لنتخيل معا رحلة مولود عراقي جديد، ،وخلي نسميه “أحمد”. ولد أحمد اليوم في أحد مستشفيات العراق. منذ لحظة صرخته الأولى، فتحت الدولة له “حساباً جارياً” وبدأت العدادات بالحساب. خلي نتبع تكلفة “أحمد” اذا الدولة قامت بتقديم كافة الخدمات المجانية له منذ لحظة ولادته الى لحظة تقاعده
بناءً على دراسة رقمية دقيقة تفترض المسار التقليدي: دراسة، ثم تعيين حكومي، ثم تقاعد.
الفصل الأول: الطفولة (0 – 6 سنوات) قبل أن ينطق أحمد بكلمة، أنفقت الدولة عليه 3.9 مليون دينار. بين رعاية صحية ولقاحات (1.2 مليون)، وحصته من البطاقة التموينية وحليب الأطفال (1.2 مليون)، وحصته من دعم الكهرباء والماء (1.5 مليون). الدولة هنا هي “الراعي الكامل”.
الفصل الثاني: الحقيبة المدرسية (6 – 18 سنة) دخل أحمد المدرسة. لمدة 12 عاماً، الدولة تدفع رواتب المعلمين وتطبع الكتب وتبني المدارس، بكلفة تقديرية 12 مليون دينار. وتستمر في دعمه (غذاء، طاقة، صحة) بـ 9 ملايين دينار. أحمد الآن شاب، وفاتورته وصلت قرابة 25 مليون دينار ولم يعمل بعد.
الفصل الثالث: الجامعة (18 – 22 سنة) هذه المرحلة الأغلى تعليمياً. 4 سنوات من التعليم الجامعي المجاني تكلف الدولة 10 ملايين دينار (مختبرات، أساتذة، أقسام). مع استمرار الدعم المعيشي (3 ملايين). يتخرج أحمد وعمره 22 سنة، وقد كلّف الخزينة حتى الآن 38 مليون دينار.
الفصل الرابع: الوظيفة.. “الثقب الأسود” (22 – 65 سنة) هنا تقع الكارثة المالية. يتعين أحمد في وظيفة حكومية روتينية (بطالة مقنعة). على مدى 43 سنة خدمة:
يستلم رواتب ومخصصات مجموعها 387 مليون دينار.
يستهلك خدمات داخل دائرته (تبريد، أثاث، قرطاسية) بـ 64.5 مليون دينار.
يستمر استهلاكه للخدمات العامة المدعومة بـ 43 مليون دينار.
النتيجة النهائية لفرد واحد: عندما يحال أحمد للتقاعد، يكون قد سحب من خزينة الدولة مبلغاً فلكياً قدره 532,400,000 دينار (أكثر من نصف مليار).. ذهبت كلها كرواتب واستهلاك، دون أن ينتج سلعة أو خدمة تعوض هذا المبلغ.
القنبلة الموقوتة:
مليون “أحمد” سنوياً! قد يقول قائل : “الدولة غنية والنفط موجود”. لكن الأرقام تصدمنا بحقيقة مرعبة: العراق يستقبل سنوياً زيادة سكانية تقدر بـ مليون مولود جديد.
إذا ضربنا تكلفة دورة حياة الفرد (532 مليون) في عدد المواليد (مليون): 532,000,000 × 1,000,000 = 532 تريليون دينار!
نحن بحاجة إلى التزام مالي مستقبلي قدره 532 تريليون دينار لتغطية حياة مواليد سنة واحدة فقط! للمقارنة: موازنة العراق “الانفجارية” والأضخم في تاريخه لعام 2024 بلغت حوالي 211 تريليون دينار.
موازنة الدولة بكامل نفطها لا تغطي حتى 40% من الالتزام المالي لمواليد سنة واحدة إذا استمروا في مسار (التعيين الحكومي). نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نستمر في هذا الانتحار الاقتصادي وننتظر الانهيار الشامل عند نضوب النفط أو هبوط أسعاره، أو أن نوقف “كذبة التعيين” ونخلق قطاعاً خاصاً حقيقياً يحول هذا “المليون مولود” من عبء يطلب الراتب، إلى ثروة بشرية تدفع عجلة الإنتاج. او ان نعمل على تقليل نسب النمو السنوية التي ستؤدي الى انفجار سكاني واجتماعي لن يكون لاحد القدرة على ايقافه وتقليل اثاره.
منار العبيدي
