بدا في الساعات الماضية، بين مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء، أن إسرائيل تشعر بفائض من القوة يجعلها تتجاوز الخطوط الحمر التي تفصل المنطقة عن حرب شاملة يُقال إنها قد تكون إقليمية. لا رادع إيرانياً جعلها تتردد في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ضيف الرئيس مسعود بزشكيان، في قلب طهران، وفي مقر تابع للحرس الثوري. ولا رادع حزب الله منعها من استهداف من يبدو أنه المسؤول العسكري الأول لحزب الله فؤاد شكر، المطلوب أميركياً وإسرائيلياً، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، ما قد يتسبب بردّ من الحزب يؤدي إلى حرب شاملة تقول إسرائيل في كل مناسبة إنها لا تريدها، لكن كأنها تفعل كل شيء لكي تندلع بالفعل.
غياب الرادع الأميركي ظهر في استهداف الوجه السياسي لحركة حماس، بما يعنيه ذلك من اغتيال مسار المفاوضات بين دولة الاحتلال وحركة حماس، والتي تعتبر الولايات المتحدة من وسطائها، فضلاً عن قطر ومصر، وهي المفاوضات التي طرح رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تساؤلاً وجيهاً بشأن مصيرها، اليوم الأربعاء، فـ”عن أي مفاوضات نتحدث عندما تفاوض طرفاً، ثم تقوم باغتياله؟”.
زوال الرادع الأميركي من حسابات الدولة العبرية في حروبها واغتيالاتها وجرائمها، تجلى أيضاً في تعليق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي جزم، اليوم الأربعاء، بأنّ واشنطن لم تكن على علم باغتيال هنية، قبل أن يكرر الوزير الأميركي كلاماً عاماً بلا قيمة عملية من نوع أنه “من المهم للغاية إطلاق سراح الرهائن (الإسرائيليين) ووقف إطلاق النار في غزة”، مع تجاهله حقيقة أن بنيامين نتنياهو وأركان حكومته هم الذين لم يوافقوا على خطة رئيسه جو بايدن التي طرحها قبل شهرين كاملين من اليوم، مطلع يونيو/حزيران الماضي، بينما وافقت عليها الحركة الفلسطينية، وتبناها مجلس الأمن ورفضتها تل أبيب بإصرارها على اتفاق استسلام، لا اتفاق إطلاق سراح رهائن وأسرى ووقف الحرب.
وليس واضحاً في هذا السياق ما إذا كان فائض القوة الذي تنطلق منه إسرائيل لتشن حروبها وتنفذ اغتيالاتها التي تتجاوز ما كان يسمى “الخطوط الحمر”، يستند إلى وعد أميركي عبّر عنه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم الأربعاء، بأن تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل في حال شنّ حزب الله هجوماً واسعاً ضدها، والكلام الأميركي يشمل بطبيعة الحال وعداً بحماية إسرائيل من أي هجوم إيراني محتمل، مثلما حصل بالفعل عندما أسقط تحالف من الدول الغربية والعربية، تقوده أميركا، عشرات الصواريخ الإيرانية التي كانت متوجهة إلى إسرائيل في ليلة القصف الشهيرة، إبريل/ نيسان الماضي، رداً على قصف مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق.
أما الجانب الآخر من الصورة، جانب محور إيران وحلفائها، فسيكون محل متابعة حثيثة أولاً لمراقبة شكل الرد من طهران ومن حزب الله خصوصاً، في حال حصل هذا الرد، وثانياً لجهة رصد الخرق الأمني الكبير والمتكرر في صفوف هذا المحور، والذي تُرجم في قدرة الاحتلال على استهداف الصف الأول من قيادات إيرانية ولبنانية وفلسطينية في أماكن يفترض أن تكون شديدة التحصين، أكان في العاصمة الإيرانية أو في عقر دار حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو في مناطق أخرى محسوبة على نفوذه في الجنوب اللبناني أو البقاع شرقاً.
إيران محرجة أكثر من أي يوم مضى، وحديث الانتقام لم يفارق تصريحات المرشد علي خامنئي في تعليقه على اغتيال هنية. لكن مصطلح الانتقام فضفاض ولا يلزم طهران بشكل محدد أو بمدى دقيق من الرد. أما حزب الله، فأزمته مشابهة، لا هو قادر على تجاهل الضربة الكبيرة التي تعرض لها باستهداف فؤاد شكر، في انتظار اعترافه بمقتله من عدمه، ولا هو راغب بدخول حرب شاملة مدمرة ربما بات يدرك أن دور إيران فيها لن يتجاوز “الإسناد” المشابه للإسناد الذي يقوم به الحزب من أجل غزة.