اياد العناز
تتأخذ القيادة الإيرانية استراتيجية ثابتة في تمسكها بمشروعها السياسي الإقليمي القائم على أسس ومرتكزات تتحدد في اعتمادها على شركائها وحلفائها من الفصائل والمليشيات المسلحة التي تتلقى الدعم والمساندة من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني لتنفيذ التوجهات وتحقيق الغايات المتعلقة بأهدافها وطبيعة مسار سيطرتها وأحكام نفوذها على عواصم الدول التي تتواجد فيها، وهذا ما يمكن أن نلمسه في العراق واليمن ولبنان ومن قبلها في سوريا، وسعت إيران عبر توغلها في الواقع الميداني واستخدام تأثيراتها المذهبية بالتمدد والتأثير على القرار السياسي الذي يمثل أبجدية المشهد العام في تلك الدول، واتسعت أغراضها في إعطاء مساحة كبيرة في المشاركة السياسية والدخول إلى مجالس النواب عبر تشكيل كتل واحزاب سياسية تحظى بدعم وتأييد من قبل القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري الإيراني، وهي محاولة لاعطاء شرعية نيابية وتحصين لمسؤولي المليشيات والفصائل المسلحة والعاملين فيها واعتماد صيغ الترهيب والترغيب في إعداد قوائم الانتخابات للعاملين في هذه الفصائل وتحديد المرشحين منهم واستخدام الإغراء المالي والدعم الأمني والترهيب الفكري في السعي للتأثير على الناخبين في المناطق والاماكن التي تقع تحت سيطرة وعمل وحركة المليشيات ووجود عناصرها وتمركزهم فيها.
ثم هناك العامل المهم في رسم ملامح الاستراتيجية الإيرانية بتفعيل النشاطات النووية عبر توسيع دائرة الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني وإعطاء فسحة واسعة لدعم الابتكارات العلمية والعملية وتصعيد وتائر الاهتمام بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزين الطرود المركزية واعتماد صيغ فاعلة في الحفاظ على المواد الداخلة في صناعة وتركيب المعدات الخاصة بتطوير وتقدم البرنامج النووي بكل حاجياته ومستلزمات ادامته، ليحقق لإيران غايتها في اضفاء مكانة ميدانية مؤثرة وحالة ردع مماثلة في أي مواجهات عسكرية أو حوارات ومفاوضات تتعلق بطبيعة وسير الفعاليات المتعلقة بالبرنامج النووي، وسعت إيران إلى زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم حتى وصلت إلى 60٪ وعملت حثيثًا على تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتدوير غاز سداسي فلوريد اليورانيوم بسرعات عالية لفصل نظائر اليورانيوم لزيادة تركيز اليورانيوم 235، مع استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة مثل 2m-IR و 6-IR، ووسعت من عملية امتلاك 22 ألف جهاز طرد مركزي وهي الآلآت التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم والوصول إلى امتلاك 400 كغم منه، وهذه التطورات العملية والنشاطات النووية ترى فيها إيران أداة مهمة في دعم حالة الردع.
ثم كانت عملية التطوير الاستراتيجي في إنتاج الصواريخ الباليستية، ومن أهمها الصواريخ البالستية الإيرانية الحديثة صاروخ (فتاح 2) الفرط صوتي، وصاروخ (خيبر شكن) متوسط المدى الذي يعمل بالوقود الصلب ويتسم بالمرونة والمناورة العالية، وصاروخ (عماد) الذي يمكنه حمل رؤوس حربية نووية، بالإضافة إلى صواريخ (قدر) متوسطة المدى التي يمكنها ضرب أهداف في العمق الإستراتيجي. وهناك صواريخ أخرى مثل (خرمشهر) و(قاسم سليماني) وتصل في مداها إلى آلاف الكيلومترات،
وتتنوع الصواريخ الإيرانية بين أنواع تعمل بالوقود السائل والصلب، وبقدرات متفاوتة المدى.
والعديد من هذه الصواريخ مصممة لتحمل رؤوسًا حربية تقليدية أو نووية محتملة، وتستفيد بعض الصواريخ من تقنيات المناورة وتغيير المسار مما يجعل اعتراضها أصعب،
وتحتوي الترسانة الإيرانية على صواريخ ذات قدرات تكتيكية واستراتيجية تستهدف أهدافًا في العمق الإستراتيجي وتغطي مناطق واسعة تشمل الشرق الأوسط وأجزاء من أوروبا.
وتسعى إيران ضمن استراتيجيتها العسكرية إلى تنوع صناعتها الحربية محققة نتائج عالية في تصنيع وإنتاج الطائرات المسيرة واستخدمتها في فعالياتها الداخلية وأهدافها الخارجية، ومن انواعها ( كرار، شاهد 129، فطرس، مهاجر 6، سيمرغ، كمان 22، غزة) وطائرات شاهد 136 الهجومية وطائرات الاستطلاع شاهد 129 ومهاجر 6، واستخدمت انواع منها في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل في 13 حزيران 2025، والبعض منها تم تزويد الجيش الروسي به في حربه المستمرة مع أوكرانيا، وشكلت حضورًا ميدانيًا في المعارك بين القوات الروسية الأوكرانية.
وتحاول إيران العمل باطر دبلوماسية باتجاه رفع العقوبات الاقتصادية عنها واعادت فعالية دورها في سوق الطاقة العالمية وتعزيز حضورها في منظمة اوبك للدول المصدرة للنفظ وإمكانية تطوير البنية التحتية للمشاريع النفطية وحضور الشركات العالمية للاستثمار والتنقيب بما يزيد من حصتها الإنتاجية التي تسعى للعودة بها إلى 6 مليون برميل يوميًا، مع زيادة حجم التبادل التجاري مع بلدان العالم واستثمار الغاز الطبيعي في تعزيز قدرتها الاقتصادية ورفع مداخيل مواردها المالية لمواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها وإيجاد الحلول الجذرية معالجتها، بتوفر الغاز الطبيعي بحقول عديدة في إيران وبكميات تجارية، ومنها حقل غاز مشترك بين قطر وإيران حقل بارس الجنوبي ، ويعد هذا الحقل البحري أكبر حقل غازي في العالم، تقدر كمية الغاز فيه بـ1800 تريليون قدم مكعب، وفقا لبيانات منظمة الطاقة الدولية (IEA)، ويمكن لهذا الحقل إذا تحسنت الأوضاع الأمنية والسياسية ورفعت العقوبات عن إيران أن يكون مصدرًا مهمًا لرفع الطاقة الإنتاجية والتصديرية لها.
تأمل الحكومة الإيرانية إذا ما تم رفع العقوبات وزوال الحصار الاقتصادي عنها بالاستفادة من الطاقات الكامنة في قطاع النفط وعقد شراكات مع شركات عالمية سبق لها العمل في إيران، إذ يمكن لإيران أن تنتج أكثر من 6 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، كما أنها تملك قدرات لإنتاج الغاز الطبيعي وقدرتها على إنتاج مصافي التكرير، وهي خطوات تتيح لإيران تعزيز قدراتها الإنتاجية وتحقق لها فرص تصديرية واسعة، حيث لم يتخط سقف التصدير 1,7 مليون برميل في اليوم منذ بداية عام 2025 بسبب العقوبات الأميركية.
تعمل إيران اليوم على الحفاظ والتمسك بثوابتها الاستراتيجية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وهي تدرك حقيقة العقبات الكبيرة التي تواجهها والضغوط القاسية التي تعيشها وما تنتج عنه الأوضاع القائمة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي من توترات إقليمية ونزاعات مستمرة، وهي تحاول معالجة أوضاعها عبر الحوار والتفاوض مع الدول الأوربية أو الاتصالات الجانبية عبر وسطاء عرب وغربيين مع الولايات المتحدة الأمريكية للبقاء على نظامها السياسي والحفاظ على دورها وتأثيرها الإقليمي، وهي تعلم جيدًا أن في زمن الأزمات لا يقاس ثقل الدول بما تمتلكه من سلاح أو تحالفات بل ما تبثه من طمأنينة وهدوء واستقرار داخلي وعلاقات وصداقة دائمة مع دول العالم، وتحاول الخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية التي امتدت لعقود من الزمن والابتعاد عن الحصار السياسي والضغط العسكري الذي تعانيه، وتحاول إقناع بعض التيارات السياسية في هيكلية الحكم باعتماد السياسة الحكيمة للتوازن بين الأهداف والوسائل والقدرة على اغتنام الفرص السياسية والمبادرات الدبلوماسية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
