مرة ثانية تحاول إيران أن تعيد حالة الردع المقابل إلى قواعد الاشتباك مع إسرائيل، بتوجيه (200) صاروخ بعيد المدى من نوعية البالستي وفرط صوت لتحقيق الأهداف التي عملت عليها بذريعة الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ( إسماعيل هنية) ومقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني (حسن نصر الله) ومعه اللواء عباس نائب قائد فيلق القدس والمسؤول عن الساحتين السورية واللبنانية .
أن ما حدث مساء يوم الأول من تشرين الأول 2024 كان امتدادًا للفعل العسكري الذي حصل يوم الثالث عشر من نيسان الماضي،ولكنه اختلف في الشكل بأنه كان أكثر اتساعًا وأوسع نطاقًا وأحدث اضرار واضحة على عكس الهجوم الأول الذي جاء ردًا على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، كونه تزامن مع التقدم الإسرائيلي نحو الجنوب اللبناني وتصميم إسرائيل على التوجه نحو حرب إقليمية بعد استهدافها القيادات وقواعد حزب الله اللبناني.
تمكن القادة العسكريين والامنين في الحرس الثوري الإيراني من اقناع المرشد الأعلى علي خامنئي بضرورة الرد المقابل وفرض ارادتهم بإطلاق عشرات الصواريخ البالستية بعيدة المدى نحو العمق الإسرائيلي، وعلى إيران أن تثبت وجودها وتظهر قوتها والا فإن دورها الإقليمي ومكانتها أمام حلفائها وشركائها سيكون في مهب الريح.
ولم يكن أمام القيادة الإيرانية خيار آخر غير الرد الذي جاء متوافقًا مع أصول عقيدتها السياسية وأهدافها الأمنية وسعيها القائم على حفظ مرتكزات الردع المقابل، مع تمسكها بعدم التورط المباشر في حرب واسعة لأنها تعلم أنها ستكون باهضة الاثمان عليها وتشكل تهديدًا لنظامها السياسي الذي لا يزال متمسكًا بسياسة قبضة النظام والدفاع عن حدوده خارج نطاق الحدود الجغرافية لإيران، ولكنه عمل على اتباع عقيدة ميدانية تساير المواجهات التي بدأ مقاتلي حزب الله بالتفاعل معها عبر عديد من العمليات القريبة من الحدود المشتركة القريبة من الجنوب اللبناني.
وأمام هذه المعطيات الميدانية والظروف السياسية انطلقت الصواريخ الموجهة من القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في مدن ( تبريز وكرمان وأصفهان وشيراز وأراك ورباط كريم).
الهدف الرئيسي الذي تحقق في ضربة 13 نيسان 2024 كان تحقيق الإصابة المباشرة نحو قاعده ( نفاتيم) في صحراء النقب والقاعدة العسكرية في مطار ( رامون) العسكري شمال مدينة إيلات والذي أعلنت القيادة العسكرية الإيرانية أن الطائرات المقاتلة انطلقت منها واصابت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق والتي قتل فيها 16 شخصًا منهم ضباط كبار في الحرس الثوري، وهذا ما تكرر ايضًا في الضربة الأخيرة التي تمت في أول أيام شهر تشرين الأول 2024 بعددكبير من الصواريخ وأشارت إلى أنها أصابت قواعد عسكرية في محيط مدينة تل أبيب ومنها قاعدة (حتسريم) العسكرية والتي سبق القادة العسكريين الإسرائيليين من الوصول إليها لمراقبة عملية تنفيذ العملية التي استهدفت حسن نصر الله ومعه القيادات الميدانية في حزب الله ومعاون قائد فيلق القدس بطائرات مقاتلة نوع ( F15I) والتي حملت (83) قنبلة نوع(GBU28) تزن كل قنبلة طناً.
أن القاسم المشترك في هاتين الضربتين أنها كانت ضمن إطار المحافظة على حالة الردع المقابل وقواعد الاشتباك المشتركة مع التمسك بسياسة عدم التصعيد والاكتفاء بتحقيق الرد الذي جاء ضمن إطار المحافظة على مكانة النظام الإيراني وإعادة هيكلية علاقته مع شركائه وحلفائه وقيادة الفصائل المسلحة العاملة معه في عواصم الأقطار العربية ( العراق وسوريا واليمن) والتي ساهمت في دعم الضربة الصاروخية الإيرانية بعمليات مماثلة، واستجابة للموقف الذي اتخذه تيار المحافظين الإيرانيين عبر أحاديثهم وقواعدهم التنظيمية بضرورة الرد الحاسم والا فإنهم يعتبرون أن الدعوة لضبط النفس تعادل الخيانة.
لا تزال إيران تعمل ضمن دائرة الحفاظ على استمرار مشروعها السياسي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والتمسك بسياسة التمدد والنفوذ وإظهار قوتها عبر برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة للحفاظ على ديمومة واستمرار فاعلية برنامجها النووي واعتباره المسار الاخير في أي مواجهات قد تستمر وتتوسع وتستخدم فيها جميع الإمكانيات العلمية والتكنولوجية العسكرية والحربية.
وحدة الدر اسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية