بانتظار الانتخابات الأميركية المقبلة، ووصول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن يكون التعاطي الأميركي مع الملف السوري ورئي سالنظام بشار الأسد، متسماً بالثبات، كما كان عليه الحال طوال فترة حكم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن. وبرز أخيراً تعثّر قانون في الكونغرس الأميركي من شأنه مكافحة عمليات التطبيع مع الأسد. ويأتي ذلك بعد أن مرّ القانون من مجلس النواب، لكنه لم يحظ بالموافقة في مجلس الشيوخ.
وحاولت منظمات سورية-أميركية، وجماعات ضغط سورية في الولايات المتحدة، إعادة إحياء قانون مكافحة التطبيع مع الأسد ونظامه، الذي رفضت إدارة بايدن توقيعه في إبريل/ نيسان الماضي، رغم مروره من مجلس النواب في الكونغرس بأغلبية كبيرة. ويحتاج أي قانون لإقراره، تمريره من مجلس الكونغرس، النواب والشيوخ، قبل توقيع الرئيس الأميركي عليه. وأقر ناشطون وشخصيات سورية فاعلة في الولايات المتحدة، بانهيار المفاوضات مع الجهة المسؤولة عن إعادة تقديم القانون في مجلس الشيوخ، وذلك وفق محمد علاء غانم الذي يعد من قادة العمل السياسي للسوريين في الولايات المتحدة، والذي عمل على تلك المفاوضات مع منظمات الجالية السورية-الأميركية في الولايات المتحدة.
مفاوضات قانون مناهضة التطبيع مع الأسد
وقال غانم في بيان، الاثنين الماضي: “يؤسفنا أن نحيطكم علماً بأن مفاوضاتنا مع السيناتور بين كاردن (ديمقراطي عن ولاية ميريلاند) بشأن إقرار مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد قد انهارت بالكامل وانتهت بسبب إصرار مكتب السيناتور، الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، على إجراء تعديلات ضخمة جداً على نص المشروع من شأنها نسف أهدافه الأساسيّة”. ولفت إلى أن “مكتب السيناتور كاردن، بإيعاز من إدارة الرئيس بايدن، أصر على حذف مواد كثيرة، منها ما هو مصمّم لحماية ممتلكات اللاجئين من الاستيلاء والاستحواذ، ولمكافحة سرقة المساعدات الإنسانية، وعلى تعديل البند المتعلّق بحظر التطبيع مع أي حكومة يرأسها الأسد، من جملة أشياء أخرى، ما أدى لانهيار المفاوضات بالكامل”.لكنه أكد عدم توقف جهود الدفع بالقانون “لا سيما أنه يحظى بشعبية وتأييد كبيرين، وقد أُقر بأغلبية ساحقة في مجلس النواب في شهر فبراير/شباط من هذا العام”. ورفضت إدارة بايدن تمرير مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد الذي جاء ضمن حزمة تشريعات عاجلة صوّت عليها مجلس الشيوخ، في إبريل الماضي، ووقّع عليها بايدن، تتضمن تقديم مساعدات عاجلة بقيمة 95 مليار دولار لكل من إسرائيل وأوكرانيا وتايوان.
وصوّت مجلس النواب الأميركي، في 15 فبراير/ شباط الماضي، بأغلبية كبيرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لصالح مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد بعد أن تقدم به السيناتوران جيم ريتش وماركو روبيو. وقال ريتش، في بيان حينها، إن التشريع “يفرض سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد”، واصفاً نظام الأسد بـ”الديكتاتورية الدموية التي لا يوجد سبب لمنحها الشرعية الدولية”.
