“نتفهم مشاعر المواطنين الإيرانيين”، هي أبرز عبارة في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية تعليقاً منها على الاعتداء واقتحام مقر السفارة السعودية وقنصليتها في مدينة مشهد، في تعبير يجسد ما يسميه البعض “دبلوماسية اقتحام السفارات” لدى النظام الإيراني.
إلا أن هذه “الدبلوماسية” العدوانية التي انتهجتها طهران، لاقت رد فعل حازماً من قبل الرياض، تمثل بإعلان قطع العلاقات مع طهران وطرد سفيرها ودبلوماسييها من المملكة، الأمر الذي يبعث برسائل مختلفة هذه المرة رداً على الاعتداءات الإيرانية، ولمسؤولي طهران الذين صعدوا في لغة الخطاب إلى حد وصل إلى درجة التهديد.
ورغم أن عمليات اقتحام السفارات أو الاعتداء عليها عمل مخالف للقواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، ولا تستطيع حكومة ما الدفاع عنه، أو تبريره علناً، ولا أن تترك مرتكبيه دون محاسبة وعقاب، فإنه في الحالة الإيرانية، التي تتمتع فيها الحكومة بقوة أمنية كبيرة تمنع أعمالاً كهذه، فإن الحكومات تتواطأ مع تلك العمليات لأسباب سياسية؛ أساسها إظهار معارضتها لسياسات ومواقف الدول التي يتم اقتحام سفاراتها أو الاعتداء عليها؛ وذلك بحجة أن ما جرى القيام به يمثل غضباً شعبياً يعبر عن نفسه، لكن الحقائق تؤكد أن تلك الأعمال تتم بموافقة ومؤازرة رسمية وتحت رعاية الأجهزة الأمنية، بمعنى أن تلك العمليات هي بمنزلة موقف رسمي شبه معلن، بغض النظر عمّا يرافقها أو يعقبها من تصريحات ومواقف رسمية.
– تاريخ من الاعتداء على السفارات
الصور والمقاطع المصورة (الفيديو) التي أظهرت الاعتداء على السفارة السعودية في طهران أعادت إلى الأذهان مشهد اقتحام السفارة الأمريكية في العاصمة الإيرانية قبل 36 عاماً، وغيرها من الأحداث المماثلة.
ففي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1979، اقتحم طلبة إيرانيون مبنى السفارة الأمريكية وأخذوا نحو 53 شخصاً رهائن، حيث تم احتجازهم أكثر من 444 يوماً، وخلالها حاولت السلطات الأمريكية إطلاق سراحهم عسكرياً أكثر من مرة إلا أنها لم تنجح، فكان الحل هو التفاوض. مفاوضات انتهت بالموافقة على إطلاق سراح الرهائن مقابل تحويل 50 طناً من سبائك الذهب للمختطفين، وإعادة 50 طناً أخرى مجمدة في الخزينة الأمريكية.
وفي الـ20 من يناير/كانون الثاني 1981، وبعد دقائق من قسم ريغان يمين الرئاسة في واشنطن، أقلعت طائرة من طهران تحمل الرهائن إلى بلادهم، مروراً بالجزائر العاصمة حيث وقع اتفاق إطلاق سراحهم.
هذه الحادثة كانت بداية علاقات متوترة بين واشنطن وطهران، يعيش البلدان تبعاتها حتى الآن. ولا سيما أن أحد رؤساء إيران لاحقاً، وهو محمود أحمدي نجاد، اتهم بأنه أحد الطلبة المنفذين للهجوم، وهو ما أنكره نجاد.
هذه الحادثة قد تكون أشهر اعتداء حصل في إيران على بعثة دبلوماسية لكنها ليست الوحيدة، فعلى مدى العقود الأربعة الماضية سجلت اعتداءات عدة على سفارات وبعثات دبلوماسية منها الكويتية والروسية والباكستانية، إضافة إلى حادثة لافتة كانت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، عندما اقتحم محتجون إيرانيون السفارة البريطانية في طهران، وذلك خلال مظاهرات ضد العقوبات التي فرضتها لندن على إيران.
– أسلوب العجز الدبلوماسي
ويرى مراقبون أن سبب لجوء السلطات إلى تشجيع الاعتداء على السفارات الاجنبية، يأتي عندما تجد نفسها عاجزة عن استعمال أشكال أخرى للاحتجاج والاعتراض على سياسات ومواقف الدول صاحبة السفارات، فتلجأ إلى الاعتراض بهذه الطريقة الفجة وغير الرسمية، التي وإن كانت كلفتها السياسية والمادية أكبر، إلا انها تسمح للسلطات بصورة غير مباشرة بالتعبير عن مواقفها.
كما أن هذه الطريقة تعطي السلطات في الدول المضيفة فرصة إدخال قطاعات من “الرأي العام” في بلدها للمشاركة في التأثير على سياسات الدول التي تعود إليها السفارات المستهدفة، بل عمليات كهذه تحمل إشارات إلى الأخطار الماثلة، التي يمكن أن تتعرض لها سفارات ومصالح البلدان صاحبة العلاقة من جراء استمرار سياساتها ومواقفها.
غير أن موضوع مهاجمة السفارات أو اقتحامها له طابع موسمي أو مناسباتي أي إنه مرتبط بأحداث معينة، حيث يتم اللجوء إليه غالباً في مراحل معينة من الاحتدامات والتناقضات السياسية وليس في الأحوال العادية، ومثال اقتحام السفارات مؤخراً في دمشق وطهران، لا ينفصل عن الأوضاع السياسية التي تعيشها إيران.
وممّا لا شك فيه أن هذا الشكل من الصراعات بين الدول، يخرج عن الإطار الذي حددته الاتفاقات الناظمة للعلاقات الدولية والأعراف الدبلوماسية التي تنظم عمل السفارات وحرمتها وضرورة الحفاظ عليها، ما يدعو إلى وقفه، إضافة إلى أن في حيثياته كما في احتمالاته، ما يحمل أخطاراً جدية ليس على السفارات والدول التي تتبعها فقط، وإنما على الدولة التي يقوم بعض من تصفهم بـ”الغاضبين” من مواطنيها بالاعتداء على سفارات وهيئات أجنبية فيها كما يبدو الأمر اليوم بالنسبة لإيران.
– الوضعية القانونية للسفارات
تعتبر سفارة بلد ما “أ” في البلد “ب” جزءاً من التراب الوطني لـ”أ”؛ حيث لا يمكن لأي فرد من الدولة “ب” الدخول إلى السفارة دون ترخيص من البلد “أ”. حتى إن السلطات الأمنية من الدولة “ب” لا تملك حق تفتيش السفارة أو القيام بأي تدخل داخلها. وأي مخالفة لهذا القانون تعتبر تعدياً على سيادة الدولة “أ”.
وربط العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين من أهم مهام السفارة. في حالات نزاعات أو نشوب حرب أهلية بالدولة المستضيفة من الممكن للسفارة أن تغلق حماية لمصالح دولتها. إلا أن هذا الإجراء يختلف عن إجراء طرد السفير الذي يعني قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين.
وبحسب المادة (31) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية في الباب المتعلق بحرمة مباني القنصلية؛ فإن مباني القنصلية تتمتع بالحرمة، ولا يجوز لسلطات الدولة الموفد إليها أن تدخل في الجزء المخصص من مباني القنصلية لأعمال البعثة القنصلية إلا بموافقة رئيس البعثة القنصلية أو من ينيبه أو بموافقة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة.
كما تلزم الاتفاقية الدولة الموفد إليها بالتزام خاص باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية مباني القنصلية ضد أي اقتحام أو إضرار بها، وكذا لمنع أي إضرار بأمن البعثة القنصلية أو الحط من كرامتها.
الخليج أونلاين