استهداف الحرس الثوري الإيراني …تصعيد أمني وتأثير داخلي

استهداف الحرس الثوري الإيراني …تصعيد أمني وتأثير داخلي


اياد العناز

بعد عشرة أيام من الفعاليات العسكرية باستخدام الضربات الجوية والصاروخية بين إسرائيل وإيران، أخذت الأهداف الميدانية ملمحًا جديدًا واسلوبـًا واضحًا في تحديد مواقعها وأماكنها وطبيعة مهامها الاستخبارية والأمنية والعلمية ، وأصبحت ظاهرة للعيان مع الضربات المتوالية ونوعية الصواريخ المستخدمة ومدياتها وفعاليتها في الإصابة.
شملت الاصابات الميدانية ليوم الثالث والعشرين من حزيران 2025 العديد من مقرات الحرس الثوري في المدن والقصبات الإيرانية مع المواقع الرئيسية لقوات الباسيج التي تعتبر العمود الفقري لحماية النظام الإيراني ومؤسساته السياسية والامنية وتنفيذ مهامه الداخلية ومشروعه السياسي الإقليمي وامتداداته في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وامتدت الأهداف لتشمل مديريات ومراكز الشرطة التابعة لوزارة الداخلية الإيرانية، وهو ما يمكن أن يشكل عامل مهم في عملية التصعيد المواجه للعمق الإيراني ولادوات ووسائل السلطات الأمنية والتنفيذية المسؤولة عن تأمين الحماية الداخلية وتعزيز الوضع الأمني وسلامة المواطنين.
ان الانتقال من مرحلة ضرب واستهداف المنشآت النووية والمراكز الصناعية والبايولوجية وأماكن وتواجد القيادات السياسية والعسكرية والعلماء في المجالات الذرية والنووية والتقنية والمنظومات الدفاعية ومنصات إطلاق الصواريخ البالستية، إلى أهداف ميدانية ذات مهام استخباراتية وأمنية تتعلق بحماية أسس ومرتكزات النظام السياسي الإيراني والدفاع عن وجوده وتعزيز أواصر جبهته الداخلية، بما يؤدي إلى استمرار حالة التصعيد والمواجهة والتي اصبحت تأخذ فعاليتها في إطالة امدها وتأثيرها الإقليمي والدولي
بعد التخويل الذي منحه المرشد الأعلى علي خامنئي
بتفويض جزء من صلاحياته إلى المجلس الأعلى للحرس الثوري وأصبح القرار الفعلي في الميدان العسكري الإيراني في إدارة المواجهة مع إسرائيل بشكل مباشر من قبل القيادات الفاعلة في الحرس الثوري، وفي تطور يحمل الكثير من الدلالات حول أمد ومآلات التصعيد، كما يمنح دلالات لرفع المعنويات وزرع الأمل ويبعث بعديد من الرسائل المتباينة للداخل والخارج وأصبح لعناصر مقاتلي الحرس أهمية بالغة ومؤثرة في المواجهة المستمرة بين تل أبيب وطهران وبدأوا يشكلون الجانب المهم في تحديد الأهداف وضرب المواقع والاماكن الرئيسية في العمق الإسرائيلي وبدأ النشاط الإستخباري يأخذ مديات بعد ما وصل الحال الأمني في إيران مع بداية المواجهة إلى مستوى استخباري متدني في ظل الاختراق الفاضح الذي نقل الساحة الإيرانية بكل أسرارها إلى غرف القرار العسكري الأمريكي الإسرائيلي، و تساقط قيادات الصفين الأول والثاني على المستوى العسكري والعلمي داخل الدولة، الأمر الذي أحدث حالة من فقدان التوازن والارتباك المفاجئ الذي كان له ارتداده العكسي على إدارة المعركة، وبدأت القيادات الميدانية للحرس الثوري بإعداد الخطط والعمليات في حشد إمكانياته وتسخير أدواته وحلفائه في المناطق التي لا تزال تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري في العراق واليمن والجنوب اللبناني للاستعداد للرد على الهجوم الجوي والصاروخي الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية.
لهذه الأسباب سعت إسرائيل لاجهاض جميع المحاولات والإجراءات التي تنوي القيادات الفاعلة في الحرس الثوري تنفيذها، فاقدمت إلى عملية أشبه ما تكون بالعملية الأمنية الإسرائيلية التي استهدفت مقاتلي وأعضاء حزب الله اللبناني يومي 17-18 آيلول 2024 عبر انفجار آلاف أجهزة البيجر وأجهزة الراديو في حادثين منفصلين أدى إلى إصابة الآلاف ومقتل ما لا يقل عن 37 شخصاً، عندما استهدفت الطلعات الجوية والصواريخ الإسرائيلية مواقع واماكن ومراكز تواجد عناصر الحرس الثوري في العديد من المدن النواحي الإيرانية، وهي الخطوة التي تعكس الكثير من الدلالات والمؤشرات لتقويض فعالية الحرس الثوري وضرب قياداته وامكانياتها وافشال خطة ورغبة المرشد علي خامنئي في نقل المواجهة من العقول والقيادات الإيرانية ذات الفكر الديني السياسي إلى الديني المتشدد وابعاد الرئيس مسعود بزشكيان حكومته عن أي قرار ميداني يتعلق بالمواجهة مع إسرائيل.
ومعلوم يامتلاك الحرس الثوري قدرات دفاعية تتمثل بحيازته على صواريخ شهاب 1 و2 و3 (يصل مدى شهاب 3 إلى حوالي 3000 كلم) ولديه طائرات مسيرات متقدمة ومنظومات للدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، وفي تصريحات للمتحدث باسم الحرس الثوري أكد على استخدام الجيل الأول من صواريخ (فتاح) وهي صواريخ فرط صوتية، وردت القوة الصاروخية للحرس الثوري على مواقعها ولأول مرة باطلاق صاروخ (قدر إتش) متعدد الرؤوس الحربية، ينتمي لمجموعة شهاب 3 الباليستي القادر على حمل رأس نووي، وصاروخ قدر مجهز برأس حربي ممطر يحتوي على عدد كبير من القذائف ويصل مداه إلى 1800 كيلومتر.
وجاءت عمليات استهداف الدوائر والمراكز التابعة للشرطة الإيرانية المرتبطة بوزارة الداخلية، في مستهل سياسية جديدة وتوجه أمني ميداني تدعمه القوة العسكرية الإسرائيلية الممثله في الضربات الصاروخية والحرية التي طالت هذه الأماكن، في توجه واضح لزعزعة حالة الأمن في العاصمة طهران وباقي المدن الرئيسية وبعثرك الجهد الأمني التنفيذي في حماية الجبهة الداخلية الإيرانية وبث حالة من الخوف والهلع في نفوس المواطنين الإيرانيين، صاحبها عملية استهداف لسجن ايفيين الكبير الذي يعتبر من الأماكن التي تختزنها الذاكرة الإيرانية في عمليات الإعدام والقتل والاحتجاز والاعتقال المعارض النظام الإيراني وسياساته الداخلية والخارجية.
أن التنوع في تحديد الأهداف الميدانية يتماشى مع الاستراتيجية المتبعة في مسيرة المواجهات بين إسرائيل وإيران، والتي بدأت كما يتضح في اتباع المسار الثاني في إضعاف وسائل وأدوات النظام والتأثير عليه داخليًا ومحاولة تفكيك وافشال إجراءاته الأمنية وضرب مؤسسات العسكرية والأمنية وإضعاف قدرته على المطاولة في الحرب.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة