اياد العناز
تتابع الأوساط السياسية والعسكرية الإيرانية باهتمام طبيعة المتغيرات الميدانية في الشرق الأوسط وتتأخذ إجراءاتها لاحتمالية تعرض بلادها لضربات جوية وعمل عسكري محتمل، لا يستهدف فقط المواقع والمنشآت النووية والصاروخية ومنصات الإطلاق وأجهزة الرادار ومصافي النفط وشبكات الكهرباء والمياه، وإنما حياة المرشد الأعلى علي خامنئي والتي باتت تشكل مخاوف حقيقية يتحدث عنها أركان النظام الإيراني وتبعيات العملية وآثارها على ديمومة النظام واستمراره، كون المرشد يمثل السلطة العليا للبلاد وعنوان للاستقرار الداخلي، وهدف حيوي كبير لأي مخطط عسكري سياسي أمريكي إسرائيلي محتمل يهدد هرم هيكلية السلطة الحاكمة.
تحدث وزير الاستخبارات الإيراني (إسماعيل خطيب) بشكل واضح وعبر عن مخاوف حقيقية من استهداف حياة المرشد أو قيام احتجاجات وتظاهرات شعبية داخل المدن الرئيسية الإيرانية نتيجة الضغوط الاقتصادية والأزمات الاجتماعية وسوء الظروف المعيشية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، وجاء حديثه اثناء حضوره لاجتماع موسع لمجلس الأمن في محافظة ( كهكيلوية وبوير أحمد) مؤكدًا أن خامنئي يشكل عمود ومحور اساسي للنظام.
أن الاتجاه الإيراني نحو الاهتمام بحياة المرشد يؤكد الواقع السياسي الذي تعيشه التيارات والأحزاب السياسية وقيادتها وطبيعة العلاقة بينهما والخلافات والصراعات في أجنحة النظام والتي ستتأثر كثيراً بأي حادث يمس حياة علي خامنئي وتنعكس سلبيًا على الأوضاع الداخلية بتهالك النظام وضعف تماسكه، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الحادي عشر من تشرين الثاني 2025 بخشيته من اغتيال المرشد الأعلى أثناء الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، بقوله ( لم أكن خائفًا على نفسي، كنت خائفًا أن يصاب المرشد بمكروه وأن نتنازع فيما بيننا).
وبدأ الجانب الأمني يؤخذ حيزًا كبيرًا من الاهتمام والمتابعة الميدانية من قبل الأجهزة الاستخبارية الإيرانية بعد الاختراق الأمني الإسرائيلي لإيران الذي أصبح واقع ملموس بعد الاستهدافات التي تعرضت لها القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والعلماء النوويين في بداية الضربات الإسرائيلية التي حصلت في الثالث عشر من حزيران 2025، واستمرت القيادات الإيرانية بالحديث عن الآثار السلبية والنتائج الميدانية التي احدثتها العمليات الخاصة والاستهداف الأمني للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، ومنها ما أعلنه رئيس الدفاع المدني ( غلام رضا) بعثورهم على شيفرات بمختبرات داخل إيران تُرسل سرًا صورًا من كاميرات سبق وأن تم استيرادها من قبل مؤسسات إيرانية إلى عناوين IP أجنبية أثناء المواجهات العسكرية مع إسرائيل.
أمام هذه التطورات الداخلية والمتابعة الحثيثة لأي تحركات عسكرية تجاه الأراضي الإيرانية وبعد أن كشفت الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة عن وجود ثغرات أمنية وعسكرية داخل العمق الإيراني وفي جميع مؤسساته ومنظوماته السياسية والعسكرية ومقرات وقيادات فيلق القدس والحرس الثوري، اتخذت القيادة الإيرانية عديدًا من الإجراءات الوقائية والدفاعية وإعادة النظر بهيكلية الأجهزة الأمنية وفعالياتها، وأقدمت على تأسيس مجلس للدفاع الوطني في بداية شهر آب 2025 وهو عبارة عن آلية مركزية تتولى تنسيق القرارات الإستراتيجية بين المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية في إيران، أعلنت عنه أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقب الحرب الإسرائيلية-الإيرانية،
وجاء تشكيل المجلس بقرار من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ومصادقة المرشد الأعلى علي خامنئي، بهدف تولي قيادة أي مواجهة عسكرية محتملة والتصدي لأي اعتداء خارجي يهدد سيادة وأمن الأراضي الإيرانية، أقدمت إيران وبعد يومين من وقف القتال مع إسرائيل إلى ارسال وزير دفاعها ( عزيز نصير زادة) إلى الصين لحضور اجتماعات وزراء الدفاع في البلدان المنضوية في ( منظمة شنغهاي) للأمن الإقليمي، والتقى بنظيره الصيني ( جون دونغ) وناقش معه الطلب الإيراني بشراء منظمومات دفاعية جديدة وإمكانية تزويد طهران بنظام ( الدفاع الجوي الصيني 16-HQ) وهو نظام صاروخي متوسط المدى وطائرات مقاتلة متطورة في مقدمتها مقاتلة (C10_j) متعددة المهام ومحطات رادار متقدمة للكشف عن الطائرات الشبحية ودعم قواتها البحرية بزوارق وغواصات هجومية مزودة بصواريخ دقيقة، وسعت القيادات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني على تعزيز قدراتها القتالية والدفاعية والتي أشار إليها العميد على نائيني المتحدث بأسم الحرس أثناء حضوره لندوة موسعة بجامعة طهران في العشرين من تشرين الثاني 2025 أثناء مداخلة له بالقول ( أن التركيز منصب على تعزيز القدرات الدفاعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات العسكرية).
تدرك إيران أنها بحاجة لتعزيز منظمومات الدفاع الجوي ومواجهة الطائرات المقاتلة والصواريخ البالستية أثناء الهجوم عليها وحاجتها لرادرات مضادة للتخفي في تعاملها مع المقاتلات الجوية F-35 ، بعد تهالك المعدات العسكرية وخاصة في مجال القوة الجوية واعتمادها على رادارات سوفيتية وعدم تطويرها منذ تسعينات القرن الماضي بسبب العقوبات الدولية، وضعف الأنظمة الروسية الدفاعية التي كلفتها مليارات الدولارات والتي أظهرت عدم فعاليتها في العمليات والمواجهات العسكرية الإسرائيلية الإيرانية، وعدم استجابة روسيا لعديد من الطلبات الإيرانية لشراء طائرات مقاتلة نوع ( سوخوي – 35-) المتطورة وضعف الالتزام الروسي رغم العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين،
لم يكن أمام القيادة الإيرانية إلا الموافقة على التوجه شرقًا حيث الصين، الدولة التي تتمتع بعلاقات وشراكة اقتصادية كبيرة واستثمارات معها بلغت 400 مليار دولار داخل الأراضي الإيرانية، والطلب إليها بشراء مقاتلات صينية متطورة واسلحة متقدمة خاصة بمجال الدفاع الجوي وخاصة المقاتلة الصينية ( تشينغدو جيه – 10-) والتي من الممكن أن تغطي جانبًا مهمًا من احتياجات إيران في مجال الدفاع الجوي، رغم أن المدة المقررة لتدريب الطيارين الإيرانيين وتصنيع الطائرات تحتاج إلى عام أو عامين من الزمن.
ولدى إيران أسبابها الجوهرية في اختيار الطائرة المقاتلة الصينية ( J-10C) كونها تستطيع القيام بكافة الأعمال القتالية نهارًا أو ليلاً في كافة الأجواء، حيث قارنتها الصحف الصينية بالطائرة المقاتلة ( F-15) والميراج (2000) و (والسو-27) ، ويعتمد تصميم المقاتلة على جناح مثلث و كانارد أمامي وتصل سرعتها القصوى ل ١,٨ ماخ وصممت بشكل أساسي للقتال جوًا، ولكنها قادرة أيضًا على تنفيذ مهام هجومية، وتُصنف ضمن فئة (الجيل 4.5) وهي مزودة برادار (AESA) ومحرك مطور من طراز (WS-10B) وتتمتع بقدرات مناورة وتسليح متقدمة تشمل صواريخ جو جو طويلة المدى.
