الدولة الاجتماعية أولوية ملكية مطلقة منذ ربع قرن

الدولة الاجتماعية أولوية ملكية مطلقة منذ ربع قرن

الرباط – خلال 25 سنة من حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس للمملكة المغربية، كانت مسألة الحماية الاجتماعية أولوية مطلقة في الإستراتيجيات التنموية.

ووجه العاهل المغربي منذ توليه العرش في 1999 جهوده نحو محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية وفتح المشاريع الكبرى ورسم معالم مستقبل بلد منهك اقتصاديا، ومحاط بجوار إقليمي صعب في شمال حدوده، ومثقل بالعقد التاريخية في شرقها.

ويشهد المغرب منذ ربع قرن تحولات كبرى بفضل أوراش ومبادرات ومشاريع ومخططات يشرف عليها الملك محمد السادس الذي وضع ضمن أولوياته المواطن المغربي، مع التركيز على تمكين الفاعل الاجتماعي والاقتصادي من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل وفك العزلة على العالم القروي ووضع حد للتهميش والإقصاء.

وقال فوك يريميتش، وزير الشؤون الخارجية الصربي الأسبق، “إن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، فرض نفسه كنموذج للاستقرار والصمود في مواجهة مختلف التحديات، وإن الإصلاحات الطموحة التي تم إطلاقها خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية جعلت المغرب، بالتأكيد، في طليعة التحديث والتنمية”.

وأضاف المسؤول الصربي، في تصريحات صحفية، أن المغرب تحول خلال 25 سنة إلى ورش مفتوحة لتحقيق النمو في كافة المجالات. وهي دينامية تندرج، برأيه، في إطار رغبة الملك محمد السادس “في ضمان تنمية شاملة ومندمجة، وإرساء العدالة الاجتماعية وتعزيز مكانة المملكة على الساحتين الإقليمية والدولية”، مع تكريس قيم الديمقراطية والحداثة في تناغم تام مع هوية المجتمع المغربي.

وتميز ربع قرن من حكم الملك محمد السادس ببرامج وأوراش اجتماعية ذات أهمية كبرى على غرار الورش الملكية للحماية الاجتماعية وبرنامج الأوراش الهادف إلى التخفيف من الآثار الناجمة عن الجفاف، وبرنامج تيسير لدعم التمدرس، وبرنامج مليون محفظة، وبرنامج دعم الأرامل، وغيرها من البرامج التي تروم مساعدة الفئات الفقيرة.

واعتبر رشيد لزرق رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية في تصريح لـ”العرب”، أن تدخل الملك لتصحيح النموذج التنموي يأتي تفعيلا للملكية الاجتماعية، باعتباره المنهج الذي يتم بواسطته تدبر أوجه القصور في الاقتصاد الوطني والعمل على مؤشرات التعامل المتوازن مع الفوارق الاجتماعية التي تتكون من السياسات العمومية التي تهم الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي.

وفي إطار القرارات الاجتماعية والاستشرافية، وبعد مرور 25 سنة من حكم الملك محمد السادس وجه رسالة إلى رئيس الحكومة باعتباره رئيس الإدارة كي تتجند مختلف المصالح الإدارية للقيام بالإحصاء العام السابع للسكان والسكنى الذي تم تقرير إجرائه في خريف 2024.

ويرى لزرق أن هذه الخطوة (الإحصاء العام للسكان والسكنى) تأتي ضمن مسار المملكة في اتجاه التنظيم الدوري لهذه العملية كل عشر سنوات، بغية التأسيس للحوكمة الجيدة وبلورة سياسات عمومية وتخطيط التنمية المستدامة واستباق حدوث الأزمات.

وأضاف لرزق أن الرسالة الملكية حددت خارطة الطريق لمختلف الفاعلين للإحصاء العام للسكان لتحقيق هذا الورش الوطني، موضحا أن التصور الملكي يروم بناء منظومة إحصائية مستقبلية بناء على أسس تهم موضوع السكان والتنمية المستدامة، من خلال معرفة ميدانية تمكن من قياس جدوى تنزيل السياسات العمومية، التي تم نهجها في ظل الحرص على تنزيل الدولة الاجتماعية التي تهم الصحة والتعليم والتفاوتات المجالية والترابية.

وأولى العاهل المغربي ملف التعليم الكثير من العناية منذ أول خطاب العرش سنة 1999 حينما اعتبر أن ملف التربية والتكوين يعد “ثاني أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية”، وتم تخصيص موازنات كبيرة للإصلاح والتطوير، باعتبار التعليم بوابة أساسية لمواجهة التحديات التنموية للأجيال، وبناء دولة حديثة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية وغيرها.

وتم رفع موازنة التعليم لسنة 2023 بـ6.5 مليار درهم مقارنة بسنة 2022 لتبلغ غلافا ماليا يقدر بـ68.95 مليار درهم.

وظهر إصرار العاهل المغربي على المضي قدما في إصلاح منظومة التربية والتعليم في رسالة بتاريخ الثاني عشر من سبتمبر سنة 2000 بمناسبة انطلاق الموسم الدراسي الجديد، حينما قال “فلنعمل جميعا بروح المواطنة الصادقة، وبكل ما أوتينا من يقظة وحزم ومثابرة وطول نفس طيلة هذه العشرية في أفق تشييد مدرسة عصرية يسهم فيها الجميع من أجل مغرب الجميع، لأنه على أساس البناء المحكم والمتكامل لدعائم مدرستنا الجديدة وعلى أساس نجاعة أدائها لوظائفها وجدوة عطائها والتقويم المستمر لمردوديتها ونتائجها يتوقف نجاح المغرب المستمر في تحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية المستديمة”.

وعلى الجانب الاقتصادي أطلق الملك محمد السادس خططا للتنمية البشرية من خلال “مؤسسة محمد الخامس للتضامن”، وأسس لنماذج اقتصادية جديدة من خلال المناطق الصناعية الحرة وجلب الاستثمارات في صناعة السيارات، والطائرات، وتقوية البنية التحتية، وتشبيك النموذج التنموي للمملكة مع متطلبات السوق الدولي، والتنويع في البرامج الجالبة لرؤوس الأموال.

وإلى جانب الاستثمارات يحظى ملف مكافحة الجفاف والتغيرات المناخية في المغرب بمتابعة ملكية دقيقة لما للملف من تأثيرات على الأهداف التنموية والاقتصادية المرسومة في المملكة.

وترأس العاهل المغربي، بالقصر الملكي بالرباط، بداية السنة الجارية، جلسة عمل خصصت للنظر في الإجراءات العملية المتخذة، خصوصا مع تسجيل عجز ملحوظ على مستوى التساقطات وضغط قوي جدا على الموارد المائية في مختلف جهات المملكة.

وبناء على ذلك تم اتخاذ إجراءات لمكافحة الظاهرة في إطار البرنامج الوطني للتزويد بمياه الشرب ومياه السقي 2020 – 2027، ما مكنه من تزويد العديد من الأقاليم والجهات بشكل كاف في السنوات الأخيرة.

ويقول رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة والخبير الاقتصادي، لـ”العرب”، “كانت هناك إكراهات عاشها المغرب بفعل التقلبات المناخية ونتحدث اليوم بمنطق إستراتيجي في مجال التعامل مع الماء كمادة حيوية، ومجهودات المغرب في التعاطي مع إشكالية المياه تدخل ضمن إستراتيجية مائية من 2020 إلى 2027 بموازنة ضخمة تبلغ 142 مليار درهم، والتي تخص تحلية مياه البحر وبناء السدود والطريق السيار المائي واستعمال المياه العادمة”.

ويعتبر القطاع الزراعي في المغرب من أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد، وسط خطط وإستراتيجية تتوخى تعزيز مشاركة القطاع وفتح آفاق أوسع في السنوات المقبلة بينها تعزيز بنيته التحتية الخاصة بتشييد السدود في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى مشاريع مرتبطة بتحلية المياه، وغيرها من المشاريع التي يعول عليها المغرب في دعم القطاع، والتي ستخلق انتعاشا في قطاعات اقتصادية مرتبطة به ستوفر الآلاف من فرص العمل سواء مباشرة أو غير مباشرة.

ويرى ساري أن “المغرب اليوم في عهد الملك محمد السادس يمر بفترة حافلة بالإنجازات يشتغل عبر إستراتيجيات على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهو ما يحيلنا على الخطة الإستراتيجية في ما يخص القطاع الصناعي خاصة صناعة السيارات وقد تجاوزنا مجموعة من الأهداف التي كانت مسطرة في العام 2014، اليوم الصادرات المرتبطة بالسيارات تجاوزت 141 مليار درهم، وفي أفق 2026 تصل إلى 190 مليار درهم، وإستراتيجية الطاقة والاستثمارات الكبيرة في هذا المجال وهناك آفاق واعدة بأن نكون في مصاف الدول الأربع الأولى عالميا التي تنتج الهيدروجين الأخضر”.

وأضاف أن “25 عاما من حكم الملك محمد السادس كانت فترة الإستراتيجيات الكبرى، فإذا كان اليوم الحديث عن المجال الاقتصادي والصناعي فلا بد من التطرق إلى البنى التحتية التي تطورت بشكل كبير، إذ ستصل الطرق السيارة في أفق 2030 إلى 3000 كيلومتر وقد تم ربط الشمال بالأقاليم الجنوبية عبر طريق سريع تزنيت العيون. فالمغرب بذل مجهودات كبيرة في عهد الملك محمد السادس للمحافظة على البيئة من خلال مجموعة من المشاريع لتنمية الاقتصاد الدائري”.

وتابع “ركزّ الملك محمد السادس في قراراته على العدالة المجالية بين جميع مناطق المملكة، وقد تفاعلت المملكة إيجابيا مع مجموعة من الأزمات ونجحنا في تخطي الصعاب”.

ويراهن المغرب حاليا على إنجاح إستراتيجية تطوير الموانئ في أفق 2030، إذ توجد بالمملكة موانئ تحظى بأهمية قصوى على المستوى العالمي، مثل ميناء طنجة المتوسط الذي يصنف من ضمن 18 ميناء على المستوى العالمي، وميناء الداخلة الأطلسي الذي سوف يربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي والعمق الأفريقي والدول الأوروبية، وميناء الناظور غرب المتوسط الذي سيربط المغرب بالخليج والدول العربية وسوف يلعب دورا كبيرا في توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الآسيوية.

وكانت السنة الحالية بشارة اقتصادية مهمة ستغير ملامح المدن المغربية التي سيقام بها مونديال 2030، اقتصاديا وتنمويا وسياحيا.

ويرى ساري أن تنظيم المونديال بالمغرب سيجعله وجهة سياحية وقبلة للسياح من مختلف دول العالم، مما سيرفع مساهمة هذا القطاع في الناتج الداخلي الخام للبلاد، ويُتوقع أن يساهم هذا القطاع بعد تنظيم هذه التظاهرة الرياضية بنسبة تصل إلى 30 في المئة.

ومن المتوقع أن تشهد المملكة تسريع إنجاز مجموعة من مشاريع البنية التحتية من ملاعب ومراكز تدريب وطرق ونقل بين المدن وفنادق ومطاعم ومقاه وغيرها، إلى جانب المشروع الكبير المتعلق بتسريع إنجاز الخط الثاني من القطار فائق السرعة الذي سيربط الدار البيضاء وأكادير.

العرب