استراتيجية التعويض الإيراني في مواجهة التهديدات الأمريكية الإسرائيلية

استراتيجية التعويض الإيراني في مواجهة التهديدات الأمريكية الإسرائيلية

اياد العناز

تسعى إيران إلى إعادة تموضع تواجدها وتحديد تأثيراتها الميدانية واستراتيجيتها الامنية التي تحافظ على استمرارية مشروعها السياسي الإقليمي والتوسع في مناطق مهمة وتعزيز تحالفاتها بدول أخرى، بعدما فقدت أهم ركائزها وشركائها على الأرض السورية التي كانت تعتبرها ( المربع الذهبي) في إدامة زخم تواجدها الميداني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، فسقوط النظام السوري وهروب رئيسه إلى روسيا، أدى إلى ضياع أهم محور رئيسي في العقيدة الاستراتيجية الإيرانية الاستخبارية والعسكرية، وقبلها كان غياب القيادات السياسية والأمنية لحزب الله اللبناني بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية والاغتيالات الميدانية التي رافقت العمليات العسكرية، فحصل الغياب الأهم في المشروع الإيراني الذي كان يرى في قيادة حزب الله اللبناني ( درة التاج الإيراني)، من هنا سعت القيادة الإيرانية إلى اتخاذ خطوات مهمة ذات أبعاد أمنية واستخبارية لتعويض خسارتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط،فكانت بوصلة الاتجاه الإيراني نحو دول آسيا الوسطى ( تركمستان وأوزبكستان وطاجكستان وكازخستان وقيزغستان) التي تتمتع بموقع جيوسياسي يخدم المصالح والمنافع العليا والأهداف الاستراتيجية للدولة الإيرانية ومشروعها الإقليمي.
أن اختيار إيران لمحيط ومساحة دول آسيا الوسطى يعود لعدة اعتبارات، أهمها الروابط التاريخية التي تعتبر القاسم المشترك في العلاقة مع هذه البلدان وإيران، والتي تهدف إلى ترسيخ العلاقات الوثيقة بين حكومات وشعوب هذه الدول ، مع تعزيز التعاون في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتعتبر طهران أن الحفاظ على روابطها مع دول آسيا الوسطى امتداد طبيعي لإرث تاريخي وثقافي عريق ظل راسخًا عبر عدة قرون ماضية.
والأمر المهم الأخر الموقع الجيوسياسي الذي تمثله دول آسيا الوسطى باعتبارها أهم مصادر الطاقة العالمية من النفط والغاز، وموقعها الجغرافي الذي يكسبها أهمية استراتيجية بارزة في الممتدة بين الصين من جهة الشرق، وروسيا من الشمال والشمال الغربي، وإيران من الجنوب الغربي، بينما تفصلها أفغانستان من الجنوب عن الهند، كما يفصلها بحر قزوين عن منطقة جنوب القوقاز غرباً، مما يمنحها إمكانات اقتصادية كبيرة ويجعلها ساحة رئيسية للتنافس على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
وترى إيران في مبادرة ( الحزام والطريق) أهمية بالغة لها في تعزيز التعاون المشترك مع دول أسيا الوسطى بسبب الانتماء المشترك في منظمة شنغهاي للأمن الإقليمي وتساعدها في حلحلة أزمتها المالية وفك العزلة الاقتصادية عنها بتأسيس شركات تجارية استراتيجية وتوسيع نفوذها في محيطها الإقليمي، كما أن المشاركة في مبادرة (الحزام والطريق الصينية، والانخراط في منظمة شنغهاي للتعاون، يوفران لطهران فرصًا إضافية لتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية، وتطوير شبكة النقل والمواصلات وتدعيم عمليات التبادل التجاري وحماية مصالحها والسعي لإيجاد مفاعل مهمة لمواجهة أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
وتدرك إيران أنها بموقعها الجغرافي تمثل ممرًا إستراتيجيًا رئيسيًّا لهذه الدول وتعتبر بوابتها نحو الأسواق العالمية، ومدخل مهم لدول آسيا الوسطى نحو الشرق الأوسط ثم الأراضي التركية وصولاً للدول الأوربية، وبوابة أخرى نحو باكستان والهند والدول الآسيوية الأخرى.
ورغم الاهتمام الإيراني الكبير وما تسعى الى تحقيقه القيادات العسكرية والأمنية في البحث عن أماكن تحافظ فيها على ديمومة عقيدتها السياسية في التمدد والنفوذ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تتابع بدقة التحركات الإيرانية وترصد الفعاليات الاستخبارية وما تعمل عليه الأدوات والوسائل الايرانيه في هذه البقعة المهمة التي تشكل أحد أعمدة الاقتصاد العالمي وطرق المواصلات التجارية، فسعت الادارة الأمريكية على استثمار الاتفاق الأذربيجاني الأرميني الذي تم التوقيع عليه بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 8 آب 2025، بانشاء معبر يربط بين شطري أذربيجان من جهة وبين تركيا ودول آسيا الوسطى من جهة أخرى، مما يؤدي إلى تهديد المصالح والأهداف الاقتصادية الإيرانية في هذه البقعة المهمة من العالم والتي تتحكم بالممرات البرية وتربط الصين وروسيا بطرق التجارة الدولية.
وتابعت إسرائيل التوجهات الإيرانية وسارعت إلى حليفتها ( أذربيجان) التي تعتبر إحدى الأدوات المهمة على الصعيد السياسي والاستخباري في زيادة زخم الضغط الاستراتيجي على إيران عبر الإشراف الأمريكي الإسرائيلي المشترك على الطرق والممرات التي تسعى إلى إنشائها وتحديد مساراتها، فالعمل مستمر في ممر (زنغروز) داخل الأراضي الأرمينية، وهناك أعمال كبيرة لتفعيل الممر بطول 50 كيلومتر في مقاطعة سونيك لمنع اتصال إيران بروسيا عبر أرمينيا.
تتبنى إيران سياسة براغماتية تخدم مصالحها وتحقق أهدافها دون الدخول إلى صراعات سياسية ونزاعات عسكرية في المحيط الميداني لدول آسيا الوسطى وتبتعد عن أحداث أي مشاكل قد تؤدي بها إلى مواجهات مباشرة،
فعند مراجعة العلاقات الإيرانية-الأذربيجانية يجب أن لا نُسقط من اعتباراتنا أن أذربيجان دولة منتجة للغاز والنفط، وهذا وإن كان يمثل فرصة كبيرة للنمو والتقدم في هذا البلد، إلا أنه على الجانب الآخر يعظم من حالة التنافس الدولي ويقوي من ضغط القوى الخارجية، وهو ما تنظر إليه إيران بحساسية شديدة، وتراه مبعثًا للتهديد، فالهند دولة كبيرة وذات إمكانيات اقتصادية هائلة ولها امتدادات مهمة على مستوى العلاقات بين دول العالم وتسعى للحفاظ على مكانتها وتأثيرها، لهذا فهي تساهم في دعم المشاريع الأمريكية في هذه المنطقة ومنها مد خط انابيب الغاز من تركمستان إلى أفغانستان وباكستان وصولاً للهند، وهو ما يؤدي إلى تقليص الدور الإيراني في الاستثمارات الخاصة بشبكات الطاقة من النفط والغاز، وهو الأمر الذي تعلمه إيران وتحاول إيجاد دور لها دون أن يسبب لها أي ضرر سياسي وأمني.
تواجه إيران تحديًا إستراتيجيًا مستمرًا في آسيا الوسطى يتمثل في تنامي النفوذ الإسرائيلي في هذه الدول، إذ تعمل إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة على تحجيم نفوذ إيران في منطقة آسيا الوسطى من خلال أدوات دبلوماسية واقتصادية تهدف إلى عزل طهران دوليًا وإقليميًا.
وتبقى استراتيجية السياسة الإيرانية في توجها للشرق حالة قائمة وضرورة ميدانية فاعلة لتعويض إخفاقها في إدامة علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية ولايجاد شركاء رئيسين لها في ( الصين و روسيا) تعزز من خلالهما مكانتها وديمومة بقائها واستمرار تأثيرها الدولي والإقليمي، وقد تعمل إيران على المخاطرة السياسية في تحمل تبعيات سياستها ونهجها في سبيل الحفاظ على نظامها السياسي وتنوع علاقتها مع الدول الاسيوية وخاصة امتداداتها نحو منطقة آسيا الوسطى كتعويض استراتيجي لما فقدته في لبنان وسوريا وما تعيشه من مشاكل وأزمات اجتماعية واقتصادية بعد الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، وما سعت إليه دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من إعادة فرض العقوبات الاقتصادية التي نصت عليها اتفاقية العمل الشاملة المشتركة عام 2015،وتحول رؤيتها نحو الإمام لتشكيل حالة دفاعية تحمي بها نفسها وما تعتبره القيادة الإيرانية خيارًا إستراتيجيًا.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية