إيران… بين البقاء السياسي والاستهداف العسكري

إيران… بين البقاء السياسي والاستهداف العسكري

اياد العناز 

وجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة إلى مسؤولة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، تتعلق بالتطورات الأخيرة بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران واستعراض اهم توجهات القيادة الإيرانية وبيان موقفها وما ستؤول إليه نتائج العلاقة مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومستجدات الحوارات مع دول الترويكا ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)،
وأقر الوزير عراقجي استعداد إيران لاستئناف المفاوضات بصيغة الحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي للوصول إلى نتائج عادلة تفضي لاتفاق نووي جديد.
وجاءت الرسالة بعد القرار الأوربي الذي اتخذته دول الترويكا بتاريخ 28 آب 2025 بالعمل نحو إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران واعتماد ثلاثين يومـًا هي الفترة الزمنية التي تسبق اعلان إعادة العقوبات بسبب عدم التزامها بالبنود والمقررات التي وردت باتفاقية العمل الشاملة المشتركة في 15تموز 2015 المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وذكرت الدول الثلاث ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في الرسالة التي أرسلتها إلى مجلس الأمن الدولي أنها لا زالت ملتزمة باتباع جميع الأدوات والوسائل الدبلوماسية لمنع ايران من أي نشاط نووي وتطوير لإنتاج سلاح أو قنبلة نووية، واعتماد سياسية ضغط الزناد مع المحافظة على استمرار المسار الدبلوماسي في الحوار مع إيران، وهو ما لاقى اهتمامًا بارزًا من قبل منظمة الأمم المتحدة للعمل باتجاه اعداد صيغ ووسائط فاعلة تتيح اقرار مسودة لاتفاق جديد وملائم لجميع الأطراف يخص البرنامج النووي الإيراني قبل الإقرار الأممي بتفعيل العقوبات الاقتصادية مرة أخرى تجاه إيران.
واذا ما اقرت العقوبات فإن ستؤدي إلى حالة من التوتر الشديد وإمكانية العودة إلى اتباع الأسلوب العسكري والمسار الهجومي في إقرار الصيغ والشروط التي تراها الدول الأوربية الموقعة على اتفاقية العمل الشاملة المشتركة وعودة العمل بالقرارات التي سبق وأن اعتمدها مجلس الأمن الدولي وتشمل حظر استيراد الأسلحة من قبل إيران ومنع أي تعاملات دولية واقليمية بخصوص تصدير ونقل أي نوع من الأسلحة والمعادن المتطورة الخاصة بجميع صنوف الجيش الإيراني البرية والجوية والبحرية ومنع تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم وتقييد الأنشطة الخاصة ببرنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وحظر نقل التكنولوجيا والدعم الفني المتعلق بها، وإعادة تجميد أصول أموال إيرانية محددة وفرض قيود سفر على أفراد وكيانات ايرانية، وسبق لمجلس الأمن وان صادق على الاتفاق النووي في تموز 2015 والذي أعطى صلاحية لأطراف الاتفاق النووي بتفعيل خاصية ( سناب باك) في إطار عملية تستغرق (30) يومًا وتنهي صلاحية في 18 تشرين الأول 2025، وهو ما تخشاه إيران وتسعى إلى تفاديه والتغلب على إيقافه أو تأجيله وإيجاد حلول ومسارات جديدة للتعامل مع الدول الأوربية وتفادي العقوبات الاقتصادية.
ساهمت المعلومات التي أعلنها معهد العلوم والأمن الدولي حول قيام إيران بتنظيف موقع نووي في شمال إيران وإزالة المباني المتضررة التي إصابته ، والذي كان ضمن الأهداف التي طالتها الضربات الجوية الإسرائيلية في 13 حزيران 2025، إن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عودة مفتشيها لاستئناف اعمالهم في خضم الأحداث والإجراءات المستمرة بتجديد العقوبات الاقتصادية وتفعيلها لعدم تعاون طهران مع الوكالة الدولية وعدم استجابتها لأسئلة المفتشين والسماح لهم بزيارة المواقع والاماكن ذات الأنشطة النووية، وأقر ممثلو دول الترويكا ان إيران لازالت تقوم بإنتاج اليورانيوم المخصب وأنها تمانع وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشأتها النووية وعليها أن تعمل على التعامل واقرار استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية للتوصل لاتفاق شامل، وهناك ثوابت قائمة بمنع إيران من امتلاك أي سلاح نووي ولازلت هناك فرصة لعمل دبلوماسي تقبل به إيران شروط الإدارة الأمريكية ودول الترويكا.
وتتميز آلية ضغط الزناد ( سناب باك) أنها تفرض إعادة العقوبات الدولية بشكل تلقائي في حال ثبوت انتهاك إيران الشروط اتفاقية العمل الشاملة المشتركة من دون الحاجة إلى تصويت مجلس الأمن، تفاديًا لاحتمال استخدام الصين وروسيا حق النقض ( الفيتو)، وهنا على إيران أن تنظر بشكل واقعي لأهدافها وغاياتها في رفع العقوبات الاقتصادية عنها وإطلاق ارصدتها المالية المجمدة، وأن تلتزم بما أقرته دول الترويكا ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بضرورة السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالبحث والتفتيش عن 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والذي اذا ما تم زيادة تخصيبه إلى 90٪ فان إيران ستكون لديها القدرة على إنتاج تسعة قنابل ذرية، ثم الموافقة على حضور الجلسة السادسة من المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة الحوار والفعل الدبلوماسي بين الدولتين، مع إعطاء فسحة كبيرة في الوصول لنتائج إيجابية في الحوار الإيراني الأوربي وإعطاء أهمية للمبادرات الأوربية، ثم العمل على إيقاف أي نشاطات تتعلق بتطوير البرنامج النووي الإيراني وتخفيض التصعيد بشأن تخصيب اليورانيوم والتحقق منه من قبل أعضاء ومفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ورغم الترحيب الذي ابدته الإدارة الأمريكية بقرار ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) إلا أن ( ماركو روبيو) وزير الخارجية الأميركي أكد استعداد واشنطن (لإجراء محادثات مباشرة مع طهران من اجل التوصل إلى حل دائم وسلمي للقضية النووية الإيرانية)،وهو الرأي والتوجه والمسار الذي تراه دول الترويكا إذا ما وافقت إيران على مناقشة شروطها واتبعت سياسة القبول والتعاون وابتعدت عن سياسة التسويف واطالة الوقت، لكي يتم تمديد فترة استخدام آلية الزناد حتى ربيع 2026، وهو ما يشكل فرصة ذهبية للقيادة الإيرانية لإعادة ترتيب أوضاعها والحفاظ على نظامها ومنع أي عملية عسكرية قادمة من إسرائيل والتوجه لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، وفي المقابل تقدم إيران شروطها في قبول الحوار والتفاوض بتقديم ضمانة من الولايات المتحدة الأمريكية بعدم استهداف وجودها ومنع أي عملية ومواجهة عسكرية إسرائيلية قادمة والوصول إلى قواسم مشتركة بخصوص تخصيب اليورانيوم في الداخل الإيراني وإعطاء مساحة واضحة في تحديد موعد ثابت ومحدد لرفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة والسماح لها بالعودة إلى سوق الطاقة العالمي، وهي ما تحاول إيران الحصول عليه بقبول التفاوض وإعادة الحوار مع الإدارة الأميركية ودول الترويكا الأوربية.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة