اياد العناز
قراءة في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الموقف الإيراني من اتفاق غزة، وما أعلنه عن نوايا طهران في العمل من أجل السلام، يوضح حقيقة السياسية البراغماتية التي تتبعها القيادة الإيرانية في التعامل الدبلوماسي والحوار السياسي مع الولايات المتحدة والدول الأوربية، بعد قرار مجلس الأمن الدولي بإعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية وما بينته دول الترويكا ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من عدم التزام إيران بما تم الاتفاق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في تموز 2015، والقناعة الراسخة بأن الدبلوماسية الإيران أصبحت في مرحلة دقيقة من العزلة السياسية الإقليمية والدولية وضرورة إيجاد خطوات ووسائل فاعلة لإعادة إيران إلى بداية المفاوضات والعمل على خطوات ميدانية لرفع العقوبات.
أن تلميح الرئيس ترامب عن إمكانية أن تكون إيران جزءًا من عملية السلام في الشرق الأوسط في لقائه مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية، يؤكد طبيعة المسار الذي بدأت تتعامل معه إيران في إدراكها للمتغيرات السياسية والميدانية القادمة في الشرق الأوسط، وكان واضحًا ما أعلنته في تأييد موقف حركة حماس من الاتفاق المعلن بخصوص وقف القتال في قطاع غزة والتعامل المباشر مع مبادرة الرئيس دونالد ترامب، حيث أقرت القيادة الإيرانية خيار حماس في التفاوض والحل السلمي ودعم لجميع الإجراءات التي أقدمت عليها الحركة ولأي قرار يؤدي الي وقف القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
أن التجاوب الإيراني مع السياسية الدولية حول الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، إنما يأتي في سياق الفهم الذي تريد إيران ايصاله للإدارة الأمريكية عن اقراها وإدراكها للمرحلة الحالية في إيجاد قواسم مشتركة من التعامل معها وسعيًا لرسم ملامح بداية جديدة لعلاقة مستقبلية تؤدي إلى إعادة النظر بتمديد العقوبات والاستماع لوجهات النظر الإيرانية المتعلقة بإيجاد مخرج سياسي يسمح بالعودة للمفاوضات المباشرة، مع توضيح للموقف الرسمي الذي أعلنه المرشد الأعلى علي خامنئي في حق إيران بالتخصيب على أرضها وكيفية التعامل مع برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة باعتبارها مسألة مهمة تتعلق بالأمن القومي الإيراني.
القيادة الإيرانية لا ترغب في العودة إلى مواجهة أخرى مع إسرائيل ولا يمكن لها أن تستوعب إمكانية أحداث أضرار جسيمة وخسائر كبيرة في البنية التحتية لمواقعها العسكرية ونشاطاتها النووية، كما أنها قد لا تضمن مواصلة الموقف الشعبي الإيراني المساند لها وقدرته على تحمل تبعيات أي هجوم عسكري إسرائيلي جديد.
ولكن تبقى الهواجس الإيرانية قائمة من أي تحرك باتجاه إعادة الاتصال والحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية ومواقف التشكيك السياسي في عدم قيام واشنطن بأي عمل عسكري مماثل كما حدث في حزيزان 2025، وهو الموقف الذي بدأ الجناح المتشدد من تيار المحافظين في هيكلية النظام السياسي الإيراني يتحدث عنه، في المقابل يرى الجانب الثاني من المعتدلين الإصلاحيين إمكانية إيجاد مسار سياسي تفاوضي يبعد إيران عن المسار العسكري الذي سيحصل اذا لم تلتزم إيران بقرار مجلس الأمن الدولي بعد تفعيل سياسة ضغط الزناد وضرورة الإفصاح عن خزينها من تخصيب اليورانيوم ومعرفة أين تتواجد 400 كغم منه بعد الضربات الأمريكية على المواقع والمنشأت النووية في ( نطنز وفوردو وأصفهان) وعودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها للعمل على الأراضي الإيرانية مع بدأ الحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ومناقشة التطور التقني في برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
تدرك إيران أن الموقف الدولي الأوربي، أصبح لا خيار لهم إلا بتنفيذ العقوبات ولكنهم منحوا إيران مجالًا للعودة للحل السلمي التفاوضي بالتوافق مع النظرة الأمريكية بإمكانية استخدام الخيار الدبلوماسي حلاً للعلاقة مع إيران، وهو ما أشار إليه الرئيس ترامب بإمكانية مشاركة إيران في مراحل السلام القادم في الشرق الأوسط.
العقلية السياسية المسيطرة على طبيعة النظام الإيراني وصانع القرار ترى أن هناك استهداف لبقاء وديمومة النظام، ومعلوم أن أولى ثوابت العقيدة الإيرانية الحفاظ على بقاء النظام وعدم التفريط به واستخدام جميع الإمكانيات والوسائل بالعمل في إطار التمسك بالحكم عبر السياسات البراغماتية والقبول بواقع الحال وعدم التخلي عن الميدان في دعم وإسناد الوكلاء والحلفاء الإقليميين من الفصائل المسلحة واستمرار إدامة المشروع السياسي الإيراني.
بعد قيام الحكومة التركية بالإعلان عن التزامها بعقوبات مجلس الأمن الدولي وايقاف عمليات استيراد النفط والغاز الإيراني، أدركت إيران خطورة التوجه التركي وإمكانية تكرارها مع عدد اخر من دول الجوار الإيراني ومنهم العراق الذي يتمتع بعلاقات استراتيجية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاستخباراتية، فسعت إلى إجراءات فاعلة استباقية بالحد من تنفيذ العقوبات الاقتصادية والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي عبر العمل على فتح آفاق ميدانية تسمح بالعودة للتفاوض وعدم انتظار أي مواقف سياسية ومتغيرات ميدانية قد تؤثر على سياسة إيران وبقاء نظامها وإضعاف وجودها، ورغم تحركها السياسي نحو الاعتماد على حلفائها الرئيسين ( روسيا والصين) من خلال تفعيل عضويتها في منظمة شنغهاي للأمن الإقليمي وبريكس للاقتصاد العالمي ومنظمة أوراسيا واقناعهم بضرورة تعطيل العمل بالعقوبات الاقتصادية الدولية، إلا أنها لم تتمكن من الوصول لأهدافها بشكل كامل ومحوري، ورأت أن الحل الإيجابي في وضع تسوية سياسية جديدة في التعامل مع الإدارة الأميركية ودول الترويكا الأوروبية واقامة علاقة قائمة على الثقة المتبادلة وتحقيق المصالح المشتركة.
إيران..
تدرك القيادة الإيرانية أنها أمام ضغط شامل من عقوبات اقتصادية مستمرة تتسارع في أحداث اقليمية قادمة، تتطلب منها العمل الجدي والفعال نحو سياسة هادئة وقرارات استراتيجية توصلها إلى مسارات إيجابية في إعادة تموضعها السياسي بتنشيط العمل الدبلوماسي والحوار السياسي نحو رفع للعقوبات الدولية ومعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
