قرار الحكومة العراقية بالاقتراض التحليل الاقتصادي والتداعيات

قرار الحكومة العراقية بالاقتراض التحليل الاقتصادي والتداعيات


الباحثة شذا خليل*
في محاولة لمعالجة العجز المالي المتزايد وتمويل مشاريعها الضخمة للبنية التحتية، قررت الحكومة العراقية إصدار سندات بقيمة 3 تريليونات دينار (حوالي 2.3 مليار دولار)، موجهة إلى البنوك المحلية. أثار هذا القرار نقاشاً واسعاً حول الوضع الاقتصادي الحالي في العراق، الضغوطات على ميزانيتها، والاستراتيجيات التي تتبعها الحكومة لتشجيع النمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن تعرض هذه السندات أسعار فائدة أعلى من الإصدارات السابقة، ما يمثل تحولا في نهج الحكومة في تأمين التمويل. ولكن ما هي تداعيات هذا القرار على الاقتصاد العراقي بشكل عام؟

لماذا الحاجة إلى الاقتراض؟
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على صادرات النفط، لكن التقلبات الأخيرة في أسعار النفط العالمية، إلى جانب خفض الإنتاج بموجب اتفاق أوبك+، أثرت سلبًا على ميزانية الدولة. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الحكومة بتمويل مجموعة من مشاريع البنية التحتية التي تشمل الطاقة والمياه والسياحة والكهرباء. وقد تم تخصيص 100 مليار دولار لهذه المشاريع خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ومع ذلك، فإن الإيرادات الحكومية من صادرات النفط كانت غير كافية لتلبية هذه المتطلبات المالية، مما أدى إلى الحاجة إلى مصادر تمويل إضافية. وبالتالي، لجأت وزارة المالية العراقية إلى إصدار السندات كأداة لتأمين الأموال اللازمة للتنمية.

تفاصيل إصدار السندات
وفقًا لرسالة صادرة عن البنك المركزي العراقي، سيتم عرض الإصدار الجديد للسندات في شكل شريحتين موجهتين للبنوك المحلية. الشريحة الأولى ستكون بقيمة نصف مليون دينار لكل سند، بفترة استحقاق مدتها عامان، وبمعدل فائدة سنوي قدره 8%. أما الشريحة الثانية، فستكون بقيمة مليون دينار لكل سند، مع فترة استحقاق مدتها أربع سنوات، وبمعدل فائدة سنوي قدره 10%. من المقرر أن يتم بيع هذه السندات في الفترة من 20 إلى 29 مارس 2025.

يأتي هذا القرار بعد إغلاق الإصدار الأول للسندات الوطنية الذي تم بين 10 فبراير و10 مارس 2025، وكان موجهًا للأفراد والشركات، مع معدلات فائدة أقل، حيث كانت 6% للسندات ذات الاستحقاق لمدة عامين و7.5% للسندات ذات الاستحقاق لمدة أربع سنوات. ومع ذلك، كان الإقبال ضعيفًا، حيث تم بيع 25% فقط من السندات المخصصة للأفراد والشركات، ما يعادل حوالي 500 مليار دينار من إجمالي 2 تريليون دينار.

كانت معدلات الاكتتاب المنخفضة في الإصدار الأول بمثابة مؤشر على ضعف الإقبال على العوائد المقدمة. لذلك، قررت الحكومة تعديل استراتيجيتها من خلال تقديم شروط أكثر جذبًا، مستهدفة البنوك ذات السيولة العالية. ومن المتوقع أن تقدم السندات الجديدة عوائد أعلى، مما يجعلها أكثر جذبًا لهذه المؤسسات.

التداعيات الاقتصادية وتأثيرها على الميزانية
لإصدار السندات العديد من التداعيات على الاقتصاد العراقي، سواء على المدى القصير أو الطويل.

1. معالجة العجز في الميزانية:
أكبر فائدة من إصدار هذه السندات هي معالجة العجز في الميزانية، الذي زاد بسبب تقلب أسعار النفط. مع انخفاض الإيرادات النفطية المتوقعة، كانت الحكومة العراقية تواجه صعوبة في موازنة الميزانية. من خلال إصدار السندات، يمكن للحكومة جمع الأموال لتغطية احتياجاتها من النفقات، خاصة في تمويل مشاريع البنية التحتية، دون زيادة الضرائب أو تقليص الخدمات العامة. من المتوقع أن تجذب السندات الجديدة البنوك المحلية ذات السيولة العالية، مما يساعد الحكومة في سد فجوة التمويل.

2. الضغوط التضخمية وعبء الديون:
من بين المخاطر المرتبطة بالاقتراض الكبير هو احتمال زيادة الضغوط التضخمية. في حين أن أسعار الفائدة المرتفعة على السندات الجديدة تهدف إلى جذب البنوك، فإن زيادة الطلب على ديون الحكومة قد يؤدي إلى تضخم على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، فإن تراكم الديون من خلال إصدار السندات سيزيد من التزامات العراق المالية على المدى الطويل، مما قد يحد من مرونة الميزانية في المستقبل.

3. جذب البنوك وتعزيز القطاع المصرفي:
من خلال عرض أسعار فائدة أعلى واستهداف البنوك المحلية، تحاول الحكومة العراقية جعل القطاع المصرفي يلعب دورًا أكثر نشاطًا في تمويل التنمية الوطنية. قد يكون لذلك تداعيات إيجابية على القطاع المصرفي العراقي، حيث يعزز الاستثمار ويزيد من مشاركته في النمو الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، قد يعرض هذا القطاع البنوك المحلية لمخاطر أكبر، حيث ستكون هذه البنوك ملتزمة بمزيد من ديون الحكومة في ميزانياتها. رغم أن السندات الحكومية عادة ما تعتبر قليلة المخاطر، إلا أن حالة عدم اليقين الاقتصادي في العراق قد تطرح تحديات للقطاع المصرفي.

4. النمو الاقتصادي وتطوير البنية التحتية:
خصصت الحكومة مبلغًا كبيرًا، قدره 100 مليار دولار، لتنمية البنية التحتية خلال السنوات الثلاث المقبلة. هذه الاستثمارات تعتبر حيوية لدفع النمو الاقتصادي طويل الأجل في العراق. مع تحسين البنية التحتية للطاقة والمياه والسياحة، يمكن أن يشهد العراق تنوعًا اقتصاديًا، مما يقلل من اعتماده على الإيرادات النفطية. علاوة على ذلك، فإن تحفيز البنية التحتية يهدف إلى خلق فرص عمل، جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز النمو في القطاعات الرئيسية. ومع ذلك، يعتمد تمويل هذه المشاريع الضخمة على نجاح إصدار السندات والقدرة على إدارة الأموال بشكل فعال.

5. الثقة العامة وبيئة الاستثمار:
بينما قد تجذب أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين المحليين، فإنها تثير أيضًا تساؤلات بشأن استدامة سياسة الحكومة المالية على المدى الطويل. إذا استمرت الحكومة في الاعتماد بشكل كبير على الاقتراض لتمويل مشاريعها، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الثقة في استقرار الدينار والاقتصاد بشكل عام. ولهذا، فإن نجاح إصدار السندات سيكون معتمدًا ليس فقط على العوائد الجذابة، بل أيضًا على ثقة الجمهور في قدرة الحكومة على إدارة ماليتها.

الخلاصة: توازن دقيق
قرار الحكومة العراقية باللجوء إلى اقتراض 3 تريليونات دينار من خلال السندات هو خطوة استراتيجية تهدف إلى معالجة العجز في الميزانية وتمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية. وتعتبر أسعار الفائدة المرتفعة في إصدار السندات الجديدة وسيلة لجذب البنوك، التي تلعب دورًا مركزيًا في تنمية الاقتصاد العراقي. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر، بما في ذلك الضغوط التضخمية، وزيادة عبء الديون، واستقرار النظام المالي للبلاد.

بينما يوفر إصدار السندات حلاً فوريًا لتحديات التمويل في العراق، فإنه يعكس أيضًا الصعوبات الاقتصادية الأساسية التي يواجهها البلد. اعتماده على صادرات النفط، تقلبات أسعار النفط، وعدم الاستقرار السياسي تعني أن الحكومة ستحتاج إلى إدارة سياستها المالية بعناية لتجنب الأزمات الاقتصادية المستقبلية. وفي الوقت الحالي، يمثل إصدار السندات خطوة ضرورية في جهود العراق لتحفيز النمو وتأمين الأموال اللازمة لأجندته الطموحة في البنية التحتية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاثستراتيجية