تترقب الأوساط الحكومية والسياسية والشعبية في العراق تصعيداً محتملاً للفصائل المسلحة المقربة من إيران ضد الأهداف والمصالح الأميركية في العراق والمنطقة، بعد شن الولايات المتحدة ضربة جوية مساء أمس الأول الثلاثاء استهدفت “كتائب حزب الله” العراقية في منطقة جرف الصخر، في محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد، وسط تحذيرات ومخاوف من توسع دائرة الصراع العسكري في العراق، بعد تصعيد الفصائل المرتقب.
وأفاد مسؤول دفاعي أميركي بأن الضربة كانت “دفاعية” ضد “مقاتلين” في العراق حاولوا إطلاق مُسيّرات تهدّد القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها في المنطقة، وفق وكالات إعلام أجنبية. وأدت الضربة على “كتائب حزب الله” إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل. وأكدت قيادة الحشد الشعبي أن المقر المستهدف “تابع للواء 47 في الهيئة، وقد تعرض لثلاث ضربات جوية من قبل طيران أميركي مسيّر”، معتبرة، في بيان، أن “القوات الأميركية لا تزال مصرة على نهجها المعادي لأبناء الحشد الشعبي، إذ استهدف طيرانها المُسير ثلة من المجاهدين التقنيين أثناء تأدية واجبهم الوطني والأخلاقي في حماية أرض الحسين وتأمين زوار أربعينيته”.
“كتائب حزب الله” تحذر الكويت
علي الفتلاوي: العدوان الأميركي إعلان رسمي عن انتهاء الهدنة
من جهتها، حذرت “كتائب حزب الله” العراقية دولة الكويت مما سمته “الاستمرار في جعل أراضيها منطلقاً للنهج الإجرامي الأميركي تجاه بلادنا”. وقالت “كتائب حزب الله” في بيان إن “العدو الأميركي شن عدواناً غادراً بطيرانه المُسير منطلقاً من قاعدة علي السالم في الكويت، ليستهدف مجموعة من خبراء المُسيّرات كانوا يرومون تنفيذ تجارب تقنية جديدة لرفع كفاءة مستوى الطائرات المُسيرة الاستطلاعية”. ودعت “كتائب حزب الله” الحكومة العراقية إلى “العمل الجاد لإنهاء وجود قوات الاحتلال الأميركي”. كما حثت “نواب الشعب على أن يكون لهم موقف واضح يعمل على إخراج الأميركيين من البلاد”، مشددة على أنها “ستتخذ القرار المناسب بعد التشاور مع إخوتها في تنسيقية المقاومة العراقية”.
أما المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول، فأكد “اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه الاعتداء السافر على مواقع أمنية في بابل”. وقال رسول، في بيان، إنه “على الرغم من كل الجهود عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، والجهود المبذولة من اللجان الفنية العسكرية العليا، والتوصل إلى مراحل متقدمة من إنهاء ملف وجود وعمل قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بالعراق، والتحول إلى علاقة أمنية ثنائية مبنية على الاحترام المتبادل وتأكيد سيادة العراق وأمنه، فإن قوات التحالف الدولي أقدمت على جريمة نكراء واعتداء سافر”.
وأوضح رسول أن “قوات التحالف الدولي استهدفت، وبطائرات مقاتلة قادمة من خلف الحدود، مواقعَ عراقية تابعة للأجهزة الأمنية شمالي محافظة بابل، دون أي مبرر لهذا الفعل العدواني المتهوّر غير المسؤول”. وأشار إلى أن “التحالف الدولي موجود ويعمل في العراق ضمن تفويض محدد، ولمهمة محددة وعدو مشترك متفق عليه، وأن هذه الاستهدافات تمثل خرقاً خطيراً لهذه المهمة والتفويض”، مؤكداً أن “العراق سيتخذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية المناسبة لحفظ حقوقه، وكل ما من شأنه أن يؤكد أمنه وسيادته على أراضيه وحمايتها، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداء”. وضربة “كتائب حزب الله” هي الأولى التي تشنها القوات الأميركية في العراق منذ فبراير/ شباط الماضي. وجاءت بعد أيام من استهداف قاعدة عين الأسد التي تضم القوات الأميركية بمحافظة الأنبار، عبر الطيران المسيّر، وقواعد أميركية داخل الأراضي السورية بدون وقوع إصابات أو أضرار.
انتهاء الهدنة
وقال علي الفتلاوي، القيادي في حركة “أنصار الله الأوفياء”، أبرز الفصائل المسلحة العراقية، لـ”العربي الجديد”، إن “العدوان الأميركي على قوات الحشد الشعبي في جرف الصخر، إعلان رسمي من قبل الجانب الأميركي عن انتهاء الهدنة، خصوصاً أن الفصائل أعطت الحكومة العراقية أكثر من فرصة لحسم ملف إخراج القوات الأميركية لكن لغاية الآن لا حسم لهذا الملف”. وبين الفتلاوي أن “فصائل المقاومة العراقية لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه العدوان الأميركي، بل سيكون هناك رد من الفصائل، وهذا العدوان أنهى أي هدنة أو تهدئة، فلا مبرر لسكوت الفصائل، بل الرد سيكون بحجم العدوان الأميركي على قطعات الحشد الشعبي”.
وأضاف أن كيفية الرد ومكان الرد، سيكونان بعد قرار تتخذه هيئة تنسيقية المقاومة، التي عقدت، أمس الأربعاء، اجتماعاً طارئاً وعاجلاً، لبحث عملية الرد وكيفية الرد، “خصوصاً أن الفصائل العراقية جاهزة ومستعدة لأي حرب طويلة الأمد مع القوات الأميركية، ولا مخاوف من أي ردود أفعال أميركية، فنحن جاهزون لأي تطور وتصعيد مرتقب خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة”.
علي نعمة: لا يمكن أن يمر هذا العدوان بدون رد من قبل الفصائل
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علي نعمة، لـ”العربي الجديد”، إن “العدوان الأميركي الأخير على الحشد الشعبي في جرف النصر، سيكون له رد فعل عسكري من قبل الفصائل العراقية، فلا يمكن مرور هذا العدوان بدون رد من قبل الفصائل”. وبيّن نعمة أن “العدوان الأميركي نسف الهدنة والتهدئة ما بين الفصائل والأميركيين، ولهذا نتوقع تصعيداً من قبل الفصائل العراقية ضد الأهداف والمصالح الأميركية في العراق والمنطقة خلال الساعات المقبلة، وهذا سيدفع إلى تصعيد في عموم المنطقة، وستكون له نتائج أمنية وسياسية وحتى اقتصادية على الداخل العراقي”. وأضاف: “بكل تأكيد أن الحكومة العراقية ستعمل بكل ما لديها من إمكانات من أجل الضغط لاستمرار التهدئة ومنع أي تصعيد، فهي تدرك جيداً أن أي تصعيد بين الفصائل والأميركيين ستكون له تداعيات على عموم الأوضاع في العراق، ولهذا الكل يرتقب وينتظر ما سيكون رد الفصائل، والذي هو متوقع بأي زمان ومكان”.
ترقب لعملية تصعيد
وتعليقاً على استهداف “كتائب حزب الله” قال أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي، لـ”العربي الجديد”، إن “العراق والمنطقة بصورة عامة يترقانب عملية تصعيد من قبل محور المقاومة ضد الأميركيين والكيان الصهيوني، خصوصاً في العراق، وسيكون هناك تصعيد تدريجي من قبل الفصائل ضد الأميركيين بعد قصف قوات الحشد الشعبي في جرف الصخر وتبني ذلك بشكل رسمي من قبل واشنطن”.
وبيّن الفيلي أن “التصعيد المرتقب من قبل الفصائل العراقية، سيكون بكل تأكيد بالتنسيق مع باقي فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن، وكذلك مع طهران، فهناك وحدة بساحات القتال ضد أميركا وإسرائيل، لكن الأكيد أن المتضرر الأكبر من التصعيد في المنطقة سيكون العراق، وربما هذا الأمر يدفع واشنطن إلى اتخاذ ردود أفعال ليس عسكرية فقط، بل اقتصادية جديدة، وهذا ما يحرج الحكومة بشكل أكبر داخلياً وخارجياً”. وأضاف: “نتوقع أن رد الفصائل العراقية سيكون مختلفاً عن المرات السابقة، وربما الرد سيولد ردود أفعال أميركية عسكرية، تصل إلى مرحلة اغتيال القيادات البارزة في الفصائل”.
يُذكر أن الفصائل العراقية كانت قد دخلت في حالة تهدئة، مطلع فبراير/شباط الماضي مع الجانب الأميركي، إثر تصعيد عسكري بين الجانبين، عقب اغتيال القيادي في “كتائب حزب الله” أبو باقر الساعدي، وتبنّى البنتاغون رسمياً المسؤولية عن العملية. ومن حينها لم تنفذ الفصائل أي عملية ضد المصالح الأميركية في البلاد، ولم يتم قصف عين الأسد قبل هجومي الشهر الحالي، على الرغم من استمرار نشاط الطيران الأميركي المسيّر في الأجواء العراقية، خصوصاً فوق بغداد والأنبار وإقليم كردستان العراق.