اتصفت الأحداث الميدانية للأيام الماضية بعديد من الصور والفعاليات العسكرية على طول ساحة المواجهة في الجنوب اللبناني وتحديدًا الضاحية الجنوبية، فلم تقتصر على الضربات الجوية الإسرائيلية على استهداف الأماكن والمواقع العسكرية التابعة لحزب الله اللبناني وإنما أخذت مسار حرب استخبارية واسعة تمكنت فيه من قتل كبار القيادات العليا الأمنية والعسكرية والكوادر التنظيمية ومنهم أمين عام الحزب حسن نصر الله، في أوسع اختراق أمني تشهده المنطقة.
تم استخدام الطائرات المقاتلة نوع (أف 35) والتي أطلقت (10) قنابل خارقة للتحصينات من نوع ( MK84) تزن الواحدة منها (2000) رطل وبمقدروها اختراق التحصينات بعمق 50-70 متر تحت الارض وأحداث ذبذبات ارتجاجية قادرة على قتل الإنسان في محيط المكان المستهدف، إذن العملية كان مهئ لها بدقة ومتابعة أمنية وأدوات ووسائل تكنلوجية متطورة متقدمة لقنص الهدف الرئيسي في العملية.
أن طبيعة المواجهة التي حدثت بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية شملت جميع المنظومات السياسية والأمنية والعسكرية العاملة في هيكلية الحزب التنظيمية بحيث أدت إلى شل حركته وفقدان الاتصال بين القيادة والكوادر وانعدام التوجيهات الميدانية وأحداث حالة من الارتباك والفزع بين مقاتليه، انعكست بشكل واضح على الميدان في الأيام الأولى من المواجهات بين الطرفين.
شكلت قوة حزب الله ولفترة طويلة حالة من الردع في مناطق الاشتباك مع إسرائيل بوجود الصواريخ الاستراتيجية والطائرات المسيرة وقوة الرضوان المعدة لتنفيذ عمليات خاصة داخل العمق الإسرائيلي، ولكن الذي حصل ميدانيًا أن الفعل الإستخباري الإسرائيلي قد استبق الجهد العسكري لحزب الله وتمكن من استهداف اجتماع واسع لقيادات الرضوان في بداية المواجهة وشل حركة وفعالية الصواريخ بضرب قواعدها وأماكن تخزينها مع المعدات الثقيلة التي يمتلكها مقاتلي الحزب من الذخائر والاسلحة المتوسطة.
وبعد كلمة المرشد الأعلى علي خامنئي والتي أشار فيها إلى أن الرد سيكون من خلال الجهد المشترك لمحور المقاومة الذي سيكون عونًا وسندًا لحزب الله في الثأر لمقتل امينه العام وقياداته الميدانية، فكيف تتعامل قيادة الحزب الجديدة مع هذا الواقع الميداني؟ وما هي الوسائل السبل المتاحة لهم؟ وما هي انعكاسات الموقف الداخلي في لبنان؟
في مجمل الإجابة على تساؤلاتنا، نرى أن الواقع سيتجه الى تصاعد في العمليات العسكرية عبر استخدام الصواريخ البالستية وبعيدة المدى والطائرات المسيرة من شركاء حلفاء الحرس الثوري الإيراني في اليمن والعراق، وستكون عبر عمليات نوعية تقوم بها جماعة الحوثيين بانطلاق فعالياتها من الأراضي اليمنية والمياه الدولية في البحر الأحمر، وسيكون للفصائل المسلحة في العراق دورًا ومشاركة فعلية في دعم وإسناد حزب الله والالتزام بتوجيه المرشد الأعلى، مع تفعيل جبهة الجولان وتنشيط حركة المليشيات المتواجدة في سوريا من الزينبين والفاطمين على طول خطوط التماس مع إسرائيل.
أما حزب الله فإن الضربات الأخيرة قد جعلته يتبه بشكل مباشر إلى أهمية العودة إلى استخدام الإنفاق في حماية مقاتليه عبر تحقيق الاتصال بهم وتوجيهم بمنظومة الاتصالات الخاصة المستقلة والتي لا تزال موجودة لديه ويحافظ عليها.
في مجمل الوقائع التي حصلت فمن الصعوبة الآن أن يتجه الجهد الدولي والإقليمي لمبادرات سلمية أو مناقشة العودة لقرار مجلس الأمن (1701) وانسحاب مقاتلي حزب الله إلى مسافة (10-17) كم عند نهر الليطاني، ولكن من الواضح أن إيران قد تستخدم قوتها العسكرية الصاروخية في الرد المناسب تجاه العمق الإسرائيلي لتحقيق الغاية والهدف الرئيسي في تحقيق سياسة الردع المقابل وإصابة أهداف استراتيجية ( عسكرية وأمنية استخبارية) ردًا على العديد من الضربات التي وجهت من قبل إسرائيل لمواقع ومصالح ومراكز وقياداته إيرانية خلال الأشهر الماضية، ودعم وإسناد الجهد القتالي لمقاتلي حزب الله ضمن دائرة محور المقاومة، وقد تكون هناك بعض من أجنحة وفصائل الحرس الثوري الإيراني على الأراضي اللبنانية في توجيه فعلي وميداني تجاه إسرائيل.
أن جميع السياسات التي يتبعها أي نظام سياسي لابد أن تقارن بحماية أهدافه ومصالحه ومواقف المعلنة، وهذا ما على النظام الإيراني أن يدركه، فسياسية الصبر الاستراتيجي وقبضة النظام والقتال خارج حالات الحدود، يجب أن يصاحبها رد فعل حاسم وإلا فإنها تعني الهزيمة الفعلية في القاموس العسكري.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة