إتسمت حكومة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشيكان بقربها من صانع القرار السياسي في البلاد وبمكافئتها في دعم توجهاتها وبرنامجها الانتخابي، عندما منح المرشد الأعلى علي خامنئي تفويضًا رسميًا وسياسيًا للرئيس بزشيكان بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني ووضع آليات جديدة يرتكز عليها فريق المفاوضات القادم عندما آشار إليهم في أول حديث مع أعضاء الحكومة يوم 27 آب 2024 ( بعدم رفض التعاون مع العدو) والعمل على تحديد أولويات التفاوض بتحيد العقوبات ثم التعامل الميداني لرفعها وإيجاد صيغ فعالة للتعامل البناء مع جميع الدول، وهي ما توافقت مع الرؤية التي قدمها ( عباس عراقجي) وزير الخارجية الإيراني في ورقته المعدة حول آفاق وطموحات السياسية الإيرانية للمرحلة الحالية.
والوزير عراقجي تم اختياره ضمن الكابينة الوزارية للرئيس مسعود بزشكيان والذي يتمتع بقدرة وفعالية كبيرة في إدارة الملف الدبلوماسي وفق الخبرة التي اكتسبها لثلاث عقود من الزمن عمل خلالها في وزارة الخارجية واستلم مهام المدير العام لمعهد الدراسات السياسية والدولية وكلف بعدها بمنصب القائم بأعمال البعثة الإيرانية في منظمة المؤتمر الإسلامي في مدينة جدة السعودية، وعمل سفيرًا لإيران في فنلندا واليابان ونائب لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، وكان من أبرز المفاوضين في جلسات الحوار التي عقدت في العاصمة النمساوية (فيينا) وساهم بشكل فعال في إقرار (خطة العمل الشاملة المشتركة) في آب 2015 مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الراعية للمفاوضات ( ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) والتي سميت بمجموعة (5+1).
جاء اختيار (عباس عراقجي) لمنصب وزير الخارجية الإيراني في خضم أحداث مهمة وخطيرة تمر بها منطقة الشرق الأوسط في استمرار العقوبات الاقتصادية واشتداد تأثيراتها على المجتمع الإيراني مع تعاظم المواجهات العسكرية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية وتصاعد الخلافات بين إيران والغرب بسبب موقفها المؤيد للرئيس الروسي بوتين في حربه المستمرة مع أوكرانيا وتزويد القوات العسكرية الروسية بالطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى والتي كان لها فعلها المؤثر على النتائج الميدانية للحرب.
وأمام هذه الوقائع الميدانية وطبيعة الخبرة السياسية التي يمتلكها عباس عراقجي وقدرته على فهم التطورات والمتغيرات التي يشهدها العالم فقد اقدم على توضيح وشرح خططه للبرلمان الإيراني باعتماد سياسة التنسيق بين (الميدان والدبلوماسية) ودعم موقف إيران في منع حدوث أي إجماع دولي ضدها في مجلس الأمن وتعزيز العلاقات المتين مع الصين وروسيا، والالتزام بدعم محور المقاومة، واتباع دبلوماسية شاملة ونشطة وفعالة مع الدول الأوربية تؤمن المصالح والأهداف الإيرانية تعيدها إلى دورها السياسي والاقتصادي، والتي ستكون طريقًا لرفع العقوبات الدولية بطريقة مشرفة من خلال المفاوضات الجادة لتحييد العقوبات وخفض تكاليفها.
واعتماد المسار الاقتصادي في تنوع العلاقات الدبلوماسية وتوظيفها لحلحلة المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع الإيراني عبر توسيع دائرة التعاون وتبادل الخبرات مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والتي تشهد تطويرًا عالميًا وتقنيًا في النمو الاقتصادي العالمي مع إعطاء أهمية بالغة في تسهيل العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الجوار، وأكد على أن المبدأ الرئيسي في عمله سيكون تحت عنوان ( نحاول أن نكون فاعلين في التطورات الدولية وليس مجرد شاهدين).
يأتي التفويض السياسي من المرشد الأعلى علي خامنئي ليكون عاملًا رئيسيًا ومجالًا واسعًا لحركة الوزير عباس عراقجي في إدارة التوترات السياسية القائمة بين واشنطن وطهران وإعادة العلاقات مع الدول الأوربية في مسعى حقيقي تفرضه المصالح والمنافع الإيرانية التي تسعى إلى تعزيز دورها واستثمار الفرص السياسية في جنى ثمار موقفها من عدم توسيع دائرة الحرب في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وحصرها في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية والتزامها بسياسة عدم التصعيد، وهو الدور الذي سيقوم به الوزير عراقجي في إعادة محور العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وجلسات التفاوض حول آلية البرنامج النووي الإيراني والتي ستعقبها خطوات دبلوماسية قد تبدأ بتوسيع مجالات التبادل التجاري الاقتصادي وفتح القنصليات وصولًا إلى علاقات دبلوماسية كاملة، وهو الهدف الذي تعمل عليه القيادة الإيرانية لاثبات اعتدالها وتمسكها بثوات سياستها في حماية نظامها السياسي والحفاظ على مكتسباتها الميدانية باستمرار مشروعها في التمدد والنفوذ داخل المنطقة العربية.
يعلم الوزير عباس عراقجي ان نهاية العمل باتفاقية ( خطة العمل الشاملة المشتركة) سينتهي يوم 18 تشرين الأول 2025 وهي المدة التي حددتها الإتفاقية التي عقدت في آب 2015، وعندها ستتحرر إيران من العقوبات الدولية وتمتلك القدرة على تفعيل برامج اسلحتها وتعزيز مؤسساتها ومنظموماتها العسكرية وتحديث سلاحها الجوي، وهو ما تسعى اليه في إعادة الحوار مع واشنطن وقطع الطريق امام أي محاولات من دول الغرب أو جهات أخرى لإعادة فرض العقوبات عبر تقارير تقدم إلى مجلس الأمن الدولي بعدم تنفيذ إيران التزاماتها وخروجها عن الاتفاق الدولي واستمرارها بتفعيل برنامجها النووي وزيادة فعاليته مما يحتم على مجلس الأمن إعادة العقوبات على إيران.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية