اياد العناز
كان لحديث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع عدد من رؤوساء الصحف الإيرانية يوم العاشر من آب 2025 تأثيرات داخلية عكست مواقف التيارات السياسية من المحافظين والقيادات العسكرية في فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، بعدما أشار إلى ضرورة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والجلوس لطاولة المفاوضات للوصول لحقيقة سياسية حول مجمل الخلافات القائمة بين طهران وواشنطن والاستماع بدقة إلى الرؤية الأمريكية لكيفية إيجاد قاعدة من التفاهمات المشتركة بما يخدم المصالح العليا للبلدين وتحديد مسارات العلاقة بينهما، وتم اعتبار مقترح الرئيس بزشكيان في التفاوض والحوار رسالة ضعف وخسارة للنظام الإيراني وانعطافة خطيرة في طبيعة فهم العلاقة مع الإدارة الأمريكية.
وجاء تصريح الرئيس الإيراني ردًا على سؤال من مدير تحرير جريدة كيهان حسين شريعتمداري، والذي اشتكى فيه من ميل الحكومة للتفاوض مع الولايات المتحدة وعدم اعتراض الرئيس على ذلك، فأوضح الرئيس بزشكيان (إذا لم نتفاوض، فماذا يجب أن نفعل؟ هل هناك طريق آخر غير الحرب؟ فالطرف الآخر يقول: إذا استأنفتم النشاط النووي، سنقصف مجدداً. قولوا أنتم ماذا نفعل)؟.
ومعلوم أن شريعتمداري من المتشددين والمنتمين لتيار المحافظين وممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في إدارة مؤسسة كيهان الاعلامية ورئيس تحرير صحيفة كيهان التي تصدر عنها.
وأكد الرئيس بزشكيان ضرورة تفاوض إيران مع الولايات المتحدة، وتحذيره من أن (بديل الحوار هو الحرب والمواجهات) ، الأمر الذي أدى إلى أن يواجه حملة شعواء وغضب عارم من قبل العديد من أعضاء مجلس النواب الإيراني والاحزاب السياسية القريبة من دائرة القرار السياسي والشخصيات الفاعلة بالقرب من المرشد الأعلى إضافة إلى معظم وسائل الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، في هجمة ممنهجة رافضة للتوجه السياسي الذي يلتزمه ويدافع عنه الرئيس الإيراني.
ورغم ما أعلنه مسعود بزشكيان وطمأن به شريعتمداري (بأن أي إجراء في السياسة الخارجية سيكون بالتنسيق الكامل مع المرشد علي خامنئي ولن تتخذ حكومته أي خطوة من دون إذنه)، إلا أن حسين شريعتمداري عاد وانتقد في افتتاحية جريدة كيهان بزشكيان وبعض المسؤولين، قائلاً 🙁 إن البعض وقع في فخ الثنائية المزيفة إما مفاوضات أو حرب) ومنتقدًا اختبار الرئيس لمستشاريه العاملين معه.
يسعى الرئيس بزشكيان من اقتراحه بالتفاوض إلى تحقيق الهدف الأساسي في بقاء النظام السياسي الإيراني والحفاظ عليه وأن أي توجه للحوار إنما يعني منع عملية إسقاط النظام والتأثير عليه داخليًا بعدما أعطت الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية الإسرائيلية صورة واضحة لضعف الاستراتيجية الإيرانية في الاعتماد على الحلفاء الدوليين والشركاء الإقليميين وما لحق من أضرار جسيمة بالقدرات الدفاعية الإيرانية، مع ادراكه الحقيقي لما يعانيه أبناء الشعوب الإيرانية التي خرجت من تحت الأنقاض وتخشى ما ستؤول إليه أوضاع البلاد مستقبلًا.
أن إيران ما بعد المواجهة العسكرية في الثالث عشر من حزيران 2025 الأخيرة لن تعود نفسها، والرئيس بزشكيان يلمح إلى الكف عن التخصيب لأن أميركا ستضرب المنشآت مجددًا، وهوبذلك يشير إلى ما أكد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في21 شباط 2025 بقوله سأضرب المنشآت النووية، وهو ما تحدث بهز بزشكيان لرؤوساء تحرير الصحف اذا أعدنا بناء المنشآت النووية سيضربها مجددًا..
هذه الرؤية الميدانية الواقعية والاستراتيجية السياسية التي ينطلق منها الفكر الذي يحمله الرئيس الإيراني لا تتوافق مع الرؤى التي يتمسك بها معظم اركان النظام الإيراني أو السائرين في فلكه، فالاستراتيجية التي يؤكد عليها حسين شريعتمداري والمتشددون في التيار الأصولي، هي نفسها استراتيجية (لا مفاوضات ولا حرب) ، التي أعلنها علي خامنئي عام 2018، بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي،
وكتب حميد رسائي النائب البرلماني المحافظ المتشدد على قناته على (تلغرام) قائلاً إن (السيد بزشكيان لا يمتلك الكفاءة السياسية لمنصب الرئاسة) ، مما يعني لزوم تنحيته عن منصبه من قبل البرلمان، وهذا تطور خطير في الميدان السياسي الداخلي الإيراني يوضح مدى اتساع شدة الخلافات والنزاعات بين تيارات المحافظين والمعتدلين والإصلاحيين في وقت تشهد إيران أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة وضعف في التوصل لحل المشاكل التي يعاني منها الإيرانيين وعدم القدرة على معالجة أزمة المياه وتوفير الخدمات ورفع مستوى الحالة المعيشية لهم، مع ما قد تكون عليه البلاد ما مواجهة عسكرية إسرائيلية قادمة.
ومع كل هذه الارهاصات الداخلية والخلافات السياسية إلا أنه يبدو أن القيادة الإيرانية قد اتخذت قرارًا بالعودة للتفاوض، ابتدأ من العدول عن استقبال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح لهم بدخول الأراضي الإيرانية وعقد اجتماعات موسعة معهم، وأن الهاجس الأساسي الإيراني يبحث عن كيفية إيجاد وسائل وأدوات للعودة لعملية التفاوض مع احتفاظ طهران بقدرتها على الحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي.
ينظر الرئيس بزشكيان إلى حقيقة أصبحت واضحة لمعظم المسؤولين الإيرانيين أن أي مواجهة قادمة سوف لا تحمل لبلده إلا الخراب ومزيدًا من الخسائر المادية والمعنوية وضياع قدراتهم الدفاعية والصاروخية، وأن اعتماد سياسية الممانعة وإظهار القوة والتسويف سيؤدي إلى أبعاد إيران عن أي تسويات سياسية ومتغيرات ميدانية تشهدها منطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
