العراق والشبكة الوطنية

العراق والشبكة الوطنية

خلال اليومين الماضيين، خرجت وزيرة الاتصالات بتصريح ناري حول ما يسمى بمشروع الشبكة الوطنية أو الرخصة الرابعة. لكن ما لفت الانتباه ليس مضمون المشروع بقدر ما هو حجم المغالطات الصادمة التي وردت في حديثها، والتي لا تليق بموقع رسمي يفترض أن يكون قائماً على الدقة والمسؤولية.

أنا لست هنا للدفاع عن شركات الاتصالات، ولا عن جدوى الرخصة الرابعة من عدمها، بل لأضع النقاط على الحروف أمام الرأي العام الذي يستحق أن تُقدم له الحقائق كما هي، لا كما يراد له أن يراها.

الوزيرة تحدثت عن أن إيرادات شركة آسيا سيل مثلا بلغت (3 تريليونات دينار)، وهو رقم غير صحيح إطلاقاً. فالإيرادات الحقيقية للشركة لا تتجاوز (١.٨ تريليون دينار)، واكثر من نصف هذا المبلغ تقريباً يعود أصلاً إلى مؤسسات الدولة: هيئة الإعلام والاتصالات، وزارة الاتصالات، والهيئة العامة للضرائب.

أما ما يتبقى، فتلتهمه كلف التشغيل والرواتب التي تتجاوز (300 مليار دينار)، واستثمارات بمليارات الدولارات في البنى التحتية. وهذه الشركات – شئنا أم أبينا – توفر اليوم أكثر من 3000 وظيفة مباشرة وأكثر من 5000 وظيفة غير مباشرة. فهل يُعقل أن نُهاجم قطاعاً يساهم بتقليل البطالة ويمول الخزينة العامة في آن واحد؟

الحقيقة أن ما يتبقى للشركات لا يتجاوز 20٪ من إجمالي الإيرادات، بينما تستحوذ مؤسسات الدولة على اكثر من 50٪. فبدلاً من تحميل القطاع الخاص مسؤولية ضعف الإيرادات، لماذا لا تبادر الوزارة ببساطة إلى رفع أسعار بيع حزم الإنترنت التي تبيعها للشركات، أو زيادة الرسوم الحكومية؟ عندها سترتفع الإيرادات فوراً من دون ضجيج إعلامي أو مزايدات سياسية.

ثم لنتذكر أن شركات الاتصالات شركات مساهمة عامة ومدرجة في سوق العراق للأوراق المالية، وكل من يريد الاستفادة من أرباحها يمكنه شراء أسهمها علناً . فهل نحتاج إلى تضليل الناس بأرقام غير دقيقة بدلاً من اعتماد لغة الاقتصاد والوقائع؟

الوزيرة – وهي في موقع مسؤولية – مطالَبة بأن تكون صوت المعلومة الدقيقة لا صدى العناوين المثيرة. لأن من يملك سلطة الكلمة الرسمية لا يملك رفاهية الخطأ، فكل كلمة منه تصنع رأياً وتؤثر في قرار.

باختصار، إذا كان الهدف حقاً هو زيادة إيرادات الدولة، فالحلول موجودة وبسيطة، ولا تحتاج إلى “رخصة رابعة” بقدر ما تحتاج إلى رؤية رابعة… رؤية واقعية، مهنية، ومسؤولة.

 منار العبيدي