وحول الأمور التي تم التفاوض عليها، وسبب انهيار المفاوضات مع مكتب السيناتور بين كاردن، كشف غانم، الذي شارك في تلك المفاوضات، لـ”العربي الجديد”، عن أن “عرقلة المشروع صارت بالتواطؤ بين السيناتور كاردن والبيت الأبيض”. وأوضح أنه “بعد الضغط الإعلامي على السيناتور أذعن للجلوس إلى مفاوضات معنا، وطرحنا أن يضاف إلى قانون مشروع ميزانية وزارة الدفاع الذي سيقر نهاية العام الحالي”، مضيفاً أن ” المفاوضات استمرت تقريباً لمدة شهرين، لكنها انهارت لأن المدة الزمنية التي تسمح بإضافة مشروع القانون إلى ميزانية وزارة الدفاع انتهت”. وقال إن ذلك جاء “طبعاً مع إصرار مكتب السيناتور على إضافة تعديلات، لو قبلنا بها لكان القانون لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به”. وأشار غانم إلى أن “المفاوضات كان فيها من طرفنا أعضاء من مجلس الشيوخ. لا نحن ولا هم قبلنا بالتعديلات المطروحة”.
وبخصوص محاولات إعادة إحياء تقديم القانون، لفت غانم إلى أنه “نظرياً يمكن العام الحالي بذل بعض الجهود، لكن عملياً من الصعوبة النجاح في إضافته إلى ميزانية وزارة الدفاع”. واستدرك بالقول إن “السيناتور كاردن سيتقاعد نهاية العام الحالي، وكذلك الإدارة الأميركية الحالية ستذهب (انتخابات رئاسية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)، وسيكون لنا جهود لإحياء القانون، لا سيما أن التوافق عليه كبير، وقد حصل على أغلبية ساحقة في مجلس النواب، ويحظى بدعم الكثير من مجلس الشيوخ”. وأضاف: “ليس هناك أي إحباط، فمشروع قانون مكافحة التطبيع مع النظام عمره فقط 14 شهراً، وبالسابق كلفنا قانون قيصر (عقوبات على من يتعاون مع الحكومة السورية) ثلاثة أعوام ونصف العام لتمريره”.
سحب اليد الأميركية من الملف السوري
وحول فرضية وجود تيار في واشنطن يسعى لسحب اليد الأميركية من الملف السوري، ويدفع باتجاه غض الطرف عن التطبيع الإقليمي مع نظام الأسد، أشار غانم إلى أن “هذا التيار كان حاضراً منذ اليوم الأول للثورة السورية (عام 2011)، وكان الصراع ولا يزال معهم قائماً”. وأوضح أن “النظام لديه جماعات ضغط، كما نحن موجودون، لكن ما يقوينا أن هناك استياء أميركياً من تعامل الإدارة الحالية برئاسة بايدن مع الملف السوري بالبرود وغض الطرف، وذلك من قبل المشرعين الأميركيين الذين صوتوا بشكل ساحق لصالح القانون، ولا يريدون أي تساهل مع هذا النظام”.من جهته، قال الناشط الحقوقي السوري، محمد العبد الله، وهو مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره الولايات المتحدة، إن “السيناتور كاردن ديمقراطي، والديمقراطيون لا يميلون لمسألة العقوبات على النظام”، مضيفاً، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “السيناتور رفض مشروع القانون لمحاباة النظام، أو تمهيداً لصفقة مع إيران، فهذا الشيء غير واضح”.
محمد العبد الله: الإدارة لم يبقَ لها دور قبل الانتخابات
وعن مستقبل الملف السوري في واشنطن، أشار العبد الله إلى أن “الإدارة الحالية لم يبقَ لديها أي دور قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، كما هو متعارف عليه، غير أن الإدارة المقبلة في حال وصول الجمهوريين، أي مع دونالد ترامب، ستكون متشددة مع إيران وحلفائها ومن بينهم النظام”، مرجحاً أن “يلجأ ترامب لإصدار قرارات تنفيذية حيال سورية، من دون الحاجة للجوء إلى قوانين تمر عبر الكونغرس”. أما في حال وصول الديمقراطيين، وفق العبد الله، “فقد نرى ذات السياسة التي سار عليها بايدن حيال الملف السوري، مع بعض التضييق على إيران كما اتضح من تصريحات المرشحة الديمقراطية (نائبة الرئيس) كامالا هاريس، وبالتالي سيكون هناك بعض الضغوط على النظام السوري”. وقال “لكن ذلك يعتمد على فريق الرئيس المقبل، وليس الرئيس بحد ذاته، من أي الفريقين بطبيعة الحال”.