حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التكتم على نشر تقرير تعذيب وكالة الاستخبارات الامريكية، مشيرًا إلى مخاوف من رد فعل سلبي ضد أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن، الحقيقة أن المنطقة بالكاد سترتجف ردًا على نشر الوثيقة ذات الـ528 صفحة.
وتقريبًا، تجاهلت كل وسائل الإعلام الحكومية في المنطقة التقرير تمامًا، في محاولة للانتقاص من أهمية تواطئها في عمليات تسليم المعتقلين، واستخدامهم خاصة كوكلاء للتعذيب في السجون المحلية.
واستقبلت الجماهير في الدول العربية الكشف عن التقرير ببساطة، كتأكيد لحقائق لطالما اعتقدوا أنها صحيحة منذ فترة طويلة. مثل هذا التقرير الذي أثار ضجة في الولايات المتحدة يعتبر كوميديًا بالنسبة لمنطقة تتوقع تصرفات خسيسة من الولايات المتحدة.
وعلى أية حال، فإن الكثيرين في العالم العربي يعتقدون أن هذه الاعترافات ليست سوى جزء صغير من مجموعة أوسع بكثير من الانتهاكات التي لم يتم التعرض لها بعدُ.
وعلى الرغم من رد الفعل الصامت، فإن الكشف عن استخدام وكالة الاستخبارات الأمريكية للتعذيب على نطاق واسع مُضر للغاية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا. ويتم بالفعل استخدام التفاصيل كذخيرة من قِبل الدولة الإسلامية (داعش) لتشويه سمعة تدخل التحالف في سوريا والعراق، كما أنه سيتم أيضًا تقويض جهود الولايات المتحدة بشدة التي تهدف إلى منع استخدام التعذيب في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة القائلة إنّه بالنسبة لهؤلاء الموجودين في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة قد فقدت سلطتها الأخلاقية قبل فترة طويلة من نشر هذا التقرير، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تدخلها في الصراع العربي-الإسرائيلي، ودعمها للحكومات الاستبدادية.
وقد تبين أن انحياز الولايات المتحدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قد قوض شرعية الولايات المتحدة الأخلاقية في المنطقة، ويعتقد أكثر من 80% من الأردنيين والمغاربة والسعوديين واللبنانيين، أن الولايات المتحدة قد فقدت العدالة والمساواة في جهودها للتفاوض حول الحل.
استمرار دعم الولايات المتحدة للحكومات القمعية قوض، أيضًا، الثقة في البلد. في سبتمبر، ألقى الرئيس أوباما خطابًا في مبادرة كلينتون العالمية مصرّحًا: “الشراكة مع منظمات المجتمع المدني وحمايتها حول العالم تعتبر الآن إحدى مهام الحكومة الأمريكية”.
في الوقت نفسه، خاضت إدارته لتجاوز شروط الداعمين للديمقراطية على المساعدات العسكرية لمصر، وحققت هدفها في الأسبوع الماضي عن طريق إدراج وثيقة “الأمن القومي” في مشروع قانون الإنفاق المتوقع أن يمرره الكونجرس قريبًا. هذا على الرغم من الحقيقة القائلة إن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي قد شنت هجومًا ضاريًا ضد منظمات المجتمع المدني في مصر مُجبرةً الكثير منها على تعليق عملها أو مغادرة البلد.
هناك قناعة بين البعض في إدارة أوباما أنه في حالة مواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنتهج سياسة مؤيدة للديمقراطية. ولكن، بفشلها في الارتقاء إلى القيم التي تدّعي التمسك بها؛ فإن المخزون الأكثر فظاعة للولايات المتحدة هو الشعور المعادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتقويض مصالحها الخاصة.
علاوة على ذلك، فإن العديد من الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها الولايات المتحدة تنشر دعاية مناهضة للولايات المتحدة في محاولة مكشوفة لدعم الشرعية الخاصة بهم على حساب الولايات المتحدة.
في أغسطس، اتهم السيسي الولايات المتحدة بالعمل مع الإخوان المسلمين وقطر وتركيا بتمويل مشاريع وسائل إعلامية على الإنترنت والتي “تهدف إلى زعزعة استقرار مصر”. وطفقت وسائل الإعلام المصرية التي تسيطر عليها الدولة في إشاعة نظريات المؤامرة السخيفة المعادية للولايات المتحدة.
حكومة البحرين، التي فشلت الولايات المتحدة في محاسبة هجمتها الشرسة على الحركات المؤيدة للديمقراطية في البلاد، قد أطلقت هجمات مشينة مماثلة على الولايات المتحدة. وقد منعت البحرين عضو الكونجرس جيمس ماكجوفرن من دخول البلاد، وقامت بطرد مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل توم مالنوسكي، وترأس حملة لتشويه سمعة السفير الأمريكيتوماس كراجسكي.
والنتيجة هي أن كلًا من مؤيدي النظام والمعارضين له يحملون كراهية شديدة تجاه الولايات المتحدة، بسبب الشراء المسبق للدعاية التي تُعمم بواسطة النظام والرثاء لاحقًا لنقص الدعم الأمريكي لحركاتهم المؤيدة للديمقراطية.
في البحرين، أصبح كل من الملكيين والمعارضين الشيعة يعادون أمريكا على نحو متزايد. وفي دراسة أكاديمية عن مصر أيضًا، وجدت أن كثيرًا من هؤلاء سواء المؤيدين للانقلاب العسكري على الرئيس مرسي أو المعارضين لذلك لديهم وجهات نظر معادية للولايات المتحدة.
المخاوف بشأن كون صدور تقرير التعذيب من مجلس الشيوخ سوف يقوض مكانة الولايات المتحدة الأخلاقية في الشرق الأوسط فشلت في الاعتراف بأن هناك ضررًا كبيرًا حدث بالفعل.
كل من تناقضات الولايات المتحدة في سعيها وراء الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، بالتزامن مع تأجيج المشاعر المعادية لأمريكا بواسطة الإعلام الذي تديره الدول في العالم العربي، ساهما في تعميق السخرية من نوايا الولايات المتحدة في المنطقة. وكانت النتيجة أنه حتى عندما تحاول الولايات المتحدة المشاركة بإيجابية في المنطقة، يُقابَل ذلك بالبحث الجاد حول دوافعها الخفية.
وأفضل طريقة للولايات المتحدة لتحسين مكانتها في المنطقة، هي انتهاج سياسات يتردد صداها مع القيم الأمريكية. إنها لا يمكنها أن تعظ ضد تعذيب السجناء في حين أنها تسمح لمثل هذه الإساءات أن تحدث في وكالاتها وتفشل في تقديم المسؤولين للمحاكمة.
ويجب أيضًا على الولايات المتحدة إعادة توجيه سياساتها الخارجية من أجل تتبع الحكومات الأخرى من أجل محاسبتها لانتهاك حقوق الإنسان، ورفض تقديم مساعدات عسكرية لتلك الدول التي تستخدم العنف لقمع المعارضة. وعلى المدى الطويل، دعم مثل هذه الأنظمة يضر بمصداقية الولايات المتحدة ويقوّض الأمن.
والأمل في أحد الأيام الذي يتم فيه إصدار تقرير موثوق فيه يكشف عن أن الولايات المتحدة قد فرضت بنجاح سياسة عدم التسامح مطلقًا ضد التعذيب والانتهاكات، ساعتها سوف يندهش الشرق الأوسط.
نقلا عن التقرير