إيران.. بين المرونة السياسية والعزلة الدولية

إيران.. بين المرونة السياسية والعزلة الدولية

اياد العناز 

بتاريخ 23 أيلول 2025 بث التلفزيون الإيراني ووسائل الإعلام المرئية رسالة مسجلة للمرشد الأعلى علي خامنئي تحدث فيها عن علاقة إيران بالولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأشار إلى تمسك طهران بعمليات تخصيب اليورانيوم ورفض جميع المبادرات والمقترحات الخاصة بالحوار المتبادل وعدم الاستسلام للضغوط الدولية والإقليمية موضحًا أن ( المفاوضات مع أمريكا وصلت إلى طريق مسدود، وأن أي مفاوضات قادمة سيترتب عليها أضرار على البلاد ولن تجدي نفعاً بكل تأكيد).
أن الموقف الإيراني الذي يتبناه المرشد الأعلى يأتي في سياق القرار الأممي الذي اتخذته مجلس الأمن الدولي باعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية على إيران بعد التقرير الذي قدمته دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وأكدت فيه عدم التزام طهران ببنود اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في تموز 2015 الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وقيامها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ واتساع حجم الخزن العددي للطرود المركزية والاحتفاظ بالماء الثقيل وتعزيز القدرات النووية والذي يخالف ما اتفق عليه من تحديد نسبة تخصيب اليورانيوم ب 3،67٪ والابتعاد عن أي نشاطات نورية تؤدي إلى إنتاج أسلحة نووية وقنابل ذرية.
ورغم تأكيد المرشد الأعلى على أن إيران ( لاتحتاج إلى أسلحة نووية ولا تعتزم إنتاجها ولكنها لا تستسلم للضغوط المتعلقة بتخصيب اليورانيوم)، ولكن جميع الإجراءات الإيرانية وتوجهات المسؤولين الإيرانيين تتحدث عن ضرورة تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، والكلام جاء بعد ساعتين من خطاب الرئيس، الأمريكي دونالد ترامب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقوله ( أنه لا يمكن السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية، ولا يمكن السماح للراعي الأول للإرهاب في العالم بامتلاك أخطر سلاح في العالم).
تزامنت المناكفات الرسمية والتصريحات السياسية الأمريكية الإيرانية مع إطلاق دول الترويكا الأوروبية عملية مدتها 30 يومًا لمعاودة فرض العقوبات الدولية على إيران، ووضعت ثلاثة شروط لتمديد تخفيف العقوبات باستئناف المفاوضات المباشرة وغير المشروطة ووصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل للمواقع النووية الإيرانية والحصول على معلومات دقيقة عن مواقع المواد المخصبة.
ورغم الرسالة المتلفزة لخامنئي التي تكلم فيها عن عدم وجود أي فائدة للتفاوض مع الإدارة الأميركية، وأنها تعمل على مطالبة إيران بوقف برنامج الصواريخ البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدى، إلا أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي التقى مع وزراء خارجية دول ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في نيويورك بتاريخ 23 أيلول 2025، بعد تصويت مجلس الأمن الدولي لصالح إعادة العقوبات الاقتصادية على إيران،
وحدد الوزراء الأوربيين نهاية يوم السبت الموافق 27 أيلول موعدًا نهائيًا للموافقة على الشروط الأوربية وتجنب إعادة فرض العقوبات الأممية التي تم تعليقها بموجب الاتفاق الموقع في تموز 2015.
يتوافق الجانب الأوربي مع الرؤية الأمريكية باستخدام سياسية الضغط الأقصى للتعامل مع إيران ومنعها من أي نشاطات نووية والاستجابة لمتطلبات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما أكده وزير الخارجية الألماني (يوهان فاديفول) من أن (فرص التوصل إلى حل دبلوماسي في النزاع النووي مع إيران باتت شبه معدومة، وأن إعادة فرض العقوبات الدولية باتت وشيكة
وأن منع إيران من امتلاك سلاح نووي يبقى هدفاً غير قابل للنقاش، وننتظر خطوات ملموسة وموثوقة وقابلة للتحقق تثبت خلالها إيران تخليها الدائم عن السعي لامتلاك السلاح النووية).
ويعلم المسؤولين الإيرانيين أن آلية فرض العقوبات ستؤدي إلى حظر على الأسلحة وتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته ومنع جميع الأنشطة الخاصة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية وفرض عقوبات على كيانات وأشخاص مسؤولين إيرانيين ومنع أي تعاملات مالية مصرفية لأصول إيرانية مع دول العالم وتشديد كامل على عمليات تصدير الطاقة من النفط والغاز الإيراني ومنع أي جهة من التعامل مع إيران وإلا يتسبب ذلك في معاقبتها دوليًا، وهذا سيؤدي إلى ركود اقتصادي وقطع الاتصال بالنظام المصرفي العالمي ( سويفت) وإيقاف جميع التعاملات المالية للتجار وأصحاب الأعمال وستغلق المصانع، ومع انخفاض صادرات النفط سترتفع أسعار المواد الغذائية وستفقد العملة المحلية قيمتها أكثر وستتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها النظام السياسي.
ايران الأن أمام حالة من القلق والتوتر ولكنها ستعمل على استخدام المناورة السياسية واعتماد البراغماتية اسلوب في الحوار الدبلوماسي والتقرب للغرب إذا ما أحست أن بقاء نظامها السياسي مهدد وستتعامل مع واقع الحال، وهي تدرك أن لس أمامها إلا ايام معدودة، بحلول 28 أيلول 2025 سيعاد العمل بالعقوبات الاقتصادية وفق خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا إذا قدمت إيران ما تقتنع به دول الترويكا والاتحاد الأوروبي بالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
سارعت الجهات الإيرانية باتخاذ عدة إجراءات واعتماد التهديد وإظهار القوة سياسية ميدانية في التعامل مع القرار الأممي وهي تكاد لا تخلو من خطابات شعبوية موجهة للداخل الإيراني، فأعلان المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني أن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتم تعليقه فعليًا في حال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وهذه الخطابات تؤثر على مصداقية الخطاب السياسي والحوار الدبلوماسي الذي تستمع إليه أوروبا وامريكا، فقد أثار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أثناء لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 22 أيلول 2025 إلى التهديدات التي تسببها الصواريخ البالستية الإيرانية، وكان الرد الإيراني على لسان علي لاريجاني رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي بأن ( طهران لا تزال منفتحة على المحادثات النووية مع واشنطن) لكنه رفض اي محاولة للحديث عن برنامج الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية.
وأمام هذه التطورات السياسية، يأتي موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر لسان رئيسها رافائيل غروسي بالقول (أن الوكالة الدولية استأنفت عمليات تفتيش المنشآت النووية لكنها لم تحصل على إذن للوصول إلى مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وأن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90٪ مسألة أسابيع وليس أشهر أو سنوات، وأن إيران لا تزال تمتلك القدرة على تطوير برنامجها النووي وأنها لا تزال تمتلك الوسائل اللازمة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي الضرورية لتخصيب مخزونها من اليورانيوم، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة التايمز البريطانية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من أيلول 2025.
أن عدم تجاوب إيران مع ما قررته دول الترويكا وما أعلنه رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ستكون أثاره ونتائجه أوسع تأثيرًا من العمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية بل هي استكمالًا لها، كما أن عودة العقوبات الأممية يعني تنفيذها من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنها الصين وروسيا الشركاء والحلفاء الرئيسين لإيران، وإلا فإنها ستواجه عقوبات قانونية.
أمام إيران حالتين أما التوجه نحو قبول الشروط الأوربية والتعامل معها برؤية استراتيجية وبنظرة من العقل والحكمة واعتماد اسلوب الدبلوماسية والحوار السياسي للوصول إلى الهدف الأساسي، وإلا فإن الإيرانيين سيغادرون مقر الأمم المتحدة محملين بعديد من العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية الدولية والإقليمية.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة