طرابلس – نددت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها اليوم الأحد بمحاولات إغلاق حقل الشرارة النفطي ووصفتها بأنها “ابتزاز سياسي”، فيما نفي رئيس “حراك فزان” بشير الشيخ، وجود علاقة للحراك بإغلاق الحقل متهما اللواء الركن صدام حفتر رئيس أركان القوات البرية التابعة للجيش الوطني بالوقوف وراء العملية ردا على محاولة اعتقاله في إيطاليا.
وقالت الحكومة في بيان إنها “لن تتوانى في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شعبنا والدفاع عن حقوقه في الاستفادة من ثروات بلاده”، وذلك بعد أن أغلق محتجون محليون الحقل جزئيا السبت.
وأضافت أن “حصة إنتاج ليبيا فيه تبلغ 88 بالمئة وحصة المشغل الأجنبي 12 بالمئة”، لافتة إلى أن إغلاق الحقل “يترتب عليه تفاقم معاناة الشعب الليبي الذي دفع لوحده ثمن أزمات إقفال النفط المتكررة التي تسببت في أضرار جسيمة للاقتصاد الوطني، وأثرت سلبًا على حياة مواطنينا”.
وأكد مهندسان في حقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا، أن محتجين محليين أغلقوا الحقل جزئيا في وقت متأخر السبت، وذلك احتجاجا على تردي أوضاعهم المعيشية وتغييبهم من خطط التنمية التي تنفذها السلطات التنفيذية، في خطوة من شأنها
وبحسب وسائل إعلام محليّة، أجبر المحتجون حرس المنشآت النفطية والموظفين على وقف الإنتاج وإغلاق الحقل النفطي جزئيا، إلى حين النظر في مطالبهم وتنفيذ الحكومة لتعهداتها السابقة.
وأعلن رئيس “حراك فزان” في منشور عبر صفحته على فيسبوك البدء الفعلي لإغلاق حقل الشرارة، دون أن يكشف عن أسباب إغلاق الحقل.
ولاحقا، قال رئيس “حراك فزان” في تصريحات إلى وكالة “إيطاليا برس” للأنباء، اليوم الأحد إن “صدام أعطى تعليمات فورية عبر الهاتف، ومن دون استخدام القوة العسكرية، بإغلاق الموقع ردا على محاولة اعتقاله، الجمعة الماضي في إيطاليا، بناء على مذكرة اعتقال صدرت بحقه في إسبانيا”، خاصة أن الحقل تديره شركة “ريبسول” الإسبانية.
وأضاف “لم يشارك أي من مقاتلينا في إغلاق معسكر الشرارة الذي تديره شركة ريبسول الإسبانية، وليست لي أي علاقة بإغلاقه، وأرفض اتهامي بذلك”.
وأشار إلى أن صدام حفتر زار روما الجمعة الماضي، وعند عودته إلى بنغازي أوقفته السلطات الإيطالية، لوجود مذكرة اعتقال صدرت بحقه “في ضوء تورطه في تهريب شحنة أسلحة اعترضتها الشرطة الإسبانية قبل أشهر عدة”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الحقل للإغلاق، حيث أقفلت مجموعات من المتظاهرين حقل الشرارة مطلع العام الجاري، مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية، وبناء مصفاة في الجنوب، وصيانة الطرق المتهالكة، ووضع حد لنقص الوقود في جنوب ليبيا.
وتعاني مناطق الجنوب من التهميش الدائم رغم أن بها منابع النفط والغاز والماء وهي ثرية بالمعادن النفيسة، وهناك صراع إقليمي ودولي على بسط النفوذ على ثرواتها الطبيعية ومواقعها الإستراتيجية المهمة كبوابة للصحراء الكبرى ووسط أفريقيا.
ويشكو الجنوب من النشاط الواقع لشبكات تهريب البشر والبضائع، وخاصة تهريب الوقود الذي تجاوز سعره في إقليم فزان 50 ضعفا للسعر الرسمي، علما وأن ليبيا تدعم المحروقات بمختلف أنواعها، حيث يباع لتر البنزين المدعم بسعر 0.15 دينار (0.031 دولار)، ويعد الأرخص في العالم، لكن المناطق النائية تعاني ظاهرة التهريب التي تتسبب في تسرب الوقود إلى دول الجوار أو السوق السوداء.
وجرّاء إغلاق حقل الشرارة النفطي، من المتوقع أن تخسر ليبيا يوميا حوالي ثلث إنتاجها من النفط، كما سيتكبد الاقتصاد الليبي خسائر مالية يومية، إذ ينتج هذا الحقل أكثر من 300 ألف برميل يوميا، هو أحد أكبر مناطق الإنتاج في البلاد. واستهدف على نحو متكرر لأسباب سياسية متنوعة ومطالب من قبل محتجين محليين.
ويقع الحقل في حوض مرزوق في جنوب شرق ليبيا وتديره المؤسسة الوطنية الليبية للنفط عبر شركة أكاكوس مع شركات ريبسول الإسبانية وتوتال الفرنسية وأو.إم.في النمساوية وإكوينور النرويجية.
وسبق أن حذر وزير النفط والغاز الليبي محمد عون من تداعيات إغلاق حقل الشرارة النفطي، مؤكدا أن الشعب الليبي وحده من سيتضرر من ذلك، وقال في بيان رسمي إن إغلاق الحقل سيلحق الضرر بسمعة ليبيا الاقتصادية، ولا ينبغي استخدام النفط كورقة ضغط سياسية على حساب مصلحة الشعب، مردفا أن الإغلاق سيؤدي إلى نقص الوقود والكهرباء، مطالبا جهاز حرس المنشآت النفطية بتأمين الحقول وضمان استمرار الإنتاج.
من جهته، حاول رئيس الحكومة المؤقتة في طرابلس، عبدالحميد الدبيبة، معالجة مشكلة المحتجين من جذورها عن طريق استقبال عمداء بلديات بالجنوب الليبي، وأبلغهم بزيادة كمية الوقود وإسطوانات الغاز المخصصة لسكان تلك المناطق.
وتعتمد ليبيا على إيرادات النفط في دخلها الأساسي بنسبة تزيد عن 95 في المئة، يذهب أكثرها إلى رواتب الموظفين ودعم المحروقات والسلع والخدمات الأساسية.
وشهد قطاع النفط في ليبيا، منذ انهيار نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، إغلاقات عدة كان أبرزها إغلاق العام الماضي الذي بدأ في أبريل واستمر أكثر من شهر كامل عندما قام أشخاص من الجنوب بإيقاف إنتاج وتصدير النفط بهدف الضغط على حكومة الدبيبة لتسليم السلطة لرئيس الحكومة فتحي باشاغا المعين آنذاك من البرلمان في فبراير 2022.
وتكبدت ليبيا حينها خسائر قدرت بـ60 مليون دولار يوميا جراء تواصل الإغلاقات، أي ما يقارب ضياع نحو 600 ألف برميل من الإنتاج النفطي يوميا، بحسب تصريحات سابقة لوزير النفط الليبي، في وقت عرفت أسعار النفط انتعاشا غير مسبوق، ولم يخف خبراء النفط بالبلد تخوفهم من الدخول في أزمة طاقة بخاصة أن الدول الأوروبية تعتمد على الإمدادات النفطية الليبية التي كان البلد يطمح إلى رفعها إلى أكثر من 1.20 مليون برميل يوميا (الإنتاج اليومي للنفط قبل إغلاق حقلي الشرارة والفيل).
العرب