خلفيات نشر الاتفاق “السري” بين موسكو والأسد

خلفيات نشر الاتفاق “السري” بين موسكو والأسد

الأسد وبوتين

ليس توقيت نشر الكرملين بنود الاتفاق الموقع بينه وبين النظام السوري عابراً ولا بريئاً. الاتفاق الموقع في 26 آب الماضي والذي كان يمكن أن يبقى طي الكتمان، لا يعطي موسكو تفويضاً مفتوحاً في سوريا فحسب، وإنما يوفر لها صلاحيات واسعة في البرّ والبحر والجوّ دونما رقيب، ويخوّلها امتيازات استثنائية مجنباً اياها اية محاسبة أو مسؤولية عن أي ضرر قد تتسبّب به.
البنود الإثنا عشر للاتفاق تشكل تنازلا سورياً لروسيا، وتسمح بتحويل القواعد الروسية محميات خارجة من سلطة النظام السوري، والجنود الروس و”عائلاتهم” مواطنين “فوق العادة” يتمتعون بالامتيازات الممنوحة بموجب اتفاق فيينا للعلاقات الديبلوماسة لعام 1961. باختصار، يعكس الاتفاق تسليما سورياً كاملاً لروسيا، على الارجح بسبب الحاجة الملحة للنظام في حينه الى مساعدة فورية لتجنب الانهيار، بعد الضربات الكبيرة التي كبدته اياها المعارضة مطلع الصيف ووصول قواتها الى مشارف معاقله، وخصوصا في غرب البلاد. ومع أن كل ما فيه رهن بالسلطات الروسية، تعددت التكهنات عن الأسباب التي دفعت الكرملين الى نشره في هذا الوقت، على رغم تعامل وسائل اعلام النظام السوري مع هذه الخطوة باعتبارهما عادية واكتفائها بنشر مقتطفات من الاتفاق.

وازاء تزايد الانتقادات الدولية للتدخل العسكري الروسي، وأقساها من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ليس مستبعداً أن تكون موسكو شاءت تشتيت الانتباه عن الخسائر المدنية تحديداً التي تتسبب بها عملياتها في سوريا، والتركيز على أن التدخل الروسي حصل بناء على طلب سوري رسمي. ويمكن أيضاً أن تكون راهنت على أن حجم التفويض يقلّل التركيز على الأفق غير الواضح لهذه العملية. فعلى رغم الزخم الذي أكسبته الغارات الروسية لقوات النظام وحلفائه على الأرض، فليس ثمة ما يوحي بتغيير كبير في موازين القوى ولا بنهاية قريبة لهذا التدخل. صحيح أن فكّ الحصار عن قاعدة كويرس في حلب والسيطرة على بلدة سلمى أخيراً، يعكسان زخماً جديداً لقوات النظام التي انتقلت من موقع دفاعي الى موقع هجومي، ولكن على مشارف انتهاء الأشهر الاربعة التي حدّدتها موسكو، وإن في شكل غير رسمي لعملياتها في سوريا، لا يزال الوضع بعيداً من الحسم. ولعل اعلان الكرملين عن التفويض المفتوح له في سوريا، يجنبه كشف حساب أقله أمام الرأي العام الروسي في شأن مغامرته السورية.

ولم تكن بعيدة من حسابات الكرملين بالتأكيد، محادثات جنيف المقررة في 25 كانون الثاني الجاري. فالمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية رياض حجاب رفض الدخول في مفاوضات ما دامت “جهات خارجية” تقصف سوريا، في اشارة الى موسكو. وبموجب الاتفاق “السري”، على حجاب وغيره أن يدركوا أن هذه “الجهات” باتت من أهل البيت وان اقامتها قد تستمر الى ما بعد… جنيف بكثير.

موناليزا فريحة

صحيفة النهار اللبنانية