اياد العناز
بدأت القيادات السياسية الإيرانية تتحدث بصراحة وبشكل مباشر عن آثار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها أبناء الشعوب الإيرانية وأسبابها وضرورة إيجاد المعالجات الأزمة لتلافيها أو الحد منها، ومن هنا تأتي كلمة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 2025 أمام أعضاء البرلمان الإيراني في جلسته العلنية التي ناقش فيها الأوضاع الداخلية والجوانب الاقتصادية والمالية ونتائج العقوبات الدولية وما يمكن العمل في مواجهتها وبتسخير جميع إمكانيات الوزارات والمؤسسات الحكومية.
كان الرئيس بزشكيان واضحاً ودقيقًا في طرح اسباب الأزمات التي تمر بها إيران وتفاقم الأوضاع الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية وضرورة العمل على حلها بشكل متكامل ومدروس وبتظافر جميع الجهود، محملًا الجميع مسؤولية التدهور والانحدار المجتمعي الذي تعاني منه البلاد.
وقدم عدة مقترحات تبين حقيقة المأساة التي يعاني منها المواطن الإيراني وعدم وجود آليات حقيقية وَوسائل فاعلة لرفع مستوى الأداء الحكومي ورفع الحيف عن الظلم المجتمعي وفقدان العدالة الاجتماعية وعدم الاستثمار الحقيقي للثروات الطبيعية من النفط والغاز الذي تمتلكه إيران، مطالبًا بإعداد وتنظيم إيجابي لموازنة الدولة المالية بحيث تحتل معيشة المواطنين سلم الأولويات، مؤكدًا أنه ( لا يمكننا أن نحكم والشعب جائع)، وإذا لم تستنفر الحكومة والبرلمان والنظام السياسي جهودهم لحل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنين، فهذا يعني انحراف عن المسار الصحيح.
وكان كلام الرئيس الإيراني أكثر حضورًا عندما أشار إلى حجم المناكفات والخلافات السياسية التي تعصف بهيكلية النظام السياسي الإيراني وما كان يخشاه من عملية استهداف لحياة المرشد الأعلى علي خامنئي أثناء الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت العمق الإيراني في الثالث عشر من حزيران 2025، لأنه يرى (في حالة حدوث أي مكروه للمرشد سيبدأ الكل بالاقتتال فيما بينهم ولن تكون هناك حاجة لأن يأتي الكيان الإسرائيلي) لاكمال مهمته تجاه إيران.
وهنا يشير الرئيس بزشكيان إلى ضعف وتدني الأحوال التي تمر بها مؤسسة الحكم الإيراني، وأنها هناك العديد من الأخطاء والذنوب التي تقترف من قبل القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والهيئات الحكومية، مما يستوجب الاعتراف الضمني بها، وعدم تمكنهم من مواجهة تأثيرات العقوبات الاقتصادية الدولية التي أدت إلى تراجع الصادرات النفطية وهبوط قيمة العملة المحلية، إذ فقد الريال الإيراني أكثر من 59٪ من قيمته وارتفاع نسبة التضخم إلى 40٪، ثم استدرك الرئيس الإيراني بالحديث عن نتائج الاستطلاعات الخاصة بأداء الحكومة والتي أظهرت تراجع كبير في رضا المواطنين عن أداء الحكومة، ودعا إلى ( العمل الحقيقي لكسب رضا الشعب، وأن من لا يستطيع خدمة الناس عليه أن يبتعد، ولا يجوز التعامل مع المواطنين بتعالٍ أو مظهرية).
وسبق وأن أظهر استطلاع أعده مركز ( إيسبا) لأبحاث الرأي العام التابع لطلاب الجامعات في إيران بتكليف من رئاسة الجمهورية ( أن مستوى السخط الشعبي من الأوضاع العامة في البلاد وصل إلى نحو 92٪) وهو رقم غير مسبوق يعكس اتساع فجوة الثقة بين المواطنين والقيادة الإيرانية، واجري المسح بالتزامن مع جولات الرئيس بزشكيان في ست عشرة محافظة، بهدف قياس مستوى الرضا الشعبي من أداء السلطات المحلية ومتابعة مطالب الناس.
وعندما أشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن تمتع إيران بثروات طبيعية كبيرة من النفط والغاز ولكن الجميع ( جياع)، وهناك دول تشتري النفط من إيران، مثل تركيا واليابان وكوريا الجنوبية ولكن وضعها أفضل وحياتها أسعد واستقرارها دائم، مستفهمًا وموجهًا كلامه لأعضاء مجلس النواب الإيراني ( أين المشكلة)؟ ليست فقط العقوبات والحرب التي تسببت بخسائر كبيرة واعاقت تدفق الاستثمارات، ولكن هذه الحقائق لا تستدعي الخلاف بل التعاون بين جميع مؤسسات الدولة وتحمل المسؤولين دورهم الميداني في رفع مستوى الحياة الاقتصادية وإيجاد البدائل وتعزيز القدرة والامكانية الذاتية في مواجهة التحديات، بعد أن وصلت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خطر الفقر 40٪ ومعدلات البطالة إلى 12٪ وتجاوز خط الفقر نسبة 30٪، مما جعل غالبية الأسر الإيرانية تعاني من تراجع القدرة الشرائية نتيجة الارتفاع المستمر للأسعار وضعف الأجور.
ثم إن هناك أزمة تفاقم يوميًا تتعلق انقطاع المياه في العاصمة ( طهران) مهددة حياة 10 ملايين نسمة، والتي أقر بها الرئيس مسعود بزشكيان معتبراً أنها أسوأ أزمة مائية تضرب البلاد منذ عقود، ووصل حد التعامل معها للتفكير بترحيل سكان العاصمة المحافظات جنوبية من البلاد، وأكد خبراء لموقع ( إرام بزنس) أن الجفاف المتفاقم يضع حكومة طهران أمام معادلة صعبة بين حلول استراتيجية مكلفة وبطيئة كتوسيع التحلية وبناء السدود في مقابل خيارات عاجلة لكنها مؤلمة، تبدأ بترشيد قاس وتدوير المياه وتنتهي بقرارات اقتصادية لا شعبية، وهو ما دعى الرئيس بزشكيان إلى تقنين استعمال المياه، إذا لم تهطل الأمطار بين أواخر تشرين الثاني وبداية كانون الأول 2025، وتقدر كمية المياه المستهلكة من قبل سكان مدينة طهران ب ( 3) ملايين متر مكعب يوميًا، وأصبح سد طهران الرئيسي ( شبه جاف) وسعته لا تسمح بتزويد المدينة بمياه الشرب لأقل من أسبوعين بحسب ما تناقلته وسائل إعلام محلية وما تحدث به ( بهزاد بارسا) المدير العام لشركة مياه طهران، مع تراجع مستويات المياه في السدود المزودة لمدينة مشهد التي تُعدّ ثاني أكبر المدن الإيرانية من حيث عدد السكان، وتضم نحو 4 ملايين نسمة و4 سدود رئيسية إلى أقل من 3% فقط، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية (إسنا).
ويؤكد أوميد شكري، الخبير الاستراتيجي في الطاقة والزميل الزائر بجامعة جورج ميسن الأميركية، في حديث لـ (إرم بزنس) أن (أزمة المياه في إيران الحالية تشكل تهديدًا كبيرًا للانتعاش الاقتصادي للبلاد، إذ تؤثر على الزراعة والصناعة والخدمات التي تعتمد على إمدادات مياه ثابتة).
أن الكلمة التي القاها الرئيس مسعود بزشكيان أمام البرلمان الإيراني، تؤكد حقيقة الأوضاع المأساوية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، وأن البلاد بحاجة إلى إصلاحاتٍ جذرية وخطوات عملية للحد من التدهور الاقتصادي ومنع تفاقم المعضلات القومية والسياسية التي يمكن أن تتصاعد نتيجة استمرار الضغوط الشعبية واحتمالية القيام بتطاهرات واحتجاجات جماهيرية تعم المحافظات الرئيسية في إيران، كما حدث في الأعوام الماضية والتي ستواجه من قبل الأجهزة الأمنية والتنفيذية، مع انعدام الحلول السياسية في التوجه نحو التهدئة الخارجية وامتصاص العزلة السياسية الإقليمية والدولية وعدم العمل على إعادة الحوار مع الإدارة الأميركية والاستماع للمبادرات الأوروبية التي تلقي أذانًا صاغية وقبولًا من اوساط سياسية ترى أن الحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي مسارًا صحيحاً للتغلب على الأزمات التي يعاني منها النظام السياسي الإيراني وحلًا لجميع مشكلاته وعودة لحالة الانتعاش الاقتصادي ولدوره الريادي في الأسواق العالمية ورفعًا للأموال المجمدة والسماح بتصدير ثرواته واستعادة مكانته والحفاظ على بقائه.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
