كشف صندوق النقد الدولي، أمس، أن الحكومة العراقية أبلغته في مذكرة أنها تخطط لتمويل العجز في ميزان المدفوعات بالسحب من احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية.
وقدرت الحكومة في إطار برنامج وافق عليه صندوق النقد كشرط مسبق للحصول على قرض، العجز المتوقع في ميزان المدفوعات عند 14 مليار دولار في العام الماضي وأن يبلغ نحو 11 مليار دولار في 2016.
وتبدو تلك التوقعات اليوم بعيدة عن الواقع بعد انهيار أسعار النفط العالمية، خاصة إذا أضيف إليها العجز الكبير المتوقع في الموازنة.
ورجح صندوق النقد أن يؤدي اللجوء إلى السحب من الاحتياطات المالية إلى تراجعها إلى 43 مليار دولار في العام الحالي من نحو 59 مليارا في نهاية أكتوبر الماضي.
ولا تغطي توقعات الصندوق كامل صورة الأزمة المالية في العراق، إذ من المرجح أن يتضاعف عجز الموازنة، التي توقعت أن يبلغ أكثر من 20 مليار دولار في العام الحالي، لأنها استندت إلى سعر 45 دولارا للبرميل.
ومن المرجح أن ينفجر عجز الموازنة لأن أسعار معظم الخامات العراقية تقل حاليا عن 30 دولارا للبرميل، وهو ما يقارب تكاليف إنتاج النفط في البلاد بسبب العقود المبرمة مع شركات النفط والتي أثارت فضائح كبيرة وتحوم حولها شبهات فساد.
وتمنح عقود تراخيص النفط التي أبرمها حسين الشهرستاني الرئيس السابق للجنة الطاقة في حكومة المالكي، شركات النفط الأجنبية 21 دولارا مقابل إنتاج كل برميل، إضافة لدفع مصروفات الشركات، دون تحديد سقف واضح، الأمر الذي يلتهم جميع عوائد صادرات النفط تقريبا.
20 مليار دولار العجز الذي تتوقعه الموازنة والذي من المؤكد أن يتضاعف
ويبدو أن عوائد النفط في ظل أسعار النفط الحالية لن تحقق أي عوائد ولن تغطي سوى جزء بسيط من الميزانية التشغيلية، خاصة في ظل عدم تسليم إقليم كردستان لأي مبيعات نفطية للحكومة المركزية.
وبدأ الارتباك يدب في أوصال الدولة العراقية بعد تصريحات لوزير المالية هوشيار زيباري في الأسبوع الماضي، أشارت إلى أن الحكومة قد تعجز عن تسديد الرواتب في شهر أبريل المقبل.
وتبدو الحكومة العراقية على حافة الإفلاس اليوم، والتي يمكن أن تفوق تبعاته أي حالة إفلاس في التاريخ بسبب شلل الاقتصاد التام، الذي جعل البلاد تعتمد بشكل تام على العوائد النفطية.
أكبر مشاكل العراق المالية اليوم هي الحفرة العميقة التي حفرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتفجر الموازنة التشغيلية، إلى مستويات غير مسبوقة في أي دولة في العالم، حيث تقدم الدولة اليوم نحو 7 ملايين راتب للموظفين والمتقاعدين.
وتتواصل الاحتجاجات في العراق والتي تطالب بالإصلاحات ومحاكمة الفاسدين، لكنها تطالب أيضا بتوفير الوظائف، بعد أن أصبحت الدولة المصدر الوحيد للوظائف في ظل شلل الاقتصاد.
ويحذر برلمانيون عراقيون من استمرار البنك المركزي في بيع العملة من خلال مزادات يومية وبكميات تفوق عوائد البلاد النفطية، رغم الكشف عن الفساد المستشري في تلك العمليات.
وكشفت الوثائق التي أودعها السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي لدى صحيفة المدى العراقية، عن أكبر منافذ الفساد التي تسرب منها 312 مليار دولار عبر مزادات البنك المركزي ومن خلال مصارف تعود لكتل سياسية وعبر شركات وهمية.
ويبدو من المستبعد أن تملك حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي القدرة على شن حرب واسعة مع معظم القوى السياسية المتنفذة، لأن تلك القوى تسيطر على معظم مؤسسات الدولة وبضمنها القضاء والمؤسسات الرقابية.
ويبذل العراق جهودا لانتشال الاقتصاد من الشلل التام، بعد أن بقي معزولا عن الاقتصاد العالمي، الأمر الذي حرمه من ثقة المستثمرين.
ودخل العراق في نهاية العام الماضي ضمن برنامج مراقبة صندوق النقد الدولي، بعد أن ظل لوقت طويل بعيدا عن أي رصد لسجل أدائه الاقتصادي. وسيترتب على الحكومة العراقية الالتزام بشروط الصندوق، التي قد تكون صعبة التنفيذ.
وأعلن البنك الدولي الشهر الماضي أنه سيقرض العراق 1.2 مليار دولار، كدعم طارئ لمساعدة البلاد على مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن محاربتها مسلحي تنظيم داعش وهبوط أسعار النفط.
وأكد البنك الدولي أن بغداد تعهدت بإجراء إصلاحات اقتصادية لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي أصابت اقتصاد البلاد. وأضاف “أحيانا تتيح الأزمات فرصا ونعتقد أن هذه فرصة”.
ومن بين تلك الإصلاحات بذل جهود لرفع كفاءة الشركات المملوكة للدولة وتحسين الإدارة في قطاع الطاقة وتقليص هيمنة المصرفين التجاريين الحكوميين، الرشيد والرافدين لإفساح المجال أمام البنوك الخاصة.
ويرفع القرض الجديد إجمالي قروض البنك الدولي للعراق إلى نحو ملياري دولار، وتتضمن 355 مليون دولار لتحسين سلامة الطرق والمواصلات و350 مليون دولار جرى الاتفاق عليها في يوليو الماضي لدعم إعادة إعمار المناطق المتضررة من أعمال عنف تنظيم داعش.
ويبدو العراق عاجزا اليوم عن اتخاذ أي خطوات لمعالجة سقوطه الحتمي في أزمة مالية طاحنة، وقد تجد الحكومة نفسها مضطرة لترك سعر صرف الدينار يتهاوى، لتخفيف التزاماتها المالية.
وتشير التقارير في الأسابيع الأخيرة إلى ارتفاع حاد في الجرائم، خاصة من قبل الميليشيات المسلحة، التي تحاول تعويض تقليص مخصصاتها المالية.
صحيفة العرب اللندنية