يمكن تحديد العديد من الملاحظات والآراء واستنباط ما ستؤول إليه الأحداث بعد حادث استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ( إسماعيل هنية) عشية مشاركته في الاحتفال الخاص بتنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وطبيعة الادوات والوسائل التي استخدمت في الوصول إلى مكان ضيافه والتي هي إحدى المواقع الرئيسية التابعة للحرس الثوري الإيراني وتحظى باهتمام وتشديد أمني كبير، ومع كل هذا الواقع الإستخباري إلا أن الجهات والأيدي التي كانت تتابع حركة ونشاط إسماعيل هنية تمكنت من الوصول إليه في عملية استخبارية كبيرة في مضامينها واسعة في استهدافها بنوعية السلاح المستخدم والاختراق الأمني والتواجد في العمق الإيراني.
ان إسرائيل وان لم تعلن صراحة مسؤوليتها عن تنفيذ عملية الاغتيال السياسي إلا أن جميع المؤشرات تشير لذلك، ومع هذا نقول أن عقيدة الاغتيالات لا زالت تمثل السمة الأساسية في العقلية الإسرائيلية وفي الأدوات والوسائل الأمنية التي تتصف بها الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية وأنها تعمدت اختيار الشخص الأول والقيادي في حركة حماس لتضفي على أجواء التنفيذ هالة من التنوع التنفيذي والاستهداف النوعي الذي يخدم سياسية حكومة بنيامين نتناهيو، ولتحقيق هدف مركزي في تحقيق الردع على المدى القصير بتغذية حالة الانتقام داخل أروقة المجتمع الإسرائيلي ومنح رمزية لشخوص الاستهداف وعبر مواقعهم ومراتبهم السياسية والعسكرية، وهذا ما حصل عندما أطلقت عبارة رئيس هيئة اركان حزب الله على مقتل فؤاد شكر المسؤول الثاني بعد حسن نصرالله في الهيكلية التنظيمية لحزب الله.
ان إسرائيل أرادت من العملية تحقيق غايات سياسية تمثلت في إطالة أمد الحرب في غزة وإيقاف خطوات المفاوضات لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية القادمة وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها في الاستهداف الكامل لقيادات حماس وارسال رسالة لإيران بأن لديها القدرة الكاملة لاختراق العمق الإيراني ومؤسسات الأمن القومي الإيراني والاجهزة الأمنية في الحرس الثوري، وأما على الجانب العسكري الميداني فإنها أرادت العودة إلى ماقبل سياسية الردع المقابل والتي بدأت في نيسان 2024 عندما استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق والرد الذي تبناه باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة تجاه العمق الإسرائيلي، والذي تحقق فيها الردع المتوازن، وارادت القوة الإسرائيلية السياسية كسر حالة الردع عبر العديد من العمليات التي استهدفت ميناء الحديدة وقصف الضاحية الجنوبية واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس داخل العاصمة الإيرانية ( طهران)، وهو مالم تكن تتوقعه إيران من قيام إسرائيل بالعودة لعمليات تعرضية داخل العمق الإيراني.
يذهب التفكير الإسرائيلي إلى أن القيادة الإيرانية ليست مع حرب شاملة وإنما ستكون محدودة وباهداف مرسومة وعبر مليشيات ووكلاء لها في سوريا والعراق وجماعة الحوثيين في اليمن، ليدفع ثمنها مواطني هذه الدول على حساب الأهداف والغايات الإيرانية الذي ستعمل على غلق ملف ( إسماعيل هنية) بعد اي عملية تعرضية ضد إسرائيل.
ان الهدف الإيراني لا يذهب بعيدًا عن الرؤية وعقيدة وسياسة قبضة النظام والتمسك بالمشروع الإيراني في المنطقة لأنه أهم من أي شخص أو قضية وإن كان الشخص الذي استهدف من قادة المقاومة والحليف الاستراتيجي لإيران، والمستهدف هي القضية الفلسطينية، لان غاية الرد الإيراني سيكون ردًا على استهداف السيادة الإيرانية وليس لسبب آخر.
وستعمل إيران على سياسة الردع الممتد الذي أقرب ما يكون الجبهة الجنوب اللبناني حيث مقاتلي حزب الله بعد مقتل فؤاد شكر، ثم الردع القادم من الأراضي الإيرانية حيث الاغتيال المكاني لاسماعيل هنية، مع توجيه بقية الفصائل للقيام بعمليات تعرضية تستهدف الموانئ بشكل خاص لأنها تشكل القاعدة الاقتصادية المهمة التي تعتمد عليها إسرائيل، وخاصة ميناء حيفا الذي يشكل منطقة رئيسية للمعدات الحربية الاستراتيجية بوجود أليات عسكرية وغواصات بحرية نوع ( دلفين) والمعدة لحمل رؤوس نووية ومنطقة مهمة لتفقد السفن البحرية الإسرائيلية وحوض لصناعة السفن ويستقبل (30) مليون طن من البضائع سنويًا، كما أن ميناء أشدود القريب من تل أبيب ويبعد 30 كم عن غزة ويستحوذ على 50٪ من التجارة الإسرائيلية، في حين أن مينائي عسقلان والخضيرة متخصصان بنقل الطاقة ولا يستقبلنا حاويات تحتوي على أي بسائع أخرى،وميناء إيلات يمثل البوابة الرئيسية للتجارة مع آسيا وآفريقيا ومنفذ لدول الشرق الأوسط.
سيكون الرد الإيراني لتثبيت حالة الردع وليس لحرب شاملة، لان النظام الإيراني نظام عقائدي يمتلك مشروع سياسي ولا يخاطر بمسألة بقائه بالحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة