الوساطة الدولية والعربية، هل توقف الضربة العسكرية لإيران؟

الوساطة الدولية والعربية، هل توقف الضربة العسكرية لإيران؟

اياد العناز 

كانت مناسبة الاحتفال بعيد الفطر المبارك في العاصمة الإيرانية ( طهران) مختلفة عن باقي الاقطار العربية والدول الإسلامية، فلم يكن خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي يحتوي على عبارات التهنئة والتبريكات بقدر ما أسس على توجهات وخطوات لحكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لكيفية التعامل مع الشروط الأمريكية وإمكانية تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومعالجة الأزمات الداخلية ومنع ظهور أي فتن تثير المشاكل والمتاعب للنظام الإيراني ومؤسساته الأمنية والعسكرية، وترك للرئيس بزشكيان حرية التحرك والتصرف وفق معطيات تخدم المصالح العليا للسياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وإمكانية التوصل لحلول استراتيجية تفضي الى الحفاظ على بقاء النظام وقدرته على التكيف مع التطورات والأحداث التي تشهدها المنطقة.
فالادارة الأمريكية عازمة على التعامل الجدي مع جميع الفقرات التي وردت في رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة الإيرانية بالوصول إلى المفاوضات المباشرة وإيقاف العمل في البرنامج النووي الإيراني وبرامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وإلا فإن الضربات العسكرية ستكون هي المحرك الأساسي لتنفيذ الشروط الأمريكية، وأمام هذه التحديات تحركت القوات الامريكية فانتشرت من قاعدة غوام إلى منطقة الخليج العربي والبحر الابيض المتوسط والبحر الأحمر في تطويق لجميع المجالات البحرية والجوية والانتشار بالقرب من الأراضي الإيرانية.
ان الهدف الأساسي من الوجود العسكري الأمريكي وكثافته هو منع وصول إيران إلى امتلاك السلاح النووي والسيطرة على إمكانياتها الدفاعية ومنعها من استخدام قدرتها الصاروخية بعيدة المدى والتصدي لمشروعها السياسي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي بدعمها لميليشياتها وفصائلها المسلحة،والتي حددتها الإدارة الأمريكية في أشهر عديدة ومنها ما أكد على أن المدة تمتد من شهرين أو تنهي في أيلول 2025.
تحاول القيادات العسكرية الميدانية الإيرانية بتوجيه من المرشد الأعلى أن تثبت حسن مواقفها بإرسال عدد من الرسائل لواشنطن عبر قيامها بسحب العديد من مستشاريها وبعض من قياداتها الميدانية من الأراضي اليمنية وتوجيه الانظار إلى أن إيران بدأت بخطوة عملية في تفكيك علاقتها مع القوات العاملة مع الحوثيين وابتعادها عن دعم أذرعها الإقليمية في محاولة لاثبات ودعم ما تبقى لها من علاقات دولية وإقليمية لعلها تجد الملاذ الآمن في توخي الدقة والحذر والابتعاد عن الحرب ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد خطاب المرشد علي خامنئي في أول ايام عيد الفطر المبارك، توجه الرئيس مسعود بزشكيان إلى اعتماد سياسة الاتصالات السياسية مع روسيا باعتبارها الشريك والحليف الاستراتيجي لإيران وأنها الآن في مرحلة الحوار واللقاء المباشر مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، فارسل عدد من المسؤولين الإيرانيين إلى العاصمة موسكو لإجراء الاتصالات والحوارات مع القيادات السياسية والعسكرية الروسية وإمكانية تدخلهم لمنع أي ضغوطات أمريكية تجاه إيران وإيجاد حلول سلمية سياسية تبعد شبح الحرب المواجهة بين واشنطن وطهران، خاصة وان العلاقات الروسية الأمريكية تمر بمرحلة متوازنة لوضع حلول مناسبة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وجاء الرد على الزيارة الإيرانية من خلال حديث نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف
