدعم وكلاء إيران بمزيج من إمدادات الأسلحة والتأييد بطرق غير عسكرية. وبفضل قدراتها المتطورة على نحو متزايد، يمكن لروسيا تصعيد حربها الإلكترونية من سوريا من طريق التشويش على أنظمة توجيه الأسلحة الإسرائيلية، كما أن بمقدورها أيضاً أن تعطي مزيداً من الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان أو إلى الحوثيين في اليمن، وهو ما يتوافق مع استراتيجيتها الحالية. في يناير، ضرب “حزب الله” قاعدة مراقبة الحركة الجوية الإسرائيلية في جبل ميرون بواسطة صواريخ موجهة مضادة للدبابات بدت وكأنها روسية الصنع. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، بحثت موسكو أخيراً في إمداد صواريخ كروز إلى الحوثيين. ويجب أن تمنع القيود العسكرية الناجمة عن الحملة الروسية في أوكرانيا والحصافة السياسية التي تفرضها علاقاتها مع دول الخليج العربية، الكرملين من التورط بصورة أعمق مما ينبغي مع وكلاء إيران.

حري بواشنطن أن تتحلى برؤية واضحة بخصوص وجهة نظر روسيا المتعلقة بحرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط. ليس لدى موسكو مصلحة في أن تحقق الدبلوماسية الأميركية الهدوء والاستقرار في المنطقة، غير أنها لا تريد أيضاً حرباً إقليمية. لذلك، على رغم أن روسيا لن تكون قوة بناءة تساعد الولايات المتحدة على نزع فتيل التوترات، فهي لن تحث إيران أو وكلاءها على شن حرب شاملة ضد إسرائيل. إذا اشتعلت حرب هناك فيجب على واشنطن أن تتوقع دعماً محدوداً من روسيا لخصوم إسرائيل، كما يتعين عليها أن تعمل على تقويضه أو تحييده حيثما يمكنها ذلك. ومن المستبعد أن تنفع تحذيرات واشنطن لموسكو من وجوب عدم التورط في الأمر. وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تشجع شركاءها العرب في الخليج على ممارسة ضغط هادئ على روسيا حتى لا تقوم الأخيرة بتقديم صواريخ وأسلحة أخرى لـوكلاء إيران، مع توضيح الأخطار التي يمكن أن تنجم عن ذلك. ويجب على الولايات المتحدة أيضاً تعزيز دفاعاتها، وتشجيع شركائها الإسرائيليين على احترام الخطوط الحمراء الروسية في سوريا، وقبل كل شيء، تكثيف جهودها الدبلوماسية لضمان احتواء الوضع بسرعة في حال نشوب حرب بين “حزب الله” وإسرائيل.