فقد أعدمت مليشيات شيعية في الأيام القليلة الماضية بالمقدادية مدنيين سنة، كما فجرت كل مساجد السنة في المدينة وعددها تسعة، وأحرقت محال تجارية وأسواقا وممتلكات عائلات سنية.
ويخيم الخوف على أهالي المدينة بسبب الانتشار الكثيف لمليشيا الحشد الشعبي التي تسيطر على المدينة منذ طرد تنظيم الدولة الإسلامية من أنحاء المحافظة، وتشير مصادر إلى أن العائلات السنية في المقدادية بين خيارين أحلاهما مر، إما الموت أو الخروج من المدينة، في ظل سيطرة مليشيات شيعية على المدينة ذات الغالبية السنية، بينما تغيب أجهزة الدولة الأمنية.
الجغرافيا والديمغرافية
وديالى هي المحافظة العراقية الوحيدة ذات الغالبية السنية التي لها حدود مع إيران، في حين أن المحافظات الحدودية الأخرى مع هذا البلد إما أنها ذات غالبية شيعية أو كردية، فضلا عن أن ديالى هي أقرب طريق بين بغداد وإيران.
ودفعت خطورة ما يجري في المقدادية حاليا من قتل على الهوية وتهديد للعائلات السنية المبعوث الخاص للأمم المتحدة جان كوبيس إلى إدانة الانتهاكات في المدينة، واتهم منفذيها بمحاولة الزج بالبلاد في فتنة طائفية، داعيا جميع الأطراف إلى عدم الانجرار إلى دوامة الانتقام.
سياق تاريخي
وأحداث القتل وإحراق المساجد والتهجير القسري الجارية في المقدادية ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت محافظة ديالى أكبر موجة تهجير قسري بين العامين 2006 و2007 عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير/شباط 2006.
وفي صيف العام 2013، قالت رئيسة لجنة المهجّرين والمرحّلين في البرلمان العراقي لقاء وردي إن مليشيات تقوم بعمليات تهجير منظمة وممنهجة في بعض مناطق ديالى، وذكرت صحيفة عراقية حينئذ أن عدد العائلات التي طالها التهجير القسري في قضاء المقدادية وبعض القرى التابعة له ناهز 235.
وفي أغسطس/آب 2014، قتلت مليشيات الحشد الشعبي نحو سبعين مصليا وأصابت عشرات آخرين بجروح أثناء أدائهم صلاة الجمعة بمسجد مصعب بن عمير بمحافظة ديالى.
ومنذ 2003 تتهم أطراف سنية في العراق المليشيات الشيعية بممارسة حملات تطهير طائفي ومحاولة تغيير سكاني لحساب المكون الشيعي في محافظة ديالى.
ومنذ العام 2013 رصد المراقبون محاولات منهجية مستندة للعنف لإحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة.
ويقول الباحث في الشؤون السياسية العراقية يحيى الكبيسي في مقال نشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إن هناك عمليات منهجية للتهجير القسري في مدن العراق المختلفة عادت بعد توقف مؤقت.
إعادة التوزيع
ويعتبر الباحث أن عمليات التهجير القسري التي شهدتها محافظة ديالى ترمي إلى إعادة التوزيع الديمغرافي داخل المحافظة نفسها لإنتاج مناطق صافية طائفيا.
وضمن خطة التغيير الديمغرافي للمحافظة، استغلت سيطرة تنظيم الدولة على مناطق في محافظة ديالى ليُعزز حضور مليشيا الحشد الشعبي التي سيطرت أمنيا على ديالى، وقامت بخطوات من بينها منع أهالي ديالى من السنة الذين نزحوا بسبب المعارك من العودة إلى منازلهم.
كما طرد الحشد الشعبي سكانا آخرين في عمليات واسعة شهدتها المحافظة، وكان آخر فصول ذلك استغلال المليشيات لحادث تفجير تنظيم الدولة الثلاثاء لمقهى في قضاء المقدادية أودى بحياة العديد من رواده، لتقوم المليشيات بعمليات انتقام طائفية واسعة النطاق شملت تفجير المساجد والأسواق والقتل والخطف على الهوية الطائفية في ظل غياب كامل للشرطة المحلية التي لم تحرك ساكنا.
وطالت اعتداءات المليشيات الشيعية الصحفيين، إذ قتل المسلحون الشيعة اثنين من مراسلي قناة الشرقية كانا يغطيان الأحداث بينما كانا في طريقهما إلى خارج المدينة.
غياب الدولة
غياب مؤسسات الدولة لا يقتصر فقط على الحكومة وأجهزتها الأمنية، بل إنه حتى رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، وهو سني من أبناء المقدادية، زار مدينة بعقوبة مركز المحافظة والتي لا تبعد سوى أربعين كلم عن المقدادية، ولم يزر الأخيرة لأسباب وصفت بالأمنية، بينما تحدثت وسائل التواصل الاجتماعي عن منعه من قبل المليشيات من دخول المدينة، وهو ما نفاه مستشاره الإعلامي في تصريح للجزيرة.
ولا تتوقف الانتقادات الموجهة للحكومة العراقية على عدم تدخلها لمنع الجرائم المرتكبة في ديالى، إذ تتهم أيضا بفرض تعتيم إعلامي على ما يجري في المنطقة، فهي لم تتعامل بجدية مع هذه الأحداث، ولم تقم بأي إجراء لملاحقة الجناة، وهو ما يعني بطريقة غير مباشرة تشجيع المليشيات على الاستمرار في عمليات القتل والحرق والتهجير.
ويؤكد عمر الكروي نائب رئيس مجلس محافظة ديالى أن العصابات الخارجة عن سيطرة الدولة باتت تتحكم في زمام الأمور بالمقدادية، مشيرا إلى تسجيل عمليات اختطاف وقتل أصبح معها المواطن المستهدفَ المباشر.
محمد بنكاسم
الجزيرة نت