( من أن توجيه ضربات للبنية التحتية النووية الإيرانية ستكون له عواقب كارثية على المنطقة بأسرها، منتقدًا إنذارات ترمب لإيران واعتبرها غير لائقة ونندد بها).
وفي محاولة جادة من الرئيس الإيراني لادامة زخم الاتصالات السياسية، أجرى اتصالًا هاتفيًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لادراكه الأهمية السياسية التي تحظى بها القيادة السعودية وتأثيراتها الدولية والإقليمية في القرار السياسي، وأن بلاده في حاجة ماسة لمساعدة سعودية لتجنب الضربة العسكرية الأمريكية ومنع حالة العزلة السياسية التي يمر بها النظام الإيراني، والتي اوضحها بيان الرئاسة الإيرانية بعد الاتصال الهاتفي بين ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني باستعداد طهران للتفاعل والتفاوض من أجل حل بعض التوترات على أساس المصالح والاحترام المتبادل وأنها لا تبحث عن الحرب، مشيرة إلى الدور السعودي المؤثر والمتفاعل في الاستعداد للقيام بدور يساعد على حل أي توتر أو زعزعة للأمن في المنطقة.
أن الجانب الإيراني متابع لسياسة الرئيس ترامب ويعلم جيدًا أن إصرار إدارته على اعتماد مبدأ ( سياسة الضغوط القصوى) تجاه طهران وسلوك طريق المفاوضات والحوار الدبلوماسي بين الدولتين لاتفاق نووي جديد أو الذهاب لمواجهة عسكرية وشيكة بين الطرفين، وهي تدرك أن أدواتها أصبحت أقل فعالية في المنطقة العربية بعد الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية وسقوط النظام السوري وهروب رئيسه إلى روسيا وما حل بحزب الله اللبناني وغياب ومقتل قياداته السياسية والعسكرية، ولم تعد طهران تتحدث عن تأثيرها تواجدها في أربع عواصم عربية كما كان معظم مسؤوليتها يتحدثون عن وجودهم في ( اليمن وسوريا ولبنان والعراق).
وبغية إسناد الموقف الداخلي واظهار قوة النظام وامتناعه عن قبول الشروط والتهديدات الأمريكية والتعامل معها جاء حديث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حول الحوار المباشر مع الإدارة الأميركية بقوله ( أن المفاوضات المباشرة مع طرف هدد على الدوام باستخدام القوة خلافاً لميثاق الأمم المتحدة وعبر عن مواقف متناقضة، لا معنى لها)، وأضاف في بيان صادر عن وزارته (ما زلنا متمسكين بالدبلوماسية ومستعدين لنجرب مسار المفاوضات غير المباشرة).
أن النظام الإيراني يسعى إلى ضمانات سياسية لقائه، وهذا ما تعلمه الإدارة الأمريكية واعطت إشارة لهذه الضمانة في حالة تخلي إيران عن برنامجها النووي ومشروعها للصواريخ الباليستية دعمها للفصائل والمليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
ثوابت السياسة الإيرانية هي قبضة النظام والصبر الاستراتيجي واظهار المرونة لابقاء الدولة القومية الفارسية، وهذا ما يعني أن كل ما تفعله إيران هي التمسك بالحوار والمفاوضات التي في ظاهرها غير مباشرة لأنها لا تستطيع إقناع شعوبها بأن ما تتحدث عنه أنه الشيطان الأكبر أصبح معها على طاولة واحدة وأنها ابتعدت عن ثوابها وقيمها في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فهي تصرح بأنها تسعى لمفاوضات غير مباشرة ولا تقبل التهديد الموجه، وبدأت تخاطب الإيرانيين بأنهم سيكون الدرع الواقي لأي فتنة داخلية تعمل عليها القوى الدولية وسيتم مواجهتها، ولكنها في نفس الوقت من الصعب عليها أن تغادر ما كانت تحلم به من شرق أوسط إسلامي يكون بقيادتها ويمثل طموحها السياسي..
تبقى الأحداث متواترة والأيام مليئة بالمفاجأة والمتغيرات السياسية، وإيران تنتطر الوساطات الدولية والإقليمية من حلفائها في موسكو وبكين، وعينها الأكثر نظارة على الدور العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في إمكانية درء الخطر عنها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة