إيران والمهلة الأمريكية

إيران والمهلة الأمريكية

مع عودة التصعيد العسكري الأمريكي في اليمن والرسالة التي أرسلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، وهي عبارة عن مهلة لمدة شهرين لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكن من غير المعروف متى تبدأ المهلة، هل بدأت بمجرد استلام طهران للرسالة، أم أن بدايتها تبدأ مع بدء المفاوضات؟ كما أن ترامب حذر في رسالته إيران من عواقب تجاهل رسالته والاستمرار في بناء مشروعها النووي.
إسرائيل لن تجد أفضل من الإدارة الأمريكية الحالية في سبيل إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط لاسيما بعد الانهيار الذي أصاب المحور الإيراني نتيجة التداعيات الاستراتيجية التي خلفتها أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023م، فإسرائيل من مصلحتها العليا ألا تستجيب طهران لرسالة ترامب، وأن يستمر صانع القرار السياسي في إيران باستفزاز الإدارة الأمريكية من خلال استمراره في بناء مشروعه النووي، فعدم استجابتها، هذا يعني أن سياسة حافة الهاوية قد أصبحت وشيكة. وهذا الذي تدفع باتجاهه اسرائيل، على الرغم من خطورته الإقليمية والدولية . لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق: على ماذا يراهن صانع القرار السياسي الإيراني في عدم الاستجابة للمهلة الأمريكية من أجل التوصل الى اتفاق نووي بشروط أمريكية؟
إذا كانت طهران تراهن على الداخل الايراني في مواجهة أي حرب قادمة مع الولايات المتحدة الأمريكية فهذا الاعتماد ليس في مكانه، فالشعب الايراني الذي يعاني منذ عقود من أزمات اقتصادية لا تنتهي وانتهاكات لا حصر لها في مجال قضايا حقوق الإنسان، وتغول الأجهزة الأمنية على الحياة العامة في إيران، هذا المشهد اليومي خلق فجوة واسعة جدا بين النظام السياسي الايراني وشعبه، وربما ينتظر هذا الشعب اللحظة التاريخية للتخلص منه، كما تخلص الشعب السوري من ديكتاتورية نظام الأسد.
أما إذا كان اعتماد إيران على شركائها الاستراتيجيين الدوليين كالصين وروسيا في أي مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أرى أيضًا أن حساباتها خاطئة في هذا الاتجاه، ولا أظن ان مكانة إيران الاستراتيجية بالنسبة لروسيا والصين مهمة إلى المستوى الذي يجعلهما يتورطان في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي بالتأكيد لن تكون حربًا تقليدية وإنما حرب تحمل في طياتها القدر الكبير من التدمير، كما أن استخدام السلاح النووي فيها لن يكون أمرًا مستبعدًا.. لذلك لن تغامر الصين وروسيا في الدخول بمواجهة مباشرة معها. فالصين تدرك قيمة مصالحها في السياسة الدولية، لذلك تتعامل معها بدبلوماسية في غاية الحصافة، فإذا كانت دبلوماسيتها تتصف بالتصادمية، كان أولى لها أن تدخل في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل “تايوان” وليس من أجل إيران.
أما روسيا التي لا تزال منذ أكثر من ثلاث سنوات غارقة في مستنقع حربها بأوكرانيا وهي الحرب التي كلفتها الكثير من الخسائر السياسية والاقتصادية والأخلاقية أيضًا، لذلك ووفق مصالحها العليا، فمن المستبعد أن تفتح جبهة حرب جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إيران.
لكن مما لاشك فيه أن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتدمير المنشآت النووية الايرانية وغيرها من الأهداف الاستراتيجية في عموم إيران ربما يفتح أبواب حرب تدميرية ليس بوسع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها إغلاقها، وقد تخرج مناطق أخرى عن السيطرة وليس الشرق الأوسط فقط . وربما الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن أي حرب مفتوحة مع إيران لن تكون كالحروب التي خاضتها سابقًا في فيتنام أو أفغانستان أو العراق، لذلك تخشى من نتائجها على المصالح الأمريكية. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: مصالح من ستتفوق على الآخر في التعامل مع إيران الأمريكية أم الإسرائيلية؟

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية