الباحثة شذا خليل
في السنوات الأخيرة، تحوّل تأمين مخاطر الحرب من منتج هامشي في قطاع التأمين إلى سوق يتجاوز حجمه مليار دولار سنوياً. هذا النمو ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لتصاعد الصراعات في العالم، من الحرب الروسية–الأوكرانية إلى التوترات في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
ما هو تأمين مخاطر الحرب؟
يختلف هذا النوع من التأمين عن الوثائق التقليدية لأنه يغطي الأضرار الناتجة عن الحروب، الإرهاب، التخريب، أو أعمال الشغب، وهي مخاطر عادة ما تستثنيها شركات التأمين العادية. الأفراد في مناطق النزاع يمكنهم استخدامه لحماية منازلهم أو سياراتهم، بينما تعتمد عليه الشركات الكبرى لحماية موظفيها ومرافقها وسلاسل توريدها.
تكلفة عالية في مناطق النزاع
الأقساط تختلف بشكل كبير حسب درجة المخاطر. ففي دول مثل لبنان أو أوكرانيا، قد تصل التكلفة إلى ما بين 0.5% و2% من قيمة التأمين، بينما في مناطق مستقرة نسبياً مثل بعض دول الخليج، يمكن أن تنخفض إلى 0.025% فقط. هذا الفارق يعكس مدى حساسية السوق للتطورات الجيوسياسية.
أهمية اقتصادية متزايدة
نمو القطاع المالي: لندن اليوم هي المركز العالمي لتأمين مخاطر الحرب، وتستحوذ على نحو 80% من السوق. هذا النمو يعزز مكانة قطاع التأمين كجزء من الاقتصاد العالمي.
استقرار الأعمال: بفضل هذا التأمين، تستطيع الشركات الاستمرار في العمل في مناطق النزاع، ما يضمن استمرار سلاسل الإمداد العالمية وعدم توقف التجارة بشكل كامل.
زيادة التكاليف: لكن الجانب الآخر يتمثل في ارتفاع التكاليف التشغيلية للشركات. شركات الشحن مثلاً، عندما تمر عبر البحر الأحمر أو مضيق هرمز، تتحمل أقساط تأمين مرتفعة تنعكس في النهاية على أسعار النفط، الغذاء، والسلع المصنعة، ما يساهم في التضخم العالمي.
أثر على الأعمال الصغيرة: حتى وإن لم يشترِ أصحاب المتاجر الصغيرة هذا التأمين، إلا أنهم يتأثرون به بشكل غير مباشر عبر ارتفاع تكاليف الاستيراد والطاقة وتأخر وصول البضائع.
فجوة في القدرة على الصمود
بينما تستطيع الشركات متعددة الجنسيات امتصاص كلفة هذه التغطية التأمينية، يظل الأفراد والشركات الصغيرة في مناطق النزاع أقل قدرة على الحصول على الحماية. هذا يعكس فجوة في العدالة الاقتصادية ويؤكد أن آثار النزاعات لا توزع بالتساوي.
الخلاصة
يمثل تأمين مخاطر الحرب أداة مزدوجة الأثر: فهو من جهة يمنح الاقتصاد العالمي صمام أمان يساعد على استمرار التجارة والاستثمار، لكنه من جهة أخرى يزيد الضغوط التضخمية عبر ارتفاع تكاليف الشحن والطاقة. ومع استمرار النزاعات، يبدو أن هذا القطاع سيظل في توسع مستمر، ليصبح واحداً من أبرز مظاهر الاقتصاد في زمن الاضطراب
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاقتصادية
