نجحت قوات الأمن العراقية ووساطات قبلية في استعادة أربع فتيات عربيات من أصل ست تم استدراجهن الشهر الماضي من قبل “مجلس النساء”، وهو جزء من هيكلية حزب العمال الكردستاني الناشط في مدينة سنجار (115 كيلومتراً غربي نينوى). ظاهرة تجنيد النساء والرجال من العراقيين في نينوى وإقليم كردستان، شمالي البلاد، لم تعد جديدة، إذ تمتد لسنوات، لكن الجديد هو استمالة الحزب للمدنيين من العرب السنّة من القرى والمناطق المجاورة لمدينة سنجار، بعد أن كانت مقتصرة على الإيزيديين والأكراد. وفي مقطع فيديو مصور، ظهر ضباط من الجيش العراقي بالفرقة 20 وعدد من قادة “الحشد الشعبي”، في مقر حزب العمال الكردستاني في ضواحي سنجار، مطلع الشهر الماضي، وهم يستمعون لمترجمة عربية تنقل لهم شروطاً كانت تتلوها قيادية في الحزب، بشأن إعادة الفتيات وعدم قتلهن من قبل ذويهن أو ضربهن، ووافقت في النهاية أربع فتيات على العودة، بينما ظلت اثنتان داخل مقر الجماعة ورفضتا العودة مع ضباط الجيش إلى ذويهما.
هيمنة حزب العمال الكردستاني
عكست تلك المشاهد هيمنة حزب العمال الكردستاني على سنجار على الحدود مع الحسكة السورية، كما أكدت غياب الدولة العراقية وخروج تلك المنطقة عن سيطرتها، بحسب ما أكده نواب من المدينة. وبدأت عمليات تجنيد الرجال والنساء في سنجار ضمن كوادر حزب العمال الكردستاني في عام 2014، بعد إحكام الحزب سيطرته على جبل سنجار وإخفاق تنظيم داعش في التقدم نحوه. وبقي الأمر على حاله بعد سيطرة قوات البشمركة بدعم من حزب العمال الكردستاني والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على أجزاء محدودة من سنجار مطلع عام 2015. لكن عمليات التجنيد تفاقمت بعد استعادة السيطرة على جميع مناطق سنجار من نهاية العام ذاته، فتحول أحد أكبر الأقضية العراقية إلى منطقة نفوذ لـ”الكردستاني” وللحشد الشعبي. وكشف مسؤول عسكري عراقي رفيع في قيادة عمليات نينوى بالجيش العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، عن أرقام المنخرطين من العراقيين السنّة العرب ضمن أنشطة حزب العمال الكردستاني، مدفوعين بالحاجة إلى مبالغ مالية. وأوضح أنه منذ عام 2017، يوجد أكثر من 800 رجل من القرى العربية، إلى جانب نحو 100 امرأة عربية التحقوا بأنشطة حزب العمال الكردستاني، في مقابل مبالغ إعانات شهرية منحها “الكردستاني” تراوحت بين 300 و400 دولار. وأضاف أن عدد النساء العربيات اللواتي تطوعن للعمل في حزب العمال الكردستاني خلال العام الحالي بلغ سبع نساء، أربع منهن من قرية أم الذيبان واثنتان من قرية بئر جاري وواحدة من قرية حصاويك، ولم تحصل أي عملية اختطاف، بل فقط عمليات تجنيد واستدراج، مع استهداف فئات عمرية متفاوتة.
وعمليات التجنيد والاستدراج هي من مهام “وحدات حماية سنجار”، الذراع المحلية لحزب العمال الكردستاني والمعروفة اختصاراً بـ”اليبشة”. وخُصصت معسكرات في ناحية سنوني، ومنطقة فيشخابور، للمجندين من أجل التدريب ضمن ما يعرف بدورات “الدمج”. وأضاف المسؤول العراقي أن العديد من القرى الواقعة خلف جبل سنجار باتجاه الحدود مع سورية ومنها قرى خاناصور، الزكو، الفاو، بئر جاري، حصاويك، بئر قاسم، أم الذيبان، مشيرفة بني سبع، وغيرها من المناطق، هي هدف حزب العمال الكردستاني للتجنيد والتغلغل حالياً. وكشف المسؤول أن هيزدا شنكالي، وهي عراقية إيزيدية، مسؤولة عن تجنيد النساء العربيات والإيزيديات في صفوف حزب العمال الكردستاني في سنجار. والشهر الماضي، تحدثت النائبة في البرلمان عن مدينة سنجار، فيان دخيل، في تصريحات صحافية، أن “حزب العمال الكردستاني يجنّد رجالا ونساء عربا من أهالي المنطقة”، في إشارة إلى القرى والمناطق العربية في سنجار. وسنجار خليط من العرب والأكراد والإيزيديين، ونزح نصف سكانها بسبب سيطرة حزب العمال الكردستاني، وينتمي السكان العرب في القضاء إلى العديد من العشائر العربية، أبرزها شمر، والجحيش، والشرابيين، والمولى، والدليم وطي وعشائر أخرى.
وقالت سعدية (32 عاماً)، إحدى النساء التي انضمت في وقت سابق للكوادر النسوية في حزب العمال الكردستاني، وتمكنت من الانفصال عنه، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنها “انضمت لحزب العمال الكردستاني في نهاية عام 2021، من خلال حملات مساعدات كان يقوم بها في المنطقة عبر كادره النسوي”. وأكدت أن نساء أخريات معها، تقاضين مبالغ مالية شهرية بلغت 350 ألف دينار (230 دولاراً) كانت مصدر العيش الوحيد. وانتقلت سعدية للسكن في قرية أم الخباري الواقعة قرب جبل سنجار والقريبة من الحدود العراقية ـ السورية، ولها ثلاثة أبناء أكبرهم بلغ سن 14 عاماً، إذ قتل زوجها على يد مسلحي “داعش”. وأكدت أنها غادرت صفوف الحزب بعد فرض الانتقال عليها إلى منطقة بعيدة في معسكر مختلط مع الرجال، وكان ذلك محل اعتراض والدها وأشقاء زوجها الراحل، وهو ما دفعها إلى ترك الحزب، وتم فصلها بمجرد عدم الالتحاق بالموقع الجديد، وتوقف عنها مرتّبها.
عضو البرلمان العراقي عبد الرحيم الشمري، المتحدر من سنجار، قال لـ”العربي الجديد”، إن “مئات المقاتلين العرب من الرجال انضموا إلى حزب العمال خلال الفترات الماضية، وما دفعهم لذلك هو الفقر وانعدام الزراعة وتوقّف أعمال التهريب التي كان يعتمد عليها سكان تلك القرى بعد بناء الجدار الأمني على الحدود مع سورية”. وأوضح أن اللافت أن الفترة الأخيرة شهدت انضمام العديد من النساء العربيات إلى صفوف “الكردستاني”، مع عدم استبعاده “تجنيد المزيد من النساء في الفترة المقبلة، لأن المشكلة في سنجار لم تعالج وما تزال قائمة”. وأشار الشمري إلى أن الجيش العراقي موجود في المناطق المحيطة بمدينة سنجار، ولكن السيطرة الفعلية هي لحزب العمال الكردستاني، معتبراً أن إنهاء ملف الحزب “لا يكون عبر الدعوات والمطالب، بل بفرض هيبة الدولة عبر الجيش”.
غضب العشائر العربية
بدوره، اعتبر محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، أن “أغلب العراقيين لم يهتموا بمشكلة حزب العمال الكردستاني، وفي ظنهم أنه خطر على تركيا فقط، وتصوروا أن بإمكانهم استغلال الحزب في الخلاف العربي الكردي حول سنجار، لكن مع الوقت أيقن أهل المنطقة بمختلف مكوناتهم أنه بات خطراً يهدد الجميع”. وأضاف النجيفي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك عدداً محدوداً من العرب في تلك المنطقة التحقوا بالحزب، بحثاً عن الفائدة المادية، ولكن هذا الداء السرطاني امتد إلى عائلات الذين التحقوا سابقاً من الرجال، وأقنع بعض فتياتهم من الأطفال بالهروب من ذويهم والالتحاق بتلك المنظمة الإرهابية”. وبيّن أن “هذه الحادثة حفزت العشائر العربية على الدفاع عن عاداتها وتقاليدها، وأصبحت مستاءة كثيراً من وجود هذه المنظمة في سنجار، إذ بدأت العشائر بالمطالبة بغلق مكاتب التجنيد التي تستغلها المنظمة لإقناع الأطفال والمراهقين بالالتحاق بهم”.
من جهته، أوضح النائب محما خليل، لـ”العربي الجديد”، أن أعداداً كبيرة من النساء الإيزيديات تم تجنيدهن في صفوف حزب العمال الكردستاني، وامتد التجنيد حالياً للعرب باستغلال حالة الفقر. وأضاف خليل، وهو نائب إيزيدي من سنجار، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعد بتطبيع أوضاع سنجار، ولكنه لغاية الآن لم يتحرك لتحقيق ذلك. ولفت إلى أن تجنيد الحزب متواصل، مستغلاً حالة الناس المادية. وتواصلت “العربي الجديد” مع المستشار في الحكومة العراقية إبراهيم الصميدعي، الذي رأى أن “حزب العمال الكردستاني بات يمثل مشكلة للعراق، والحكومة الحالية تعمل على إنهاء مخاطره وتعتبره تنظيماً إرهابياً”، مشيراً إلى أن “الحكومة تتجه في المستقبل إلى رسم اتفاقية شبيهة باتفاق بغداد وطهران في إبعاد المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان، لكن العمل كبير ويحتاج إلى جهود كبيرة”.
روايات تركية غير حقيقية
لكن السياسي الكردي المقرب من حزب العمال الكردستاني طارق جوهر، أشار إلى أن “الحديث عن قيام العمال الكردستاني باختطاف الأطفال والنساء، هي روايات تركية غير حقيقية، ولا يوجد مثل هذا الأمر، بل على العكس، فإن تركيا ومن خلال القصف والضربات والتوسع في مناطق متفرقة من دهوك، تتسبب في مقتل الأطفال والنساء”، مبيناً في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن “أنقرة تنتهك سيادة العراق منذ 30 عاماً، وهي تواصل أعمالها العسكرية في إقليم كردستان بسبب عدم وجود أي رد من بغداد”. وأضاف جوهر أن “الجيش التركي لديه أكثر من 70 قاعدة عسكرية في إقليم كردستان ومحافظة نينوى، وأنقرة تستغل ضعف موقف بغداد”، مشيراً إلى أن “بغداد وأربيل مطالبتان بحماية أمن المواطن الكردي من العمليات العسكرية التركية، وحل أزمة العمال الكردستاني بطرق سلمية وليس عبر الوسائل العسكرية، وإبعاد الجيش التركي عن إقليم كردستان من خلال الضغط على مجلس الأمن الدولي، لأن تركيا تتخذ من العمال الكردستاني ذريعة لتمددها فيما يعرف تركياً بولاية الموصل، وهو طموح عثماني قديم تسعى لاستعادته أنقرة بكل قوتها”.
أما الخبير بالشأن السياسي العراقي فراس إلياس، فأشار إلى أن “ظهور موضوع تجنيد النساء العربيات للعلن في سنجار يعد تطوراً خطيراً يُنذر بتداعيات أمنية وسياسية واجتماعية، ليس على سنجار ونينوى فقط، بل على مناطق أخرى”. وقال إلياس لـ”العربي الجديد”، إن “صمت حكومة السوداني تجاه ما يجري في سنجار والضبابية في موقفها يعكس الضغط الذي تتعرض له من أطراف متنفذة في سنجار وجهات محلية ودولية، واستمرار هذا الموقف الضبابي سيزيد من تعقيد المشهد، لا سيما أن تركيا ستنفذ عملية عسكرية خلال الصيف الحالي ضد حزب العمال الكردستاني شمالي العراق”.
من جهته، اعتبر الناشط من مدينة سنجار أنس السالم، لـ”العربي الجديد”، أن “الجناح المسلح للحزب في سنجار توسع بشكل لافت، وعمل منذ سنوات على استقطاب عدد المقاتلين من جميع القوميات والطوائف وحتى العشائر العربية، ولعل تجنيد فتيات قرية أم الذيبان سلط الضوء على جزئية التحاق النساء بصفوف التنظيم عبر ما يعرف بمجالس النساء”. وأضاف أن “الحزب بدأ يتجاوز حتى القوات الأمنية في سنجار، ويهدد كبار الضباط والمراتب في حال الاعتراض على ممارساته أو الحد من نشاطه”، مشيراً إلى أن “حزب العمال يمتلك ما يعرف بمجالس النساء التي تشرف عليها فتيات ونساء محليات يعملن على استقطاب وتجنيد الفتيات للعمل لحسابه، مقابل مبالغ مالية بسيطة لا تتجاوز بعضها 200 دولار، في وقت يعاني القضاء من أوضاع اقتصادية صعبة”.