إسرائيل وإيران وسياسة الهاوية

إسرائيل وإيران وسياسة الهاوية

خلاف “ليلة المسيّرات”، في الرابع عشر من أبريل/نيسان، كانت، في أوّل الليلة الماضية، مباغتة، بعد تلميحات مضللة أنها ستحدث عند منتصف الليل، مثلما لم تكن الهجمة الصاروخية في الليلة الماضية “ألعاباً نارية” استعراضية، فقد تعلّم الإيرانيون من تجاربهم، ونجحوا بإصابة أهداف عسكرية صوبوا نحوها، والصور المتناقلة في منتديات التواصل الاجتماعية العربية والعبرية تدحض الرواية الإسرائيلية الرسمية، التي تحاول تقزيم الهجمة والحكم عليها بالفشل، رغم أن الصواريخ سقطت كزخات المطر، وأحدثت انفجارات كبيرة في بعض المواقع في المركز، وفي النقب، وفي مرج بن عامر.

بعد نحو ساعتين من الهجوم، بادر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو للتهديد بأن إسرائيل سترد رداً قاسياً، وذكّرَ بالتزامه بشعار رفعه في السابق “بأننا سنهاجم من يهاجمنا”، وألمح لاحتمال القيام باغتيالات بقوله: “لم يفهم نصر الله، ولم يفهم هنية، وفهما لاحقاً، ويبدو أن هناك في طهران من لم يفهم، وسيفهم”.

انضم غالانت وهليفي لتهديدات نتنياهو بالرد، ويبدو أنه ردّ حتمي، ليس فقط لأن مصلحة وحسابات إسرائيل تقتضي ذلك ضمن المواجهة على الهيبة والصورة وقوة الردع فحسب، بل لأن نتنياهو انتظر مثل هذه الفرصة سنوات طويلة لتحقيق “حلم حياته”، وربما يذهب لما هو أبعد مما تريده المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، نتيجة اعتبارات شخصية وسياسية داخلية يمحو فيها عار السابع من أكتوبر، ويعود ويستعيد صورة “سيّد الأمن”، ومعها احتمالات النجاة السياسية، والبقاء في التاريخ.

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، الأربعاء، إن الحكومة الإسرائيلية تدرس طبيعة الرد الذي ستقوم به على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران الثلاثاء.ونقلت الصحيفة عن محللين أمنيين ومسؤولين سابقين إسرائيليين قولهم إن الضرر الذي ألحقته إسرائيل بـ«حزب الله» اللبناني خلال الفترة الأخيرة جرَّد طهران من قدر كبير من ردعها ضد هجوم إسرائيلي أوسع نطاقاً. وأضافوا أن إسرائيل تتمتع حالياً بحرية أكبر في الرد بقوة على الهجوم الصاروخي الإيراني، مقارنة بما كانت عليه في أبريل (نيسان)، عندما كان ردها على الهجوم الإيراني السابق عبارة عن ضربة رمزية إلى حد بعيد، ضد منشأة للدفاع الجوي في إيران.

وما هو متوقع في ساعات والأيام القادمة، هو أن ردهما على ايران سوف يكون بالغ الضراوة والعنف، فإسرائيل أمام لحظة تاريخية قد لا تتكرر، وقد لا يتسنى لصانع القرار السياسي في إيران، فمن جهته، يرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن إسرائيل ستردّ بقوة وسرعة، مرجحاً استهداف منشآت نفطه، مع رسالة لمشروعه النووي، ولا يستبعد جرّ الولايات المتحدة لمواجهة رغماً عنها. هارئيل يقول أيضاً، في تحليل له بعنوان “حرب إقليمية”، إنها أزمة إقليمية وعالمية، من شأنها أن تترك تبعات بعيدة المدى على أمن إسرائيل، وعلى الاقتصاد الدولي، وعلى مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم”.

وتحت عنوان “غلطة إيران”، يرى محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت” رونين بيرغمان أن طهران بحثت عن عملية تحمي لها كرامتها من جهة، ومن جهة أخرى منع أمريكا التدخّل، وتؤدي بالتالي لرد إسرائيلي معتدل، لكنها لم تقدّر بشكل صحيح درجة الحرارة الساخنة لدى القيادات الإسرائيلية.

وربما يرى نتنياهو أن هذه هي فرصة الفرص لاستدراج الولايات المتحدة لمواجهة مباشرة مع إيران، كما كان يخطط من قبل، كما تجلّى في عدة أوجه، منها خطابه في الكونغرس، قبل شهرين ونيّف، وهو يدرك جيداً، الحالة الحساسة للإدارة الأمريكية وللحزب الديموقراطي، قبيل شهر من الانتخابات، ومن المتوقع أن يواصل ابتزازها في ظل حالة تعادل شديد بين هاريس وترامب، وحاجة الأولى لدعم اللوبيات الصهيونية والإسرائيلية من جهة، وحاجتها، من جهة أخرى، لتحاشي تصعيد ينذر بتبعات سلبية، مثل ارتفاع سعر النفط، يؤثّر سلباً على حظوظ المرشحة الديموقراطية.

ولهذا ان انتظار صانع القرار السياسي في إيران لهذه الرد الإسرائيلي لن يكون في صالحه. وهذا هو ما يراهن عليه الاسرائيليون والامريكيون. فكلما تأخر ردهها أو ردهما كان ذلك مؤشرا علي إنه الرد سيكون بالغ القسوة وقد يشمل إلى جانب العمق الإيراني حلفائه الإقليميين، الساعا الأيام القادمة خطيرة على بيئة الشرق الأوسط، فالبيئة تموج فوق صفيح ساخن، وما يجول في العقل السياسي الأمريكي والإسرائيلي تذهب في هذه المنطقة من الشرق الأوسط المنطقة إلى الهاوية.