في عام 1928، مصطفى كمال أتاتورك، الأب المؤسس للجمهورية التركية الحديثة قام بإصدار واحد من أكثر الإصلاحات دراماتيكية وراديكالية في القرن العشرين؛ إذ أمر أتاتورك بالتجول جملة باللغة التركية،حيث: قام بوضع الأبجدية اللاتينية، مُتخليًا عن أكثر من ألف عام من الكتابة بالأبجدية العربية، وقد جُرّدت اللغة من قرونٍ من الكلمات الفارسية والعربية المتراكمة. وتم حظر تعليمات اللغة التركية “العثمانية”.
وقد كانت هذه الخطوة جزءًا من حملة أتاتورك لتحديث تركيا وإمالتها في اتجاه الغرب. في رأيه ، وكما نوقشت وجهات النظر العالمية في وقت سابق، كانت الإمبراطورية العثمانية مضطربة، نظام حكم إسلامي ضعيف استسلم لغريمه الأوربي.
اللغة التركية العثمانية كانت لغة منمّقة ذات أسلوب راقٍ في التعبير وكانت تستخدم فقط بواسطة النُخب المرتبطة بالبلاط العثماني والمثقفين المستقلين عنه.تركيا أتاتورك سوف تكون ذات بعدٍ قوميّ قوي وعلمانية؛ اللغة التركية القومية سوف تكون أقرب إلى اللسان الذي يتحدث به الأتراك العاديون.
سريعًا إلى الأمام وما يقرب من قرن من الزمان، لم يكن لأي قائد تركي تأثير كبير كتأثير أتاتورك إلا رئيس الدولة الحالي رجب طيب أردوغان. وأردوغان،على ما يبدو، متحمس للعودة إلى الوراء حيث إرث أتاتورك.
في وقت سابق هذا الأسبوع، مجلس التعليم القومي المستحوَذ عليه بواسطة أعضاء يشاركون أردوغان سياسات متأثرة بالإسلام، صوتوا باصدار تعليمات بأن تكون اللغة التركية العثمانية الزامية في المدارس العليا.
وقد أثارت هذه الخطوة رد فعل عنيف وشرس من المعارضة العلمانية لأردوغان وحزبه الديني المحافظ حزب العدالة والتنمية. وأدى ذلك إلى إصرار رئيس وزراء أردوغان بأن يكون المقرر اختياريًا وليس إلزاميًا. ولكن، أردوغان تمسك ببندقيته وأدارها على منتقديه.
“هناك أولئك الذين لا يريدون لهذا أنْ يُدرَّس، وهذا خطر عظيم. وسواء رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا، فإن اللغة العثمانية سوف تُعلّم وتُدرَّس في هذا البلد” قال أردوغان في حديث له هذا الاسبوع في أنقرة.
وواصل أردوغان كلامه الصريح متحديًا حجة معارضيه بأن اللغة التركية العثمانية كانت لغة ميتة منقوشة في الرقوق والأضرحة، قائلًا: “إنهم يقولون، هل سنعلم الأطفال كيف يقرأون منقوشات الأضرحة؟ ولكن هل يكذب التاريخ والحضارة على هذه المنقوشات”، قال أردوغان. “هل يمكن أن تكون هناك نقيصة أكبر من عدم معرفة ذلك؟ كان هذا (الانفصال عن الأبجدية العثمانية) مساويًا لقطع عروق وريدنا”.
ويرى معارضوه،مع ذلك، الكثير من أفعال أردوغان وبلاغته في الخطابة كإشارة للزحف نحو أسلمة المجتمع التركي العلماني الحازم الذي وقع تحت مراقبة أردوغان؛ حظر غطاء الرأس والحجاب تم رفعه بواسطة أردوغان، وقد ارتفع عدد الطلاب الدارسين في المعاهد الدينية التي تديرها الدولة من 36000 طالب في عام 2002، عندما جاء أردوغان إلى السلطة للمرة الأولى، إلى ما يقرب من مليون طالب اليوم طبقًا لاحصائية احتفى بها الرئيس التركي.
وكان أردوغان حريصًا على عدم مهاجمة أتاتورك وسياساته مباشرة. في حديثه هذا الأسبوع، ركّز على كشف الغطاء على التراث العثماني وليس على الأب المؤسس للجمهورية التركية،وعلى القرن التاسع عشر الإصلاحي للسلطان العثماني.
“فلننسى أمر مناقشة كل الأمور المتعلقة بالدين بطريقة متحررة، الدين وممارسات المسلمين لمدة 200 سنة تعرضت لانتقادات منتظمة وشتائم وتحقير” قال أردوغان مستخدمًا لغة يستخدمها بشكل روتيني عند سعيه لاسترضاء قاعدته المتدينة المحافظة.
فخْر أردوغان بأمجاد الماضي الإسلامي -وغضبه على أولئك الذين يرغبون بطريقةٍ أو بأخرى الحط من شأن هذا التاريخ-كان واضحًا،في العديد من المناسبات، عندما عزف على وتر اكتشاف العالم الجديد المفترض بواسطة البحارة المسلمين.
قرار إدراج التركية العثمانية متماشيًا مع تكتيكات أردوغان، بكتب الصحفي جوزيف دانا من اسطنبول. مع الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في وقت مبكر من عام 2015، تبني أردوغان للغة التركية العثمانية تعتبر رؤية عامة لمعرفة كيف يعتزم إنفاق رأسماله السياسي الذي جمّعه على مدار العقد الماضي في السلطة. إذا حافظ حزب العدالة والتنمية على ولايته البرلمانية، فلن يواجه أردوغان معركة انتخابات لأربع سنوات أخرى، وسوف يكون لديه فرصة كبيرة لإحداث تغييرات أساسية أكثر للطريقة التي تُحكم بها تركيا.
وبعيدًا عن الجدال السياسي، فإن التاريخ الفعلي لتمحور تركيا حول اللغة العثمانية رائع. على جميع السكان أن يتعلموا فجأة أبجدية جديدة، في حين أنه على مسؤولي الحكومة أن يقوموا بإعداد قاموسٍ جديد.
وصف عالم اللغويات في اكسفورد جيوفرى لويس هذا قبل ذلك بأنها عملية هائلة، قائلًا: “حكومة أتاتورك، نصّت على ثلاث طرق لإنتاج الكلمات المطلوبة لجعل اللغة التركية مستقلة عن المفردات الأجنبية، وهي: استكشاف اللغة التي يُتحدّث بها، وجمع الكلمات الموجودة في النصوص القديمة، وفي حالة الضرورة خلق كلمات جديدة مشتقة من جذور الكلمات القائمة حاليًا وملحقاتها.
في أكتوبر عام 1932 بدأت مرحلة جمع الكلمات حيث ترأس كل حاكم محافظة لجنة لجمع الكلمات مع واجبهم بتنظيم هذه الكلمات المجموعة لاستخدامها بين الناس. وفي غضون عام، تم تسجيل أكثر من 35000 كلمة من مثل هذه الكلمات، بالتزامن مع تمشيط العلماء لقواميس اللغة التركية بحثًا عن الكلمات التي سقطت من الاستخدام أو التي لم تكن تُستخدم أبدًا في تركيا وجمعهم لهذه الكلمات من خلال أكثر من 150 نصًا قديمًا قارب المجموع 90000 كلمة”.
وقد اعتبر لويس هذه الجهود ” نجاحا كارثيا“.نجاح لأنها ساعدت في بناء وعي لايمكن إنكاره من الهوية التركية، وكارثي،كما يقول لويس، لأنها جعلت كل شيء كُتب مبكرًا قبل عام 1930،وما أكثر ما كُتب منذ ذلك الحين، غامضًا على نحو متزايد لكل جيل جديد.
معظمنا يجب أن يأمل أن إعادة تقديم اللغة العثمانية سوف يساعد على رأب الجسر المنقسم، بدلًا من إنشاء واحدٍ جديد.
نقلا هن التقرير