الخطاب الإيراني : مناورة سياسية أم فرض للارادة؟

الخطاب الإيراني : مناورة سياسية أم فرض للارادة؟

اياد العناز

تحدث المرشد الأعلى علي خامنئي في الاحتفالية التي أقيمت بتاريخ الرابع من حزيران 2025 لمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لوفاة الخميني عن الموقف الرسمي والسياسي الإيراني من المقترح الأمريكي الذي تقدم به ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب للتفاوض مع المسؤولين الإيرانيين حول البرنامج النووي والملفات السياسية والأمنية المتعلقة بطبيعة المشروع الإقليمي الإيراني، واعتبر المرشد الأعلى المقترح الأميركي يعارض المبدأ الثابت للنظام الإيراني القائم على نظرية ( نحن نستطيع) حيث تمتلك إيران دورة وقود نووي كاملة وأن تخصيب اليورانيوم هو مفتاح القضية النووية.
يأتي الحديث ليعطي دلالة قطعية عن الرفض الإيراني لما تقدمت به الإدارة الأمريكية وما يسعى إليه الرئيس ترامب من حلول وإجراءات لإيقاف عملية تخصيب اليورانيوم وارجاعها إلى نسب محددة واستخدامها لأغراض سلمية فقط، بعد المخاوف التي ابتدأتها الدوائر والمؤسسات الأمريكية والغربية من أن حجم المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب قد يمكن طهران من إنتاج سلاح نووي.
والاعلان الذي أُريد له أن يكون من أعلى سلطة سياسية تنفيذية في هيكلية النظام الإيراني حول الموقف الصريح من العرض الأمريكي الذي تضمن السماح لإيران بتخصيب محدود لليورانيوم بنسبة 3٪ مع تشكيل كونسورتيوم مشترك مع دول في منطقة الشرق الأوسط، إنما يمنح المفاوض الإيراني موقفًا سياسيًا واضحاً ودقيقًا لا يمكن له أن يغادره أو يتحدث دونه، وهو الرفض الكامل لما جاءت به الورقة الأمريكية التي ارسلت عبر وزير الخارجيه العُماني بدر البوسعيدي والتي عبرت عنها المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت وقبل حديث المرشد الأعلى بقولها ( أن ويتكوف قدم عرضًا مفصلًا وقابلاً للقبول للنظام الإيراني والرئيس ترامب يأمل أن يتم قبوله واذا لم يحدث فستكون هناك عواقب خطيرة).
أهمية الكلام الذي اطلقه المرشد الأعلى علي خامنئي أنه يأتي بعد انقضاء خمس جولات للتفاوض بين واشنطن وطهران كان أساسها موضوع نسب تخصيب اليورانيوم وضرورة مغادرة إيران لجميع المعايير والإجراءات التي تتيح لها زيادة التخصيب وخزن الطرود المركزية الفاعلة والتعامل مع المواد الانشطارية، وأنها كانت تنتظر تحديد موعد لعقد الجلسة السادسة لمناقشة المقترحات الأمريكية بتحديد نسب تخصيب اليورانيوم ووقف تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة مع تعطيل العمل في منشآتها النووية تحت الأرض، مع إجراء عملي يتضمن تطبيق رقابة دائمة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذ فوري للبروتوكول الإضافي، مقابل رفع للعقوبات بشكل تدريجي وبشرط تقديم الوكالة الدولية تقرير كامل عن التزام إيران ببنود الاتفاق وباشراف مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية،مع ملاحظة أن الجانب الأمريكي قد أشار إلى آخر تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يؤكد قيام إيران بخزن 408،6 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ منذ تاريخ 17 آيار 2025، وهو ما يعني زيادة تقارب 134 كغم أي نحو 50٪ مقارنة بما جاء بتقرير الوكالة الدولية في شباط 2025.
