ما كانت اجتماعات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي لنصرة المملكة العربية السعودية فقط، بل الأحرى القول إنها كانت لقاءات لرفع درجة الوعي بالتحديات التي تواجهُ العرب، واقتراح أفكار ووسائل لمواجهة المخاطر، وهي مخاطر تواجه العرب جميعاً، وعلى رأسها الإرهاب الإيراني والإرهاب الداعشي والإرهاب الإسرائيلي.
وعندما نقول إن الاجتماعات التي ينبغي أن تضمّ إلى الجامعة ومجلس التعاون الخليجي مجلسَ التعاون الإسلامي، من أهدافها رفع درجة الوعي بالتحديات والمخاطر، فلأنّ عدة دولٍ عربيةٍ ما تزال تتوهم أنه يمكن «إقناع» الإيرانيين بوقف التخريب في الدول العربية، هكذا بحسن النوايا، وبتكرار الزيارات إلى إيران تفهماً واستعطافاً. وقد قال الراحل الأمير سعود الفيصل أواخر عام 2012 إنّ الدبلوماسية تحتاج إلى عَصَب سياسي وربما أحياناً إلى عصب عسكري، وهو العصب الذي تحاول المملكة مع حلفائها أن تشدّ من أواصره عبر القوة العربية المشتركة، ومن خلال التحالُف الإسلامي.
إنّ المشكلة الحقيقية تتمثل في التراكمات، فقد تضاءلت كل مساعي الصمود بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتصاعُد موجات الإرهاب، فانكفأت الأنظمة على نفسها للدفاع، ولاتقاء غضب الولايات المتحدة التي صارت تهدد بالاجتياح على نفس الشاكلة. ومن لا يصدق يكون عليه أن يتأمل في درس كابُل وبغداد! وخلال تلك المرحلة المفزعة (كالمرحلة الحالية) انفرد شارون وخَلَفُهُ نتنياهو بفلسطين قتلاً واضطهاداً. وعلى وقع امتدادات واختراقات أميركا وإسرائيل استشرت الامتدادات الإيرانية في العراق وفلسطين ولبنان.. وسوريا. فتقاسمت إيران مع «القاعدة» والتنظيمات الأُخرى سُمعة مواجهة أميركا وإسرائيل، وهي مواجهةٌ أفْضت إلى تقاسُم البلدان العربية، بحجة التصدي لأميركا وإسرائيل!
إنّ المملكة العربية السعودية، كان عليها وسط هذا الواقع المُزْري، أن تقف في وجه الانحدار، وأن تتعامل مع نتائجه، ومنها الحروب المندلعة حالياً، والتي تتولى كبرها كلٌّ من إيران وميليشياتها، و«داعش» واختراقاتها.
لقد أسهمت دولٌ عربيةٌ طليعية (المملكة ودولة الإمارات) في التحالف العسكري ضد الإرهاب منذ اللحظة الأُولى، وصارت مكافحة الإرهاب الآن تحظى بإجماع عالمي. بيد أنّ إيران التي أفادت من زعزعة الدولة العراقية، رفضت الدخول في التحالف الدولي ضد «داعش»، بل دخلت في حربٍ إلى جانب النظام السوري ضد شعبه، وحاولت الإفادة من التحالف الدولي في تجديد السيطرة على العراق، كما حاولت الاستيلاء على اليمن. وهي الآن توضح مقاصدها علَناً: مَنْع العرب من التصدي للإرهاب والتطرف، بنشر الاضطراب في البلدان التي كانت هادئة، وبالإعلان عن إرادة مصارعة المملكة وحلفائها حتى على أرضهم. ومنذ عام 2012، وعندما كانت المفاوضات الأميركية الإيرانية على النووي توشك أن تنطلق، حاولت المملكة الدخول في محادثات مع إيران حول سائر المشكلات دون جدوى. وها نحن نرى بعد ثلاث سنواتٍ أن إيران عقدت اتفاقاً مع العدو التاريخي، بينما أقدمت على التدخل العسكري في سوريا وفي اليمن، وإيقاظ الخلايا النائمة لزعزعة الاستقرار بالبحرين والكويت والسعودية.
بادرت السعودية والإمارات، ومعهما دول خليجية ومصر والأردن والمغرب، إلى إطلاق «عاصفة الحزم». ودعت مع مصر لإنشاء القوة العربية المشتركة، ودخلت بقوةٍ على الملف السوري لحماية ما تبقّى، واستشراف إمكانيات الحلّ السياسي مع الاستمرار في مكافحة الإرهاب الآخر مع المجتمع الدولي. والإعداماتُ التي نُفّذت في السعودية وفق أحكام قضائية، ما شملت الإرهاب الإيراني فقط، بل شملت أكثر من أربعين متهماً بالإرهاب القاعدي والداعشي.
لدينا عمل كبير وكثير لحماية الدول والمجتمعات من إرهاب «داعش» وإيران، وإلى ذلك هناك عمل كبير وكثير على مستوى تحديات العلاقات الدولية، فالعلاقات بالولايات المتحدة، رغم كل العقود والعهود والمفاوضات، ليست على ما يُرام. وروسيا الهاجمة في سوريا وفي غيرها تحتاج العلاقاتُ معها إلى تفاهُمات صارت ممكنةً الآن، لأن الجانب العربي صار حاضراً في الساحة وعلى الطاولة. ولدينا عمل كبير وكثير في تجديد العلاقات مع دول العالم الإسلامي ودول آسيا وأفريقيا، وبعضها لأنها تواجه مشكلاتنا نفسها، وبعضها الآخر لأنها سارت في سياساتٍ تدخليةٍ للتقاسم مع إيران أو للتحالف معها!
د.رضوان السيد
صحيفة الاتحاد الإماراتية