ظهر واضحاً الاستعداد غير المسبوق والمبكر لإجراء انتخابات إقليم كردستان العراق في 20 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مع دخول الخصمين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني في سباق للظفر بمنصب رئيس الإقليم أو رئيس الحكومة المحلية. وانتخابات إقليم كردستان هي السادسة من نوعها بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وسبق أن تم تأجيلها أكثر من مرة لأسباب سياسية بحتة.
ومع اقتراب الانتخابات تصاعد الخطاب القومي الكردي لدغدغة مشاعر الشارع، بالإضافة إلى منح وعود بمكاسب اقتصادية وتنموية، مع تبادل الاتهامات بين الحزبين الرئيسيين، من خلال وسائل الإعلام الناطقة باللغة الكردية، أو بالمؤتمرات والندوات التي تقام في مدن الإقليم الرئيسية. ولم تغب إيران وتركيا عن ساحة إقليم كردستان العراق على الإطلاق، إذ اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني غريمه التاريخي الاتحاد الوطني الكردستاني بالتخادم مع إيران، وأطراف قال إنها معادية لحقوق الأكراد، أبرزها “الحشد الشعبي”، وقوى سياسية عربية شيعية في بغداد. في المقابل، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني، ومقره السليمانية، اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بالتخادم والعمالة مع تركيا ضد مصالح الأكراد، وحمّله مسؤولية مغامرة استفتاء الانفصال عن العراق الذي أجري في 25 سبتمبر/أيلول 2017، وطرح فكرة تخلي الأميركيين عن الحزب، والذي نجمت عنه خسارة الأكراد السلطة في كركوك.
انتخابات إقليم كردستان
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فإن عدد الناخبين الكلي في الإقليم يبلغ 3.8 ملايين ناخب، موزعين على أربع دوائر انتخابية هي أربيل، السليمانية، دهوك، حلبجة. وألزمت المحكمة الاتحادية العليا في بغداد، أخيراً سلطات الإقليم أن تكون عملية إجراء انتخابات إقليم كردستان من خلال المفوضية العليا للانتخابات العراقية بالعاصمة بغداد، بوصفها السلطة الاتحادية العليا في البلد. كما ألزمت الإقليم إلغاء مفوضية الانتخابات العاملة بإقليم كردستان منذ عام 2006. وحددت مقاعد البرلمان بمائة مقعد، موزعة على أربع دوائر انتخابية. ومن المقرر مشاركة 606 مرشحين في انتخابات إقليم كردستان في 20 أكتوبر المقبل، بينهم 19 مرشحاً مسيحياً مستقلاً، بعد إلغاء كوتا الأقليات، على مائة مقعد في البرلمان. ومن المفترض أن يلي انتخابات إقليم كردستان انتخاب رئيس الإقليم ورئيس الحكومة المحلية، من خلال انتخابهما بأغلبية الثلثين من نواب المجلس.
ونصّ قانون الانتخابات في الإقليم على تسمية رئيس الإقليم الجديد، وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، خلال الانتخابات التي تشرف عليها مفوضية الانتخابات العراقية الاتحادية في بغداد، وتراقبها بعثة الأمم المتحدة، دون وجود التعقيدات التي تشهدها بغداد في كل انتخابات. وظهر واضحاً دخول غير الأكراد في هذه الانتخابات، وهم المسيحيون، وغالبيتهم من البروتستانت، إلى جانب الأرمن، والآشوريين. كما حلّ التركمان طرفاً رئيسياً من سكان الإقليم التاريخيين في قوائم انتخابية ومنفردين، إذ حصلوا في الدورة الانتخابية السابقة (في عام 2018) على خمسة مقاعد. وبلغ عدد العراقيين من القومية التركمانية في محافظات إقليم كردستان، نحو 350 ألف شخص. وإلى جانب ذلك، فإن هناك أقليات أخرى في الإقليم لم تحصل على نظام تمثيل برلماني لها، إلا أن جمهورها أو ناخبيها صوتوا دائماً للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهم الأيزيديون، والبهائيون، والكاكائية، والصابئة.
وبرزت حركة الجيل الجديد الكردية الليبرالية، إلى جانب حزب التغيير، والحزب الشيوعي الكردستاني، وحركة كادحي كردستان، في الخطابات السياسية الانتخابية في الإقليم، المركّز على الوضع المعيشي، والفقر، والبطالة، ومحاربة الفساد. إلا أنه على غرار الأحزاب والقوى السياسية في بغداد، فإن قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، نابعة أساساً من أصوات البيشمركة، وهو ما يعني أن هناك أصواتاً مضمونة للحزبين في كل نسخة انتخابية. وللحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، أريحية كبيرة من جهة قواعده الشعبية في كل من أربيل ودهوك، مقارنة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فضلاً عن أصوات الأقليات الداعمة له. وقال الخبير بالشأن الكردي العراقي، سلام الجاف، إن انتخابات إقليم كردستان ستكون “مفصلية في حياة الكردستانيين”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الانتخابات ستفرز وجوها جديدة بلا شك، وهذه الوجوه هي من قوى مدنية وحراكات ناشئة، لكن بالمجمل فإن مقاعد الحزب الديمقراطي الكردستاني لن تنخفض إلى ما دون الـ50 مقعداً وهو ما يعني النصف”. واستند الجاف في هذا التوقع إلى “عدم وجود بديل مقنع للشارع الكردي، لأن جميع خصوم الديمقراطي الكردستاني، غير جاهزين لتولي مسؤولية حماية تجربة إقليم كردستان العراق، في منطقة مضطربة ومسلحة، من إيران وتركيا والداخل العراقي أيضاً”.
عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، وصف انتخابات إقليم كردستان المقبلة، بأنها “مهمة للغاية واستثنائية”، موضحاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الاتحاد الوطني لم يسمح مطلقاً بتعطيل أي ممارسة ديمقراطية، ونحن مستعدون لخوض الانتخابات، وسنحقق نجاحات كبيرة، شبيهة بالنجاح الذي حققه الحزب في محافظة كركوك، والحصول على نتائج مبهرة. ونعتقد أن المشاركة في انتخابات برلمان كردستان ستكون جيدة”.
من الجانب الآخر، باشر القائد المنشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لاهور شيخ جنكي، استعداداته لمنافسة حزبه الأم عبر حزب جديد اسمه “الجبهة الشعبية”. وقالت مصادر سياسية من مدينة السليمانية، لـ”العربي الجديد”، إن “شيخ جنكي يستعد لاستقطاب أغلبية قادة حزب الاتحاد الذين طردهم بافل الطالباني، ليكونوا في صفوف المرشحين البارزين في السليمانية، ما قد يؤدي إلى تغيير خريطة توزيع الأصوات، وربما يؤثر على نتائج الاتحاد الوطني”.
بدوره، اعتبر المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمود محمد، في بيان أخيراً، أنه “بعد إعلان موعد إجراء انتخابات الدورة السادسة لانتخابات برلمان كردستان من قبل رئيس إقليم كردستان، فإن حزبنا سيبدأ بالاستعدادات لخوض الانتخابات البرلمانية”، معرباً عن أمله “أن تسير العملية بشكل ديمقراطي ونزيه وشفاف وتصب نتائجها في مصلحة شعب كردستان”.
سلام الجاف: انتخابات إقليم كردستان ستكون مفصلية
توقعات بمشاركة شعبية منخفضة
إلا أن المحلل السياسي الكردي ميران سعيد أشار إلى أن “الانتخابات المقبلة ستشهد أقل نسبة مشاركة شعبية فيها، بسبب اليأس لدى الشعب الكردي من إجراء أي إصلاحات، أو رفع المستوى المعيشي للطبقة الفقيرة والمتوسطة. وفي مقابل ذلك، تتزايد الأموال لدى الجهات السياسية والحزبية والحكومية النافذة في الإقليم”. وأوضح في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الأحزاب تعاني حالياً من قلة في أعداد المرشحين لمقاعد البرلمان، مما دفع بعضها للعودة لصقور الأحزاب، وهو ما حدث مع حزب الاتحاد الوطني الذي لجأ للاستعانة بأبناء القادة السياسيين البارزين مثل شالاو كوسرت رسول (نجل القياد البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني، كوسرت رسول علي)، وبعض الأحزاب باشرت الاستعانة بالصحافيين والإعلاميين والمؤثرين على مواقع التواصل، وجعلهم مرشحين، من أجل تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات”.
وباتت العملية العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني جزءاً من نقاشات انتخابات إقليم كردستان بسبب شمولها أراضي شمال دهوك وشرق أربيل الحدودية مع تركيا، وكركوك التي خسر الأكراد سيطرتهم عليها عام 2017. كما أضحت أيضاً الأزمة الاقتصادية جزءاً من عناوين انتخابات إقليم كردستان بفعل تأخر دفع حكومة الإقليم رواتب الموظفين، إثر الخلافات مع بغداد حول الموازنة المالية وتسليم عائدات النفط من حقول نفط الإقليم للحكومة العراقية. غير ذلك، فإن الحزبين أبديا خشيتهما من الشارع الذي باشر الحديث عن الشيخوخة التي ضربت قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والثراء الكبير لدى قادة الحزبين ورفاهيتهم، ورغبة الشارع الكردي بوجوه شبابية جديدة. وكانت آخر انتخابات أجريت في إقليم كردستان عام 2018 قد تمخضت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية مريحة، بواقع 45 مقعداً من أصل 111 مقعداً كانت مجموع مقاعد برلمان الإقليم، بينما حصل غريمه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً. وتوزعت المقاعد المتبقية على حركة التغيير التي حصلت على 12 مقعداً، وثمانية مقاعد لحركة الجيل الجديد، وسبعة مقاعد للجماعة الإسلامية، بينما حصل الحزب الشيوعي الكردستاني وكتل أخرى على ما بين مقعد وخمسة مقاعد.