جاءت الضربات العسكرية التي وجهتها كتائب حزب الله اللبناني فجر يوم 25 آب 2024 للعمق الإسرائيلي لتعيد رسم ملامح الأوضاع الميدانية في منطقة الشرق الأوسط ولتعطي انطباعات توحي بأن هناك ابجديات للتعامل السياسي والعسكري بين الأطراف المتنازعة وفق التطورات الحاصلة والتي بدأت تأخذ مدياتها الحقيقة في تحديد صورة الرد المقابل وإيقاف التصعيد الشامل.
ان ما قام به حزب الله إنما يندرج ضمن السياسية التي يتمسك بها والتي تنطلق من أفاق تتسم بالحفاظ على استمرارية النهج الإيراني ومشروعه في التمدد والنفوذ وتمنحه الفرصة السياسية التي سيعمل على احتواء ها وتسخيرها لمصلحته وأهدافه في المنطقة وتعيد له إمكانية العمل وفق الغايات والأهداف التي يسعى إليها في تعزيز سياسة ضبط إيقاع الرد وتمتين حالة القبض على النظام وأدامة القدرة العسكرية في توجيهها بما يخدم الأصول الثابتة التي وضع ركائزها وأسسها المرشد الاعلى علي خامنئي وتحديد المسارات الناجحة في توسيع دائرة المكتسبات التي حصل عليها النظام الإيراني طيلة أربعة عقود ماضية.
تنظر إيران بشكل فعال إلى ما حققته من تقدم في برنامجها النووي والأبحاث العلمية والتقنية المتطورة التي جعلتها تمتلك قاعدة استراتيجية واسعة ساعدتها على اتساع مساحة التخصيب بنسبة 60٪ لليورانيوم وخزن ألآلآف من الرود المركزية والاحتفاظ بها في منشأتها النووية، مع تعزيز حالة التقدم في برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تمثل حالة متقدمة في المجال الردع المقابل والذي تحتاجه المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية لسد النقص الكبير الحاصل في سلاحها الجوي وبعض من قدراتها في منظومات الدفاع الجوي التي تخضع للعقوبات الدولية.
وامام هذه المعطيات فلا يمكن لإيران أن تضحي بكل المقومات التي تجعلها قوة إقليمية ولها الدور الريادي في أي تطورات سياسية مفاوضات قادمة، وتعتبر التقدم التكنولوجي في السبق النووي عامل مهم لتحقيق أهدافها وقدرتها على التحاور والتفاوض في أي موقع ومن أجل حماية أمنها القومي ونظامها السياسي.
وتنظر إلى الضربات التي وجهها حزب الله كحالة ميدانية مثلت قدرة عسكرية ستجعل منه أداة في الحفاظ على دورها مشروعها السياسي ومنع حالة أي مواجهة مباشرة لاستهداف منشأتها النووية وقدرتها الدفاعية عبر التهدئة الميدانية وعدم التصعيد الذي يتوافق وسياسة الإدارة الأمريكية التي تنتظر خوض الانتخابات الرئاسية القادمة بحالة من الهدوء والانضباط وبعيدًا عن أي مواجهات واسعة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي التي تراها تتعلق بادامة مصالحها ومنافعها وأهدافها السياسية.
أتى الفعل العسكري لكتائب حزب الله اللبناني ليكون عامل مهمًا في تعبيد الطريق لإيران وحماية نظامها السياسي واطلالتها الأمنية الاستراتيجية في عواصم الأقطار العربية ( لبنان وسوريا واليمن والعراق) ومساعدة حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لاتمام برنامجها السياسي في الانفتاح على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وإعادة عملية التفاوض والحوار حول البرنامج النووي الإيراني وإطلاق الأموال المجمدة وبدأ علاقات متوازنة مع مراعاة ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة وإرسال رسائل واضحة أنها حكومة تسعى للتوازن الاستراتيجي في المنطقة وتنطلق من أهمية مراعاة مصالح جميع الأطراف الدولية والإقليمية وبما يحقق لها التواجد والتفاعل الميداني معها، وهذا سيجعل من السياسية الإيرانية محورًا فاعلًا في أي تطورات قادمة في المفاوضات المتعلقة بالاوضاع القائمة في الأراضي الفلسطينية.
تبقى اعمدة وركائز السياسة الإيرانية قائمة على المبدأ البراغماتي الذي يحفظ لها وجودها ويحقق أهدافها ويمتخهها القدرة على المضي بمشروعها في المنطقة وبعيدًا عن أي شعارات شعبية ومواقف حقيقية تتعلق الصراع العربي الإسرائيلي وإنما تعمل على تسخير جميع هذه التطورات لصالحنا وتسخرها لبقائها لتحفظ أمنها وبقاء نظامها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية