المقدادية.. العقدة العصية

المقدادية.. العقدة العصية

ديالى
برز من جديد اسم قضاء المقدادية (100 كلم شمال شرق بغداد) على واجهات وسائل الإعلام المختلفة، بسبب ما تعرّض له أبناؤها من عمليات قتل وتمثيل وهدم لمساجد المدينة بشكل كامل، وعدم تحريك الحكومة المركزية أي ساكن لإنقاذ مواطنين، يفترض أن تكون هي المسؤول الأول عن حمايتهم.
ومدينة المقدادية التي تقع ضمن محافظة ديالى، وثاني أكبر قضاء فيها، واحدة من العقد العصية على قوات الأحتلال الأميركي الذي ظلت قواته تمر من الطريق الرئيسي السريع لهذا القضاء، بسرعة فائقة؛ بسبب تربّص أبناء المدينة وقراها بقوات الأحتلال، ولطالما كبّدتهم مئات من القتلى والجرحى، ولم تستطع هذه القوات التحرّك بشكل مستريح هناك منذ أحتلالها العراق، وحتى انسحابها الرسمي منه نهاية عام 2011.
وبالنسبة لإيران، كان قضاء المقدادية، عبر التاريخ، عصياً على قبول محاولات الأنظمة الفارسية المختلفة في إجراء التغييرات الاجتماعية والمذهبية، ونجحت العشائر العربية هناك في التمسك بأصولها العربية، وبارتباطها بالعراق بشكل قوي وعميق، كما نجحت في تمثيل كل العراقيين باختلاف ألسنتهم وأديانهم ومذاهبهم؛ ففيها العرب والأكراد والتركمان والجيجان، وفيها الملسمون واليهود والمسيحيون، وطبيعيا فيها السنّة والشيعة.
بدا للجميع، أخيراً، أن ما يحدث في محافظة ديالى، وقضاء المقدادية تحديداً، عملية مبرمجة بشكل دقيق من قيادة الحرس الثوري الإيراني، لجعل كامل هذه المحافظة المختلطة الأعراق والمذاهب، وذات الأغلبية السنيّة (65%)، شيعيّة، بما يعني فتح حدود التمدد الإيراني إلى بغداد من دون عائق يذكر، وأن يكون الانسياح الإيراني من هذا المفصل بالذات، المفصل الذي دخل من بوابته جيش الفتح الإسلامي عام 642 م، أياً كان نوعه أو حجم قوته، وتستخدم إيران لهذا الغرض كل عناصر القوة لديها في العراق، وأولها الحكومة الموجودة في المنطقة الخضراء، والتي أوكلت لها مهمة التغطية على عمل العنصر الثاني المنفذ لهذه المهمة، المليشيات الإرهابية، وهذه قامت بهذه المهمة حتى الآن على أفضل صورة، فتم قتل المئات وتهجير الآلاف وجرف البساتين والقرى في المقدادية ونواحيها، وتم ويتم الآن هدم مساجد السنّة علناً وبطريقة كاملة. ولعل اللافت في سكوت الحكومة وحمايتها هذه المليشيات، غالباً ما تغطيه إدعاءات وجود أو مقاتلة مقاتلي تنظيم الدولة في المحافظة، فيما يؤكد سكان المناطق المنكوبة عدم وجود أي نشاط لهذا التظيم في أماكنهم، وأن المليشيات تأتي لهم بشكل مباشر لتقتل الرجال وتشرد العوائل، وفي أحيان أخرى، لتغتصب بعض نساء المنطقة.
واقع الحال، وبمقارنة بسيطة ومباشرة، ثبت للجميع أن جرائم المليشيات الإرهابية وجرائمها في المناطق السنيّة أكثر خطرا وأكثر بشاعة مما يرتكبه تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق وجوده، بل لا وجود للمقارنة، كما أن خطر المليشيات يرتبط بمشروع التغيير الديمغرافي فيما لا يبدو هذا واضحاً لدى تنظيم الدولة حتى هذه اللحظة، ووجوده في هذه المحافظة هو الأقل بين بقية محافظات العراق في المناطق العربية، شمال وشرق العاصمة بغداد .
ونتيجة فقدان أي دور للقوى الأمنية الحكومية في حماية أبناء المناطق التي تقع تحت قبضة

المليشيا الإرهابية، بدأ بعضهم، ومن باب (لا حول ولا قوة) بطرح موضوع (تدويل) قضية محافظة ديالى، وهي بالتأكيد لن تكون مفتاح الحل، ففي وجود حكومة غير قادرة على ضبط الأمور وإقامة القانون وحفظ أرواح الناس وأموالها، يكون تدويل محافظة ما (هذا إذا تم ذلك، وأشكك جداً في إمكانية إتمامه لأسباب كثيرة)، عملية عقيمة، وستكون مهمة القوات الدولية رفع التقارير عن التجاوزات، وترجيح من المتسبب في الخروق وغيرها. لذلك، ما يجب طرحه هو موضوع (تدويل) القضية العراقية، لأن وجود إدارة دولية انتقالية للعراق أفضل ألف مرة من وجود حكومة ضعيفة، وتسببت بضياع أجزاء كبيرة من العراق، وهدر الدم والمال العراقيين، ووضعت العراق في أسفل قائمة الدول الفاشلة، وربطت سيادة العراق واستقلاله وهيبته بدولة إقليمية غير عربية (إيران).
ولعل مما يثير السخرية والألم معاً أن تخرج مواقع المليشيات الإرهابية، بعد أن رأى العالم بأسره جرائمها في المقدادية، لتعلن أن عشائر المناطق المحرّرة في القضاء، تطالب ببقاء الحشد الشعبي لضمان عودة العوائل النازحة. هذه المنطقة (المحرّرة) لم تسمح لرئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، بزيارتها، فاكتفى بجولة حرة في أحد أسواق مركز المحافظة (بعقوبة)، معتبراً أن من يقوم بهذه الأعمال في المقدادية “ضعاف نفوس”!، كما تعذّر على رئيس البرلمان، سليم الجبوري (ابن هذا القضاء) الوصول إليها للسبب نفسه، فيما تزداد النقمة الشعبية عموماً، ونقمة أهل المقدادية خصوصاً على الحكومة التي تفرّط بشكل مباشر بأمنهم وأمانهم.
ومع كل ما يجري من قتل وترويع وهدم للمساجد في المقدادية، تفيد المعلومات بأن القضاء مازال نقطة عصية على المشروع الإيراني، المرسوم من أعلى سلطة في إيران، وأن أبناء عشائر هذه المدينة مازالوا في طور امتصاص الصدمة، وأنهم يراقبون أداء الحكومة والمحافل العربية و الدولية، وعلى ضوء ذلك كله، سيظهرون ردهم للحفاظ على أرواحهم وأعراضهم ومعتقداتهم في الوقت المناسب.

فارس الخطاب
صحيفة العربي الجديد