لم يكن تاريخ 25كانون الأول/ ديسمبر 1991م، تاريخًا عاديا في مسار العلاقات الدولبة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بل كان تاريخًا يعبر عن نهاية الحرب الباردة بشكل رسمي، الحرب التي شكلت لعقود الصراعات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، فذلك التاريخ كتب شهادة وفاة الاتحاد السوفييتي” تفككه” ليرثه بعد ذلك الاتحاد الروسي، لكن إرث يعاني من المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية لينشغل في مشكلاته الداخلية، ويترك المساحة كاملة للانفراد الأمريكي في العالم لعقد من الزمان وهو عقد تسعينيات القرن المنقضي.
حيث ظنت الولايات المتحدة الأمريكية بما تمتلكه من امكانيات عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية أن تشغل الفراغ الذي خلفه الاتحاد السوفييتي وقد تمكنت في تحقيق ذلك حلف شمال الأطلسي ” الناتو” في التوسع شرقًا حتى الوصول إلى حدود روسيا الاتحادية، وقد ساعدها على ذلك بالاضافة إلى مشكلات روسيا الاتحادية، وجود يلتسن الرئيس الأسبق للاتحاد الروسي الذي لم يتصدى إلى ذلك. الذي ظنّ – حينها- بأن مشكلات دولته يمكن أن تعالج من خلال الاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
لكن بعد مجيئ فلاديمير بوتين إلى رئاسة حكم الاتحاد الروسي في عام 2000م، قرر مراجعة حدود دولته مع أوروبا وإعادة تشكيلها من جديد بما ينسجم مع مصالح دولته العليا، لذلك في عام 2008م شن هجوما على جورجيا وضم إلى دولته إقليمي أبخازيا وأوسيتيا ولقطع الطريق أمام أوكرتانيا للانضمام إلى ” الناتو” احتلت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
هذه التوسعات العسكرية لروسيا ما هي إلا تطبيق عملي لأفكار بوتين ومنها الحفاظ على الأمن القومي ووحدة الأراضي الروسية،تعزيز قدرات روسيا العسكرية وخاصة النووية وفي هذا السياق تحديدًا في ظل الحرب المستعرة في شرق أوروبا، وفي تطور لافت في سياقها ، أشرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بعد على مناورات نووية بحرية وجوية وبرية، فمن حيث التوقيت جاءت هذه المناورات بعد تصريح ترامب بأن لقاؤه مع بوتين قد تم تعليقها، وجاءت هذه المناورات أيضًا بعد أسبوع من انطلاق المناورات السنوية للقوات النووية لحلف شمال الأطلسي ” الناتو”.
هذه المناورات الروسية التي تزامنت مع مناورات الناتو ما هي إلا استعراض للقوة الروسية ورسالة ردع لأوروبا المعادية لروسيا والتي تشكل بعض دولها كانجلترا وألمانيا وفرنسا أساس في مواجهتها إلى جانب أيضًا فنلندا التي شكّل انضمامها إلى حلف الناتو تحولا استراتيجيا في الجوار الروسي، كما إنها رسالة لدول بحر البلطيق التي يسعى حلف الناتو من خلالها إلى محاصرة روسيا وفي الأخير هي رسالة ردع لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجلس النواب الأمريكي.
وعلى الرغم من ان استخدام السلاح النووي في الحرب الحالية في شرق أوروبا قد يكون خيار مستحيلا في الرقت الراهن، إلا أن هذه المناورات تأتي في سياق استعداد روسيا في تهديد أمن أوروبا ومن يتحالف معها في حال تعرض أمنها إلى حطر شديد.