ويرى مسؤولون ومحللون إيرانيون أن أي صفقة محتملة لشراء مقاتلات متطورة، في إشارة ضمنية إلى طائرات (J-10C) الصينية من شأنها أن تعزز من قدرة طهران على فرض معادلات ردع جديدة، وتقليص الفجوة في ميزان التفوق الجوي، التي شكلت تقليديا نقطة ضعف في البنية العسكرية الإيرانية.
ويمكن العودة إلى تغريدة الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في الثامن والعشرين من حزيران 2025 الذي قال فيها أن (العقيدة الدفاعية الإيرانية بحاجة إلى إعادة هيكلة جوية، والتعاون مع الصين ليس مجرد خيار تكتيكي بل هو تحوّل إستراتيجي).
وأشارت معلومات استخباربة آسيوية ذكرتها صحيفة ( ساوث تشاينا مورنينغ بوست) في السادس والعشرين من حزيران 2025 أن ( الاتفاق بين بكين وطهران يشمل تسليم 24 طائرة نوع (J-10C) على دفعات تبدأ نهاية عام 2025) مقابل دعم طهران لتمركز الشركات الصينية في ممرات الطاقة الإيرانية.
التحرك الإيراني تجاه الصين له ابعاده في تعويض الخسائر العسكرية الإيرانية وإعادة هيكلية سلاحها الجوي، والصين تريد ارسال رسالة مفادها بأنها أصبحت ذات فعالية أمنية في منطقة الشرق الأوسط.
لا يزال المسؤولين الإيرانيين يتحدثون عن إمكانيتهم وقدرتهم في التصدي لأي مواجهة قادمة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ومنها ما صرح به الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني من أن بلاده (تمتلك العديد من الأوراق العسكرية التي لم تكشف عنها بعد بما فيها تسليحات الليزر والبلازما والصواريخ الفرط صوتية البالستية بعيدة المدى العابرة للقارات،وأن لهم القدرة على سلب العدو قدرة الرد والتفكير في الاعتداء عليها مرة أخرى).
يُفهم من هذا التصريح ان إيران تستعد للمواجهة على عدة جبهات وفي جميع النواحي العسكرية ( برية وبحرية وجوية) وإمكانية إغلاق المضايق المائية ومنها ( مضيق هرمز) ومهاجمة القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في مواقع قريبة وبعيدة عنها، مع تعزيز إيران لإنتاجها الصاروخي بشكل ملحوظ واستمرار عمل المصانع على مدار الساعة دون انقطاع، وتحقيق أهدافها في إطلاق ألفي صاروخ باليستي دفعة واحدة، وفقًا لما أعلنه علي فايز مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، وأضاف أن إسرائيل تعتقد أن المهمة لم تنته بعد ولا ترى سببا لعدم استمرار الصراع، لذلك تضاعف إيران استعداداتها للجولة التالية.
ويستمر الخطاب الإيراني الشعبوي بعدم تحقيق الضربات الجوية الأمريكية الإسرائيلية أهدافها في القضاء على البرنامج النووي الإيراني ولا في تغيير النظام، وفي اعتقاد المسؤولين الإيرانيين أن هذا التوجه سيجعل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قلق مستمر وتفكير دائم بالقدرات النووية والصاروخية الإيرانية، ويرفع من وتيرة رفع المعنويات في الداخل الإيراني وأنها تستطيع إعادة ترتيب أوضاعها السياسية وامكانياتها الدفاعية والهجومية الصاروخية وزيادة كفاءتها في تسريع التطور العلمي الخاص بالبرنامج النووي ومواجهة جميع الأزمات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الإيراني،
وأدركت أن الاستراتيجية الأمريكية انتقلت من مرحلة ( إسقاط النظام) إلى احتوائه عبر سياسة ( الضغط القصوى) رغم التوجهات الأخيرة التي أعلن عنها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في كشفه عن مضمون رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي بإختيار المفاوضات والحوار الدبلوماسي طريقًا واضحًا في إيجاد اتفاق نووي جديد والاعلان عن إيقاف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم أو الاتجاه نحو المواجهة المباشرة والاعلان الحرب.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