واعتبر خامنئي ما طرحته الإدارة الأميركية وتضمنه تقرير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه يتعارض 100٪ مع ( مبدأ سلطتنا، طهران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، التخصيب جزء رئيسي من برنامجنا النووي، والتقنية النووية تستخدم في العديد من المجالات وليس في مجال الطاقة فقط).
الهجوم الكبير و الواسع على المقترح الأمريكي كان واضحًا من خلال كلمات الرفض الشديد والامعان في توجيه عبارات قاسية بقوله ( ردنا على هراء أمريكا واضح، لا يستطيعون فعل أي شئ بهذا الخصوص)، وهي عودة لسياسة التعنت وإظهار القوة وعدم إعطاء الاستمرارية للحوار الدبلوماسي والإجراءات السياسية، وكان الرد الأمريكي واسعًا ومدركًا لغايات وأهداف الخطاب الإيراني عندما أعلن الرئيس ترامب على ( أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن صيغة صفر تخصيب)، مما يعني تصعيد في التوجهات الأمريكية وعودة للضغط باتجاه إقرار إيران للشروط الأمريكية.
ورغم الرفض العلني لما جاءت به ورقة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من قبل المرشد الأعلى، إلا أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرح بأن ( طهران ما تزال تدرس وترد على المقترح المكتوب الذي قدمه المفاوض الأمريكي عبر سلطنة عُمان)، وكذلك ما جاء بقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي من ( أن إيران لم تتلق بعد ضمانات كافية بشأن توقيت وكيفية رفع العقوبات وأن العرض الأمريكي لا يزال قيد الدراسة).
أصبح الوضع السياسي للمفاوضات الإيرانية قائم على مدى إمكانية إيجاد إجراءات ميدانية معالجات سياسية لما تضمنه حديث خامنئي والذي في أساسه كان يبغي منه ليس المواجهة المباشرة مع واشنطن وإنما العمل على رفع وتائر الحالة المعنوية لأبناء الشعوب الإيرانية واشعارهم بقوة وصلابة النظام وقدرته وإمكانيته في رفض الشروط والمقترحات الأمريكية والتي عبر عنها أنها تتعارض مع المنجزات الوطنية التي يجب الحفاظ عليها كونها تمثل الإرث التاريخي للإيرانيين، وقوله لإدارة الرئيس ترامب ( من أنتم لتقولوا لنا ما إذا كان علينا امتلاك برنامج نووي أم لا).
وسبق خطاب المرشد الأعلى في ذكرى وفاة الخميني، ان عقد اجتماع موسع مع فرق التفاوض بحضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، لوضع ملاحظات مبدئية على الورقة الأمريكية من بينها موافقة إيران على تأسيس كيان دولي إقليمي مشترك لتخصيب اليورانيوم، على أن يكون برنامج التخصيب في أراضيها، مع الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 كما جاء في اتفاق تموز 2015 ورفضها أي عملية تفكيك لمنشأتها النووية أو نقلها لمكان آخر، ورفض جميع البنود التي لا تتعلق بالملف النووي الإيراني الواردة في مقترح ويتكوف في تقديم ضمانات تتعلق بإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة والتعهد بايقاف الدعم السياسي والعسكري لجميع الفصائل والمليشيات المرتبطة بالحرس الثوري والمتعلقة بمشروعها السياسي الإقليمي.
ومع الرفض السياسي الإيراني للمقترح الأمريكي والذي تراه طهران يتعارض مع فهمها لمبدأ السيادة مع التحذير من المساس بموضوع تخصيب اليورانيوم، إلا أنها ستبقى منفتحة على الإستمرار بالمفاوضات وعقد جولاتها المتوالية والوصول لاتفاق نووي مستدام مع الولايات المتحدة الأمريكية والموافقة على انشاء اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم، لكي تحقق أهدافها وغاياتها من القبول بالمفاوضات في رفع العقوبات الاقتصادية عنها وإطلاق الأموال المجمدة وعودتها لدورها الإقليمي والدولي في سوق الطاقة وتعزيز بقاء نظامها السياسي.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة